على وقع تقدّم المفاوضات النووية في فيينا، يرتفع منسوب القلق في منطقة الشرق الأوسط من التداعيات السلبية المحتملة لاتفاق جديد مع طهران، سيعيد إليها مصادر تمويلية تزيد من قدرات النظام الإيراني السياسية، الاقتصادية والعسكرية، وتوسّع من نفوذه في الإقليم من خلال جماعاته المسلّحة الموجودة والنشطة في عدد من الدول العربية.
لم تحرم العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران الحرس الثوري من توسيع رقعة نشاطه في المنطقة، لا بل على العكس، عزّزت من قدرة النظام الإيراني على ابتكار مقوّمات الصمود بطرق شرعية وغير شرعية، والتحايل على العقوبات بهدف تأمين التمويل، لإحكام القبضة على مناطق نفوذها، فما كان إلّا أن غرقت الدول التي تدور في فلك محور إيران أكثر وباتت جزءاً لا يتجزّأ منه.
انطلاقاً من هذا المبدأ، ومع تقدّم المفاوضات واقتراب عقد الاتفاق، علت أصوات محذّرة من رفع العقوبات عن طهران لما لهذا الإجراء من تداعيات ستكون قاتلة، خصوصاً أنّه يسمح للنظام باستعادة مصادر تمويله، وبالتالي تحويل مليارات الدولارات إلى جماعاتها المسلّحة لتقويتها أكثر، وهذا ما حذّرت منه إسرائيل على لسان رئيس مجلس وزرائها يائير لابيد.
مليارات الدولارات لتمويل الوكلاء
في هذا السياق، تحّدثت صحف عالمية عن تداعيات الاتفاق السلبية، خصوصاً في ما يتعلق بنشاط طهران العسكري خارج الحدود، وأشارت صحيفة "جيروزالم بوست" إلى أن "الأمر الأكثر ترويعاً يكمن في أن الصفقة ستمنح إيران مئات المليارات من الدولارات، وهذا يسمح لطهران بإعادة تأهيل اقتصادها ومواصلة تمويل وكلائها".
ولفتت إلى أن "مسوّدة الاتحاد الأوروبي الأخيرة للاتفاق ستسمح لغير الأميركيين بإجراء العمليات التجارية مع الكيانات الإيرانية التي تتعامل مع الحرس الثوري الإيراني".
ورأت الصحيفة أن "الاتفاق الجديد سيتجاهل مؤامرة الحرس الثوري الإيراني التي كُشف عنها أخيراً لاغتيال اثنين من كبار مسؤولي إدارة دونالد ترامب (مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو) والمعارض الإيراني مسيح علي نجاد، كما سيتجاهل محاولة قتل سلمان رشدي قبل أسابيع بناءً على فتوى هدر دماء أصدرها آية الله الخميني في عام 1989".
وفي هذا الإطار، تابعت الصحيفة، "سيتجاهل الاتفاق أيضاً هجمات الطائرات المسيّرة الإيرانية على القاعدة العسكرية الأميركية في التنف شرق سوريا، وعلى حلفاء واشنطن في الخليج، وسيتجاهل الدعم الإيراني لحركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، و"حزب الله" وتهديدات واعتداءات على إسرائيل".
تاريخ من الاغتيالات
بدورها، ذكّرت صحيفة "واشنطن بوست" بأن "النظام الإيراني يتمتع بتاريخ طويل شائن من مؤامرات الاغتيال، والكشف عن محاولة أحد أعضاء الحرس الثوري قتل جون بولتون على الأراضي الأميركية يجب أن يكون بمثابة تذكير واقعي للرئيس الأميركي جو بايدن بتاريخ طهران، وهو يفكر في عقد صفقة من شأنها أن تثري وتشجّع من وراء المؤامرة المذكورة".
ولفتت إلى إعلان وزارة العدل الأميركية الذي تحدّث عن شهرام بورصافي، وهو عضو في الحرس الثوري الإيراني، عرض 300 ألف دولار "لأفراد في الولايات المتحدة لتنفيذ جريمة قتل" جون بولتون. وفي الإطار، أشارت الصحيفة إلى ان الاتفاق إذا عُقد، "ستُرفع بموجبه العقوبات، مما يتيح لطهران الوصول إلى مئات المليارات من الدولارات من الأصول المجمدة وعائدات صادرات النفط".
وردّت الصحيفة على نظرية رفع العقوبات مقابل تخفيف النظام الإيراني من العدائية، ورأت أن السيناريو مشابه لسيناريو الرئيس السابق باراك أوباما، "الذي دافع عن الاتفاقية الأصلية، ويبدو أن بايدن يعتقد أنه إذا سُمح لقادة إيران بجني الأموال، فسوف يخففون من حدة العدوان ضد جيرانهم العرب، وكذلك الولايات المتحدة، على قاعدة: المزيد من التجارة، إرهاب أقل".
لكنها شدّدت على أن "العكس هو الأرجح، في السنوات التي كانت خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) سارية المفعول، زادت إيران دعمها المالي والمادي لشبكة من الميليشيات والجماعات الإرهابية التي تستخدمها لتهديد الشرق الأوسط والتجارة الدولية، وتأكيدات بايدن المتكرّرة بإخلاصه لإحياء الصفقة والتساهل في ملف العقوبات، قوبلا بسوء نيّة من إيران".
نشاط مزعزع للاستقرار
كذلك ذكّرت الصحيفة بأنه "في الوقت الذي استولى فيه على المليارات من صادرات النفط في مخالفة للعقوبات، أصبح النظام (الإيراني) أكثر عدوانية في سلوكه، إذ سارع بتخصيب اليورانيوم، وصعّد من عمليات احتجاز الرهائن، التي تستهدف على وجه التحديد الأشخاص الذين يحملون جوازات سفر غربية".
ولا بد من التذكير بنشاط إيران العسكري في المنطقة ما بين عامي 2015 (تاريخ توقيع الاتفاق) و2018 (تاريخ الانسحاب منه)، ونشطت إيران أثناء تلك الفترة على خط استهداف دول الخليج من اليمن، وعزّزت وجودها ونشاطها في سوريا، وأحمكت قبضتها على لبنان والعراق من خلال جماعاتها المسلّحة.
وعرضت الصحيفة المزيد من الأدلة والبراهين، وقالت "كما تُظهر المؤامرة ضد بولتون، فقد صعّدت إيران من حملة الاغتيالات الدولية، التي استهدف الكثير منها السيّاح والديبلوماسيين الإسرائيليين، وفي حزيران الماضي، اعتقلت تركيا ثمانية رجال متورطين في عملية إيرانية لمحاولة قتل سياح إسرائيليين في اسطنبول".
وذّكرت الصحيفة الأميركية بأن "المخابرات الإسرائيلية أحبطت مؤامرة للحرس الثوري الإيراني لاغتيال ديبلوماسي إسرائيلي في تركيا قبل شهرين، وجنرال أميركي في ألمانيا وصحفي فرنسي".
كذلك أصبحت إيران أكثر جرأة في التخطيط لهجمات داخل الولايات المتحدة. ففي أواخر تموز، قُبض على رجل يحمل بندقية AK-47 خارج منزل مسيح علي نجاد، أحد معارضي النظام الإيراني البارزين في بروكلين، ومر عام تقريباً على توجيه اتهامات لأربعة عملاء إيرانيين في محكمة اتحادية في مانهاتن بالتآمر لاختطاف علي نجاد، وذلك حسب الصحيفة.