تحاول فرنسا إعادة بناء علاقاتها بالدول الأفريقية بصعوبة في قارة تشكك شريحة متزايدة من سكانها في وعود الرئيس إيمانويل ماكرون بتغيير نهجه الديبلوماسي بشكل جذري.
واعلنت الرئاسة الفرنسية أن ماكرون سيقدم في خطاب الاثنين استراتيجيته بشأن أفريقيا للسنوات الأربع المقبلة من أجل "تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الأفريقية".
وأوضح مستشار لماكرون أن الرئيس الفرنسي سيعرض "رؤيته للشراكة مع الدول الأفريقية" و"المسار الذي سيسلكه" في ولايته الثانية التي تستمر خمس سنوات، في الخطاب الذي سيلقيه في الإليزيه قبل يومين من بدء جولة في وسط أفريقيا.
ويزور ماكرون من الأول إلى الخامس من آذار أربع دول في وسط أفريقيا لحضور قمة مخصصة لحماية الغابات الاستوائية وتعزيز العلاقات الثنائية في منطقة نفوذ تثير أطماع روسيا والصين بشكل متزايد.
وتأتي رحلة رئيس الدولة بعيد انسحاب القوات الخاصة الفرنسية من بوركينا فاسو بطلب من سلطات هذه الدولة. ولم تقطع العلاقات الديبلوماسية مع واغادوغو، لكن إلغاء الاتفاق العسكري يشكل إشارة أخيرة موجهة إلى القوة الاستعمارية السابقة لإعادة التفكير في استراتيجيتها.
وفي السنوات الأخيرة حاولت فرنسا قطع صلاتها بسياستها القديمة بالقارة وممارساتها المبهمة وشبكات نفوذها الموروثة من الاستعمار.
لكن في القارة، ما زال إيمانويل ماكرون يواجه انتقادات بسبب استمرار اجتماعاته مع القادة الأفارقة الذين يعتبرون مستبدين.
وقالت سكرتيرة الدولة كريسولا زاكاروبولو التي سترافق الرئيس الفرنسي في جولته التي تشمل الغابون وأنغولا والكونغو برازافيل وجمهورية الكونغو الديموقراطية "اليوم تختار الدول الأفريقية شركاءها بحرية وسيادة وهذا أمر جيد".
وترى أن الشعور المناهض لفرنسا في أفريقيا الناطقة بالفرنسية يدفع باريس إلى تطوير "موقفها باتجاه مزيد من الإصغاء والتواضع".
وقالت الرئاسة الفرنسية في بيانها إن ماكرون "سيحدد أهداف زيارته، وعلى نطاق أوسع أولوياته ونهجه في تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الأفريقية".
لكنها تحذر أيضا من الذين يلجأون إلى روسيا ومجموعة المرتزقة الروسية فاغنر. وقالت "نحن نعتمد على الاحترام المتبادل وسيادة شركائنا بينما يعتمد آخرون على الترهيب والمعلومات المضللة".
لكن هذا الموقف لا يلقى حاليا الصدى المتوقع خصوصا بين الشباب في قارة نصف سكانها دون سن العشرين، ويبدو أنه يتقبل الرسائل المعادية لفرنسا التي تُنشر على شبكات التواصل الاجتماعي.
- "نقطة أساسية" -
قال حسن كونيه ، الباحث في معهد الدراسات الأمنية في دكار إن "الديبلوماسية الفرنسية يجب أن تصغي" لمطالب الدول الأفريقية.
وأضاف أن الوضع الأمني في دول الساحل يتدهور "يوما بعد يوم" منذ عشر سنوات. وتابع "إذا طلبت دعما بمعدات وأغلقت فرنسا الباب فستتوجه هذه الدول إلى روسيا والصين وتركيا".
وعبر آلان أنتيل ، مدير مركز أفريقيا جنوب الصحراء التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، عن الرأي نفسه مشيرا إلى أن توريد المعدات العسكرية هو "نقطة أساسية".
لكنه أشار إلى أن هذا الطلب يصعب سماعه من دول مثل فرنسا "لأن بعض دول منطقة الساحل ترتكب انتهاكات ضد السكان المدنيين".
وبالإضافة إلى ذلك وبعد فشل عملياتها العسكرية لا سيما في مالي، تبدو فرنسا أكثر ميلا إلى محو وجودها العسكري في القارة والتركيز على فرص التعاون عبر مدارسها ومعاهدها ومدربيها وشركاتها.
وقالت كريسولا زاكاروبولو إن "الشق الأمني كان مرئيا جدا في السنوات الأخيرة على حساب شراكتنا المدنية".
وبالتالي يمكن أن تكون العلاقة بين فرنسا وأفريقيا عند منعطف.
- "زوجان" -
حاليا يشبه الوضع "زوجين" تشهد العلاقة بينهما "خلافات"، حسب حسن كونيه. ويبدو أنه لا يمكن التوفيق بين الزوجين لكن الباحث يقول إنه "متفائل جدا" بسبب "العلاقات القديمة" التي تربط فرنسا بهذه البلدان.
وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي "علينا مراجعة برامجنا باستمرار"، معترفا "بمعرفة غير كافية" بأفريقيا "عبر رؤية شديدة التبسيط".
وتابع المصدر نفسه أن أفريقيا ليست دولة واحدة بل نحو خمسين دولة، مشددا على أن "البعد الأساسي إنساني".
لكن حسن كونيه يرى أن على فرنسا أيضًا أن تبرهن تمسكها بهذه العلاقة لا سيما في سياق الحرب في أوكرانيا لأن الاهتمام بالأوكرانيين "يثير تساؤلات كثيرة لدى الأفارقة حول ما يمثلونه بالنسبة للفرنسيين".
ولتفسير الاستياء المتزايد في بلدان مثل مالي أو السنغال يُنظر إلى المساعدة الكبيرة المقدمة للأوكرانيين هناك على أنها معايير مزدوجة.
وقال كونيه "عندما يحاول الأطباء الشباب، المتخرجون بالفعل الحصول على تدريب متقدم في فرنسا ويضطرون إلى البحث عنه في ألمانيا أو في بلدان أخرى، فهذا يثير تساؤلات".
وتؤكد زاكاروبولو أن أن باريس وشركاءها الأوروبيين يقفون إلى جانب الأفارقة أثناء الأزمات، بما في ذلك وباء كوفيد-19 وأنهم اليوم يتصدون لـ"حالة الطوارئ الغذائية" التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا.
وكتب أنطوان غلاسر أحد مؤلفي كتاب "مصيدة ماكرون الأفريقية" أن خلاصة القول هي أن فرنسا "لم تقدر حجم هذا الماضي الذي لا يمر"، مشددا على أن "روسيا لم تحرض على مشاعر معادية لفرنسا، بل تستغل هذا الاستياء".
وفي غياب تهدئة فورية مع المستعمرات السابقة، يتابع إيمانويل ماكرون أيضًا تقاربا مع البلدان الناطقة باللغة الإنكليزية وتلك الناطقة بالبرتغالية في القارة.