بين الترهيب والوصم، تجد الجالية الصينية في كندا نفسها ضحية النزاع بين أوتاوا وبيجينغ بشأن تدخل الأخيرة المفترض في الشؤون الكندية.
ويفاقم كل خلاف جديد بين بلد أجدادهم وذاك الذي انتقلوا إليه الضغط على أفراد الجالية. وشملت آخر حلقة في سلسلة الخلافات هذه تبادل البلدين طرد الديبلوماسيين في أيار.
يبدو عدم الارتياح واضحا حيال التحدّث علنا عن التهديدات والعنصرية في أوساط كثيرين في حي "تشاينا تاون" التاريخي في تورونتو، حيث يرافق شعار كندا المتمثل بورقة القيقب اللافتات المكتوبة باللغة الصينية المعلّقة فوق المتاجر المكتظة وأسواق المواد الغذائية.
تحدّث ناشطون حقوقيون وأقليات عرقية في كندا عن مضايقات وثّقتها أيضا منظمة العفو الدولية في السنوات الأخيرة.
اتّهم البعض عملاء سريين صينيين أو وكلاء لهم بمضايقة الصينيين الكنديين عبر التهديد بالانتقام من أقاربهم في الصين.
وقال الرئيس المشارك لرابطة تورونتو للديموقراطية في الصين شيوك كوان لفرانس برس مؤخرا "ما يقومون به هو استخدام الروابط العائلية بالصين أو هونغ كونغ لتهديدك".
وأضاف أن ذلك يشمل "تهديدات بالقتل وترهيب لفظي أو قول عبارة بسيطة مثل +نعرف أين يعيش أهلك+".
وتؤكد دلنور أنور، وهي من أقلية الأويغور هربت من الاضطهاد في الصين وانتقلت إلى كندا عام 2019، أنها تلقت اتصالات من هذا القبيل على مدى سنوات وبوتيرة يومية تقريبا.
وتقول أنور التي تقيم اليوم في مونتريال "حجبت أرقام (الهواتف) لكن شيئا لم يتغيّر لأنهم يتصلون طوال الوقت باستخدام أرقام أخرى".
وأوضحت "يُطلب مني أحيانا التوجّه إلى السفارة. تكون في بعض الأوقات رسالة مسجّلة".
وأضافت "أشعر بقلق بالغ إذ لم أسمع شيئا عن عائلتي منذ ست سنوات".
- "عشنا في حالة خوف" -
تهيمن الخلافات على العلاقات بين أوتاوا وبيجينغ منذ العام 2018 عندما أوقفت رئيسة تنفيذية في شركة هواوي بموجب مذكرة أميركية في فانكوفر وتم اعتقال مواطنَين كنديين في الصين في إجراء بدا أنه انتقامي.
ومن ثم، كان هناك وباء كوفيد و"مناطيد التجسس" الصينية فوق أميركا الشمالية ومراكز الشرطة الصينية السرية التي اكتُشفت في مدن كندية فضلا عن الاتهامات بتدخل بيجينغ في الانتخابات الكندية.
ويخضع المهاجرون الصينيون في كندا وأحفادهم عادة إلى إجراءات رقابية إضافية في ظل هذا النوع من الأحداث المثيرة للجدل.
وتقول أيمي غو المؤسسة المشاركة للمجلس الصيني الكندي للعدالة الاجتماعية "سيُنظر إلينا دائما على أننا من الصين، رغم أن لا ارتباطات لنا بالصين".
وجاء في رسالة مفتوحة وجهتها عشرات الجمعيات الصينية الكندية تستذكر التمييز الذي عانى منه أوائل المهاجرين الصينيين إلى أميركا الشمالية "في الماضي، عشنا في حالة خوف... دعونا لا نترك ذلك يتكرر اليوم".
وأضافت الجمعيات "في السنوات الأخيرة، أصبح من الصعب التغاضي عن الضغوط الاجتماعية التي تُمارس على أفراد جاليتنا"، مشيرة إلى التوتر الديبلوماسي "الذي يؤثر الآن مباشرة على جاليتنا".
استقر أوائل المهاجرين القادمين من الصين في كندا قبل أكثر من مئتي عام. تلت ذلك موجات هجرة عديدة لا سيما في أواخر القرن التاسع عشر من أجل المساعدة في بناء خط سكك الحديد الكندي الممتد عبر القارة.
وحّدت سكة حديد المحيط الهادئ الكندية الدولة حديثة العهد حينذاك لكن الثمن كان باهظا إذ لقي مئات العمال الصينيين حتفهم في حوادث أو جراء البرد الشديد أو المرض أو سوء التغذية.
واليوم، تظهر بيانات التعداد السكاني بأن أصول حولى 1,7 مليون كندي (أي ما يعادل خمسة في المئة من السكان) تعود إلى الصين.
- "قمة جبل الجليد" -
يؤمن الكثير من أفراد الجالية بوجود حاجة ملحة إلى أن تتحرّك أوتاوا للحد من ازدياد العنصرية مؤخرا.
كما أن على الحكومة "ضمان عدم استجواب (عملاء الصين) للكنديين والقادمين الجدد أيضا، أو تعرضهم في نهاية المطاف إلى مخاطر أو تهديدات من بلدان أجنبية"، بحسب غو.
وكُشف مؤخرا بأن بيجينغ فرضت عقوبات على النائب الكندي مايكل تشونغ وأقاربه في هونغ كونغ ردا على انتقاداته الشديدة للصين.
والثلثاء، خلص مسؤول كندي بارز أيضا إلى أن الصين سعت للتدخل في الانتخابات الكندية عامي 2019 و2021.
رفضت بيجينغ الاتهامات واصفة إياها بـ"تشويه السمعة والتشهير الذي لا أساس له" وحذرت أوتاوا من السعي لـ"تخريب" العلاقات مع ثاني أكبر شريك تجاري لها.
في الأثناء، قد يكون الترهيب الذي يواجهه أشخاص مثل أنور أوسع نطاقا مما يُعتقد، بحسب كوان من رابطة تورونتو.
ويؤكد كوان أن هذا النوع من السلوك من قبل الصين ليس إلا "قمة جبل الجليد... لا نرى 90 في المئة من جبل الجليد".