أبرز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خططه لإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم في وقت كان يستغل وترا قوميا ليصل إلى العقد الثالث من حكمه. لكنه قد يواجه صعوبات جمة من أجل الوفاء بوعده مع بقاء الصراع قائما في سوريا.
وشدد إردوغان، الذي اعتبره معارضون سوريون للرئيس بشار الأسد حليفا لفترة طويلة، على عودة اللاجئين خلال حملة انتخابية شرسة قبل جولة الإعادة التي جرت يوم الأحد ضد كمال كيليتشدار أوغلو الذي اتخذ موقفا أكثر صرامة بشأن هذه القضية.
وأدى التركيز على عودة اللاجئين قبل الانتخابات إلى إثارة القلق بين 3.4 ملايين سوري تقريبا يعيشون في تركيا حيث يتزايد شعور الاستياء تجاههم.
وجاء العديد من اللاجئين من أجزاء في سوريا لا تزال تخضع لسيطرة الأسد ويقولون إنهم لا يستطيعون العودة إلى بلداتهم وقراهم طالما بقي في السلطة.
بموجب خطط إردوغان، لن يضطروا إلى ذلك إذ يقول إن تركيا تبني مساكن جديدة في شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه جماعات من المعارضة المسلحة بمساعدة قطرية وهي منطقة تنشر فيها أنقرة قوات على الأرض وأدى وجودها إلى ردع الحكومة السورية عن شن هجمات عليها.
وتشير تلك الخطط إلى مضاعفة التزام تركيا بالمنطقة التي تسيطر عليها جماعات من المعارضة المسلحة حيث تزيد من نفوذها منذ سنوات، حتى في الوقت الذي يطالب فيه الأسد بجدول زمني لانسحاب القوات التركية كشرط للتقدم نحو إعادة بناء العلاقات بين البلدين.
ومع تزايد استياء ناخبين أتراك من الوضع، إذ تستضيف تركيا لاجئين أكثر من أي دولة أخرى، وضعت خطط إردوغان القضية في محور سياسته حيال سوريا إلى جانب مخاوف بشأن الجماعات الكردية السورية التي أقامت جيوبا على الحدود وتعتبرها تركيا تهديدا لأمنها القومي.
وقال إردوغان إنه يهدف إلى ضمان عودة مليون لاجئ في غضون عام إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وحضر وزير داخليته سليمان صويلو الأسبوع الماضي افتتاح مشروع إسكاني في بلدة جرابلس السورية يستهدف إيواء بعض من سيعودون لبلادهم.
وقال إردوغان في خطاب النصر يوم الأحد "من واجبنا تلبية توقعات مواطنينا بشأن هذه القضية بالطرق والوسائل التي تليق ببلدنا" مضيفا أن ما يقرب من 600 ألف سوري قد عادوا بالفعل طواعية إلى مناطق آمنة.
مخاوف أمنية
لكن بالنسبة للعديد من السوريين في تركيا هذا الاحتمال لا يروق لهم.
قال سوري يدعى أحمد (28 عاما) وهو طالب في جامعة أنقرة "أود العودة إلى سوريا ولكن ليس إلى جرابلس... أود العودة إلى مكاني في بلدي... إلى اللاذقية" في إشارة إلى المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة المطلة على البحر المتوسط.
وتابع قائلا "أود العودة... لكن إذا بقي الأسد لا يمكنني ذلك بسبب مخاوف أمنية".
وبسبب خضوعها لسيطرة الكثير من الجماعات المسلحة، تعاني مناطق من شمال غرب سوريا من انعدام القانون أيضا.
وقال آرون لوند خبير الشؤون السورية في سنتشري إنترناشونال، وهي مؤسسة بحثية "لا تزال الأوضاع في شمال سوريا سيئة للغاية وغير مستقرة مما يصعب معه ترتيب عودة واسعة النطاق رغم كل هذه التقارير حول قيام تركيا وقطر ببناء مساكن وبنية تحتية".
وأضاف "يبدو الأمر وكأنه قطرة في محيط، والوضع الاقتصادي العام آخذ في التدهور".
وغيرت تركيا من نهجها الديبلوماسي الذي تتبعه مع سوريا لأسباب منها محاولة تحقيق هدف تأمين عودة اللاجئين. وحذت حذو حكومات أخرى في المنطقة بإعادة فتح قنوات الاتصال مع الأسد الذي وصفه إردوغان من قبل بأنه "جزار".
لكن تقارب أنقرة مع دمشق يسير بوتيرة أبطأ مقارنة بوتيرة تحسن العلاقات بين الأسد ودول عربية مما يعكس الدور التركي الأعمق في بلد توجد على أرضه قوات لروسيا وإيران والولايات المتحدة أيضا.
يعتقد محللون أن أنقرة لن توافق بسهولة على مطالبة الأسد بجدول زمني للانسحاب مشيرين إلى أن أي إشارة على مغادرة القوات التركية ستدفع المزيد من السوريين لمحاولة الفرار إلى تركيا خوفا من عودة حكم الأسد إلى الشمال الغربي.
وقالت دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية "من المستبعد للغاية أن تتنازل تركيا فيما يتعلق بسحب القوات وهو ما يعني على الأرجح توجه مئات الآلاف من اللاجئين إليها إذا غادرت قواتها إدلب".
العودة الطوعية
شعر كثير من السوريين في تركيا بالارتياح لهزيمة كيليتشدار أوغلو. فخلال حملته قال إنه سيناقش خطط عودة اللاجئين مع الأسد بعد إعادة العلاقات وإن عودتهم جميعا ستكتمل في غضون عامين لكن لن تكون عودة قسرية.
وصعّد نبرته بعد أن حصل على أصوات أقل من إردوغان في الجولة الأولى متعهدا بإعادة كل المهاجرين إلى بلادهم.
وقال إبراهيم كالين كبير مستشاري السياسة الخارجية لإردوغان يوم الإثنين إن تركيا تريد عودة آمنة وكريمة وطوعية.
وينص القانون الدولي للاجئين على أن جميع عمليات العودة يجب أن تكون طوعية.
وقال كالين لإذاعة محلية "نحن نخطط لتأمين عودة مليون أو 1.5 مليون سوري في المقام الأول".
وقال سمير العبد الله من مركز هارمون للدراسات المعاصرة في إسطنبول، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية، إنه لا يتوقع الكثير من التغيير الآن بعد انتهاء المعركة الانتخابية.
وقال "السوريون مرتاحون بعد انتصار إردوغان... لا شيء يعيب العودة الطوعية. لا نتوقع تغييرا في السياسة المتعلقة بالهجرة".