كشفت موجة القمع في نيكاراغوا وتجريد أكثر من 300 معارِض من الجنسية بأمر من حكومة دانيال أورتيغا الانقسام الأيديولوجي العميق بين قادة اليسار المتعدد الوجوه في أميركا اللاتينية.
ومن الديموقراطية الاجتماعية الأوروبية إلى الحكم الاستبدادي للحزب الواحد يمكن تعريف "اليسار" في أميركا اللاتينية بأشكال عدة. والمد الوردي أو الأحمر، بحسب ما شهده كل بلد، ليس موحدا في إعطاء رد على عمل دانته الأمم المتحدة.
فالرئيس التشيلي غابريال بوريك (37 عامًا) الذي يمثل جيلا جديدا من اليسار وينتقد صراحة حرسا قديما يتبنى أيديولوجيا شيوعية وثورية، هو الوحيد في المنطقة حتى الآن الذي دان علنا إجراءات أورتيغا المناهضة للديموقراطية ووصفه ب"الديكتاتور".
وانتظرت الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك بضعة أيام قبل أن تعرض كل منها على المعارضين الذين جردوا من جنسيتهم، تضامنها واللجوء وحتى الجنسية. لكنها لم توجه أي كلمة قاسية إلى نظام نيكاراغوا.
أما البرازيل حيث تولى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا السلطة في الأول من كانون الثاني، فتلتزم الصمت.
وقال مايكل شيفتر من مركز الحوار الأميركي في واشنطن لوكالة فرانس برس إن معظم الرؤساء اليساريين في أميركا اللاتينية يرون أن "وزن الأيديولوجيا أكبر من الواقع".
وأضاف "بالنسبة لقاعدتهم الأكثر تطرفاً يمكن تفسير إدانة أورتيغا على أنها انحياز لواشنطن وهذه قضية حساسة جدا" بعد عقود من التدخل الأميركي في شؤون دول أميركا اللاتينية وخصوصا تلك التي يحكمها اليسار الثوري.
- صمت استراتيجي -
أطلقت حكومة نيكاراغوا سراح 222 سجينا سياسيا في التاسع من شباط ورحلتهم إلى الولايات المتحدة وجردتهم من جنسيتهم. وبعد أسبوع، جردت ماناغوا من الجنسية 94 منشقا اعتبرتهم "خونة للوطن" يقيم معظمهم بالفعل في الخارج.
وعلى الفور عرضت اسبانيا منحهم جنسيتها بينما قالت وزيرة الخارجية التشيلية أنطونيا أوريخولا إن نيكاراغوا تتحول "أكثر فاكثر كل يوم" إلى "ديكتاتورية شمولية يتم اضطهاد أي شكل من أشكال المعارضة فيها".
لكن الحكومات اليسارية الأخرى في أميركا اللاتينية بدت مترددة.
وانتظرت حكومة يسار الوسط في الأرجنتين حتى الثلثاء لتعلن أنها "يمكن أن تمنح الجنسية" للمعارضين الذين جردوا من جنسيتهم.
وحذا الرئيس الشعبوي اليساري في المكسيك أندريس مانويل لوبيز أوبرادور والحكومة اليسارية في كولومبيا التي يرئسها غوستافو بترو المتمرد السابق مثل أورتيغا، حذوها الأربعاء.
وقال لوبيز أوبرادور أنه عرض "اللجوء والجنسية وما يريدون" للمعارضين من دون أن ينتقد حكومة أورتيغا، مؤكدا أنه "حاولنا دائما التوصل إلى اتفاق وإطلاق سراح السجناء".
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية المستقلة للمكسيك والجامعة الإيبيرية الأميركية مارتن إينيغويز لفرانس برس إن الرئيس المكسيكي "يقول إنه لا يريد الدخول في مواجهة من أجل إبقاء الأبواب مفتوحة للحوار السياسي" في نيكاراغوا وجعل المكسيك وسيطا فعالا مرة أخرى.
أما وزير الخارجية الكولومبي الفارو ليفا فقد اكتفى بتقديم "الجنسية الكولومبية للسياسي والمفكر والكاتب النيكاراغوي سيرجيو راميريز"، معبرا بذلك عن "تضامن البلاد ومشاعر الرئيس غوستافو بيترو" .
وما زالت البرازيل بقيادة لولا الذي يوصف بأنه رمز لليسار في أميركا اللاتينية، تلتزم الصمت.
وقال أوليفر ستونكل أستاذ العلاقات الدولية في مؤسسة "جيتوليو فارغاس" في ساو باولو لفرانس برس إن "لولا يواجه معضلة لأن جزءًا من ائتلافه (الحاكم) يرغب في إدانة، لكن جناحًا (من) حزبه العمالي غير مهتم بذلك (...) والصمت هو أفضل استراتيجية".
ولم تدل حكومتا البيرو التي وصلت إلى السلطة تحت راية يسار راديكالي وغارقة في نزاع داخلي، وبوليفيا بقيادة حركة اليسار الثوري (ماس)، بأي تعليق.
وبين الدول الرئيسية من البلدان ال24 في أميركا اللاتينية، يحكم رؤساء يميلون إلى اليمين فقط في الإكوادور (غييرمو لاسو) والأوروغواي (لويس لاكال بو) وباراغواي (ماريو عبدو).
أما الرئيس الفنزويلي المدافع بقوة عن أورتيغا، مثل كوبا، فقد حمل بعنف على "يسار جبان يحاول أن يفرض نفسه نموذجا" عبر مهاجمته "رئيس جمهورية نيكاراغوا الشجاع".
ويستهدف بذلك من دون أن يسميه غابريال بوريك الذي كان أول من أدان سجن "المعتقلين السياسيين" في نيكاراغوا.