النهار

أيّ موقف لجورجيا ميلوني من غزو أوكرانيا؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
ميلوني محسوبة على اليمين المتطرف... فهل تكون محسوبة على بوتين أيضاً؟
أيّ موقف لجورجيا ميلوني من غزو أوكرانيا؟
الرئيسة المتوقعة للحكومة الإيطالية المقبلة جورجيا ميلوني - "أ ب"
A+   A-

تشهد إيطاليا انتخابات تشريعيّة وسط توقّعات بفوز تحالف يمينيّ بقيادة حزب "إخوة إيطاليا" المتحدّر من أصول فاشية. تشير استطلاعات الرأي إلى حصول الحزب برئاسة جورجيا ميلوني على نحو ربع الأصوات الناخبة. إذا صحّت تلك الاستطلاعات فمن المتوقع أن تترأس ميلوني الحكومة المقبلة التي سيشارك فيها حزب "الرابطة" بقيادة وزير الدفاع الأسبق ماتيو سالفيني و"إيطاليا إلى الأمام" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني. تأسّس "إخوة إيطاليا" سنة 2012 وبالكاد حصد نسبة 4% من الأصوات سنة 2018. لذلك، سيكون الحزب قد حقّق قفزة نوعيّة لو نال بالفعل قرابة 25% من الأصوات.

 

"انتهت الحفلة"

لميلوني قضايا خلافيّة مع الاتّحاد الأوروبّيّ، كما هي الحال في علاقة أحزاب اليمين المتطرّف مع بروكسل، علماً أنّ ميلوني ترفض تصنيف حزبها في هذه الفئة. خلال حملتها الانتخابيّة قالت ميلوني: "انتهت الحفلة، وستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها الوطنية". تريد ميلوني الحدّ من الهجرة الآتية من أفريقيا، وهذا هو العنوان الأبرز الذي تلتقي فيه مع "الرابطة" و"إيطاليا إلى الأمام".

وتطالب ميلوني بتعديل "قواعد ميثاق الاستقرار" التي تحدّد سقف العجز في الموازنة ونسبة الدين إلى الناتج القومي. وثمّة مخاوف من توطيد "إخوة إيطاليا" العلاقات مع حزب "فيدس" المجري بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان المشكّك أيضاً بسياسات بروكسل. وتتّفق ميلوني مع أوربان وأحزاب يمينيّة أخرى في أوروبا حول محوريّة العائلة ورفض المثليّة ومواجهة الهجرة غير الشرعية. لكنّ الخلافات مع الاتّحاد الأوروبّيّ في القضايا الاجتماعيّة والعلاقات الإيجابية مع أوربان لا تعني أنّ ميلوني مؤيّدة للحرب الروسيّة على أوكرانيا.

 

ميلوني... "الأطلسيّة"

وصفت ميلوني الحرب على أوكرانيا بأنّها "عمل حربيّ غير مقبول". وخلال منتدى للأعمال انعقد أوائل الشهر الحالي بالقرب من بحيرة كومو، طمأنت ميلوني المراقبين بأنّ سياستها "أطلسية". وهذا يشكّل مفارقة بالنسبة إلى خطابات اليمين المتطرّف الذي يرى دوماً في المؤسّسات الأطلسيّة "انتهاكاً" للقرارات السياديّة الوطنيّة. وتعبّر مواقفها عن تحوّل بالمقارنة مع ما كانت عليه بعد ضمّ روسيا لأوكرانيا سنة 2014 حين انتقدت العقوبات الغربيّة على روسيا. وفي 2018، أعربت عن سرورها بفوز بوتين بالانتخابات الرئاسية. لكنّ ميلوني لم تعدّل سياستها الروسيّة وحسب بل كانت تنشط لإخراج إيطاليا من الاتّحاد الأوروبّيّ قبل أن تتخلّى عن هذا المطلب لاحقاً.

في الواقع، بدا خطابها أطلسيّاً كأيّ خطاب يلقيه معظم القادة الغربيّين. "الحرب في أوكرانيا رأس جبل الجليد في النزاع الهادف إلى إعادة رسم النظام العالميّ". وقالت إنّه يجب ألّا تكون إيطاليا "الحلقة الضعيفة" في التحالف الغربيّ. ولميلوني أيضاً شكوك في النوايا الصينية: "إذا سقطت أوكرانيا وهلك الغرب، فلن يكون المنتصر الكبير روسيا (فلاديمير) بوتين بل صين شي جينبينغ". وقالت إنّ "روسيا أكثر صخباً في الوقت الحاليّ والصين أهدأ، لكنّ اختراقها يصل إلى كل مكان".

 

تحالف غير متجانس؟

إنّ تمتّع ميلوني بموقف متشدّد من الغزو الروسيّ لأوكرانيا يمكن إلى حدّ ما أن يصعّب عليها قيادة الحكومة الائتلافيّة المرتقبة. فسالفيني غير متحمّس لمواجهة روسيا، كما أنّ حزبه وقّع اتفاقية تعاون مع حزب "روسيا الموحّدة" الذي يرأسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعدّ أيضاً صديقاً قديماً لبرلوسكوني. لهذا السبب، رأت صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة أنّ هناك "تصدّعات" تظهر في التحالف بين ميلوني وسالفيني. تعتقد ميلوني أنّ العقوبات الغربيّة على روسيا فعّالة، وهي رؤية لا يشاطرها إياها سالفيني علماً أنّه هو نفسه انتقد الحرب على أوكرانيا.

ويوم الجمعة، حاول بيرلوسكوني تبرير غزو أوكرانيا فقال إنّ بوتين "دُفع" إلى تلك الحرب. وأضاف: "كان من المفترض أن تدخل القوات (الروسية)، تصل إلى كييف في غضون أسبوع، تستبدل حكومة زيلينسكي بأشخاص طيّبين، وتعود بعد أسبوع" إلى روسيا. بعد اتّهامه من قبل بعض شخصيّات يسار الوسط بأنّه يتحدّث كـ"جنرال لبوتين" عاد برلوسكوني ليقول إنّ وجهة نظره تعرّضت لـ"التبسيط المفرط" ولفت إلى أنّ "الاعتداء على أوكرانيا غير مبرّر وغير مقبول" مشيراً إلى أنّ موقف حزبه واضح. "سنبقى دوماً مع الاتحاد الأوروبّيّ و(حلف شمال الأطلسي) ناتو ".

 

حسابات في الميزان

لا تدعم ميلوني فرض عقوبات على روسيا وحسب بل تؤيّد إرسال أسلحة إلى أوكرانيا أيضاً. تنقل مجلّة "بوليتيكو" عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة سورَي البريطانية دانيال ألبيرتازي قوله إنّ ميلوني "تريد إرسال إشارة بأنها يمينيّة مسؤولية بإمكان العالم أن يتعامل معها". وتعتقد المجلّة أنّ من بين حسابات "إخوة إيطاليا" في هذا الإطار هو أنّ بإمكان دعم أوكرانيا عسكريّاً فرض كلفة سياسية قصيرة الأجل، لكنه سيبني الصدقيّة على المدى الطويل.

تحتاج إيطاليا للدعم الماليّ الأوروبّيّ، لذلك من غير المرجّح أن تذهب ميلوني بعيداً في مواجهة أوروبا. وخصّص صندوق التعافي الأوروبي نحو 200 مليار أورو لإيطاليا كي تخرج من تداعيات جائحة "كورونا". لهذا السبب، يعتقد إريك موريس من "مؤسسة روبرت شومان" في بروكسل أنّ ميلوني لن تجري انعطافة في موقفها من روسيا لو وصلت إلى رئاسة الحكومة الإيطالية "لأنّ الكثير على المحكّ ديبلوماسياً واقتصادياً" بالنسبة إلى إيطاليا. وقال لموقع "أوبزرفر الاتحاد الأوروبي" إنّ ما قد يثير القلق أكثر هو ما ستفعله ميلوني في سياستها الداخلية لا الخارجية.

بعدما تحدّث برلوسكوني عن اضطرار بوتين إلى غزو أوكرانيا بفعل ضغط الشعب والمقرّبين منه، قال رئيس "الحزب الديموقراطي" (يسار الوسط) إنريكو ليتّا ، إنّه لو فاز اليمين بانتخابات الأحد، "فأسعد شخص سيكون بوتين". لغاية اليوم، يبدو أنّ المؤشّرات لا تدعم كثيراً كلام ليتا.

 

اقرأ في النهار Premium