أمضى الملايين من الأوكرانيين أمس من دون تدفئة أو كهرباء بعد ضربات جوية روسية وُصفت بأنها الأكثر تدميراً من بين الهجمات على شبكة الطاقة حتى الآن، وسط دعوات للسكان للتأهب للمزيد من الهجمات وتخزين المياه والطعام والملابس الثقيلة.
وتقول موسكو إن الهجمات على البنية التحتية الأساسية في أوكرانيا مشروعة من الناحية العسكرية، وإن كييف قادرة على إنهاء معاناة شعبها إذا ما استجابت للمطالب الروسية، فيما تؤكد أوكرانيا أن الهجمات التي تهدف إلى مفاقمة معاناة المدنيين تمثل جريمة حرب.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب مصور ليل الخميس-الجمعة: "تحملنا معاً حرباً شاملة مستمرة منذ تسعة أشهر ولم تجد روسيا سبيلاً لكسرنا، ولن تجد".
وتستهدف روسيا شبكة الطاقة الأوكرانية في مناطق تبعد كثيراً عن الخطوط الأمامية، بوابل من الصواريخ بعيدة المدى أسبوعياً تقريباً منذ مطلع تشرين الأول.
وتسببت هجمات وقعت الأربعاء في أسوأ أضرار حتى الآن، وأدت إلى انقطاع الكهرباء والماء والتدفئة عن الملايين وسط انخفاض لدرجات الحرارة في أنحاء البلاد لما دون الصفر.
وبعد ما يقرب من 48 ساعة من الضربات، قالت شركة تشغيل الشبكة الوطنية "أوكرنرجو"، إن هناك عجزا عن تلبية الطلب بنسبة 30 في المئة. وأضافت "تم إعطاء أولوية لمرافق البنية التحتية الحيوية في جميع المناطق: وحدات التدفئة ومحطات توزيع الغاز وإمدادات المياه ومنشآت معالجة مياه الصرف الصحي والنقل العام الكهربائي في بعض المناطق".
كما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن المحطات النووية الأوكرانية الأربع أعيد توصيلها بشبكة الكهرباء الوطنية، بعدما فقدت إمدادات الكهرباء الخارجية بالكامل في وقت سابق هذا الأسبوع.
وتم فصل المنشآت عن شبكة الكهرباء الأربعاء للمرة الأولى في تاريخ أوكرانيا، بعد أحدث موجة من الهجمات الجوية الروسية على البنية التحتية الأساسية.
وقالت الوكالة في بيان إن أوكرانيا أبلغتها أمس، أنه جرى إعادة توصيل محطات ريفني وجنوب أوكرانيا وخملنيتسكي. وأعلنت كييف في وقت سابق إن أوكرانيا أعادت توصيل محطة زابوريجيا الضخمة الخميس.
وقد أدى قصف روسي على مدينة خيرسون بجنوب أوكرانيا إلى مقتل 15 مدنياً أمس، وفق ما أعلنت غالينا لوغوفا المسؤولة في المدينة التي استعادتها كييف أخيراً.
وقالت عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "قُتل اليوم 15 من سكان مدينة خيرسون وأصيب 35 آخرون بينهم طفل نتيجة قصف العدو". وأضافت أن " منازل خاصة عدة وبنايات شاهقة تضررت" جراء الهجمات.
بقعة مظلمة
تظهر أوكرانيا من الفضاء ليلاً كبقعة مظلمة على الكرة الأرضية.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان "الملايين يواجهون معاناة شديدة وظروفا معيشية مروعة جراء هذه الضربات (الروسية)".
وأشار إلى أن هذا "يمثل مشاكل خطيرة بموجب القانون الإنساني الدولي، الذي يتطلب وجود سبب عسكري واضح ومباشر لكل موقع يتم استهدافه".
وقال نايجل بوفواس، وهو ممثل الادعاء الرئيسي في فريق من الخبراء الدوليين يساعد المحققين الأوكرانيين المختصين بجرائم الحرب، إن الضربات "مسلطة لمحو البنية التحتية الضرورية لحياة المدنيين مثل التدفئة والمياه والكهرباء والمنشآت الطبية".
وأضاف :"كل موجة من الهجمات تعزز قوة ما يقال عن ارتكاب الكرملين لإجرام صارخ، وعن أن تلك الهجمات ليس لها صلة تذكر بالأهداف العسكرية".
وعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أمر بالغزو واستدعى مئات الآلاف من جنود الاحتياط في أول عملية تعبئة في بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، اجتماعا بثه التلفزيون مع أمهات الجنود أمس، وأشاد بتضحيات أبنائهن.
وقال في الاجتماع المسجل وهو يجلس مع الأمهات حول طاولة عليها شاي وكعك وفاكهة :"أود أن تعلمن أنني شخصياً وقيادة البلاد كلها نشعر بألمكن".
وأفاد مكتب وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي إنه زار أوكرانيا وتعهد بمساعدات إضافية بملايين الجنيهات الإسترلينية.
وكشف مسؤول في مكتب كييف للجنة الدولية لشؤون المفقودين، إن أكثر من 15 ألفاً باتوا في عداد المفقودين خلال الحرب في أوكرانيا.
وقال مدير برنامج اللجنة في أوروبا ماثيو هوليداي، إنه لم يتضح عدد الأشخاص الذين تم نقلهم قسرا أو المحتجزين في روسيا أو الأحياء الذين انفصلوا عن عائلاتهم أو ماتوا ودفنوا في مناطق لم تكن مخصصة أصلا للدفن.
وتحل هذا الأسبوع الذكرى التسعين لمجاعة هولودومور، وهي مجاعة من صنع الإنسان تُرك فيها ملايين الأوكرانيين يموتون جوعاً بينما كان الاتحاد السوفياتي يصدر الغذاء.
ومن المتوقع أن يصوت البوندستاغ الألماني بغالبية ساحقة للاعتراف بها كإبادة جماعية بعد خطوات مماثلة قبل أيام من رومانيا ومولدوفا وأيرلندا. وأشاد وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا بالخطوة وشكر ألمانيا "على تكريم الشعب الأوكراني".
وكان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين قد أرسل الشرطة في تشرين الثاني 1932 لمصادرة كل الحبوب والماشية من المزارع الأوكرانية التي جرى تأميمها حديثاً بما في ذلك البذور التي كانت ضرورية لمحصول العام التالي. ووصف تيموثي سنيدر أستاذ التاريخ في جامعة ييل الموت الذي شاع وحصد أرواح الملايين من الأوكرانيين بسبب المجاعة بأنه "قتل جماعي متعمد بلا شك".