بدأت اليوم محاكمة رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، أحد المعارضين الرئيسيين للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على خلفية تهم فساد جديدة قد تقوّض طموحاته السياسية.
إمام أوغلو مستهدف قضائياً منذ أصبح رئيس بلدية اسطنبول في العام 2019، حين ألحق هزيمة كبرى بإردوغان وحزبه اللذين سيطرا على أكبر مدينة في تركيا على مدى 25 عاماً. جُرّد في بادئ الأمر من الفوز الذي حقّقه بفارق ضئيل ليعود ويفوز بهامش أكبر في جولة الانتخابات المعادة.
فوز إمام أوغلو في مسقط رأس إردوغان حطّم هالة الرئيس الذي لا يُقهر، وحوّل الفائز إلى بطل بالنسبة للخصوم الليبراليين لحزب العدالة والتنمية الإسلامي. لكنّ طموحاته السياسية المعلنة وشعبيته في استطلاعات الرأي حوّلته إلى شخصية مكروهة من إردوغان وحزبه.
في كانون الأول الماضي، حُكم على إمام أوغلو بالسجن عامين وسبعة أشهر بالإضافة إلى تجريده من حقوقه السياسية بتهمة "إهانة" أعضاء اللجنة الانتخابية العليا. وتمكّن بعد استئناف القرار من الاحتفاظ بمنصبه حتى الآن.
أدّى ذلك الحكم إلى استبعاده من الانتخابات الرئاسية التي جرت في أيار، على الرغم من أنّ جزءاً من المعارضة التركية أراد رؤية هذا المحاور الماهر يقدّم نفسه منافساً للرئيس إردوغان.
أُعيد انتخاب إردوغان الذي يحكم تركيا منذ 20 عاماً، لخمسة أعوام جديدة في سدّة الرئاسة، وحصل على 52,2 في المئة من الأصوات في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مواجهة المرشح المعارض كمال كيليتشدار أوغلو.
مذاك، دعا إمام أوغلو علناً في مناسبات عدّة إلى "التغيير" في صفوف حزب الشعب الجمهوري قبل انتخابات 2024 البلدية، فيما يعتزم كيليتشدار أوغلو الذي يرأس الحزب منذ 2010 الاحتفاظ بمنصبه.
"مؤامرة سياسية"
لكن الأداء الضعيف لحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البرلمانية زاد الضغوط على كيليتشدار أوغلو لدفعه إلى إفساح المجال أمام قياديين شبّان على غرار إمام أوغلو.
وتأتي المحاكمة في توقيت ينصبّ فيه التركيز على التحضير للانتخابات البلدية المقرّرة في آذار 2024 والتي سيحاول فيها إردوغان استعادة السيطرة على اسطنبول وغيرها من المدن الكبرى.
يحاكَم إمام أوغلو العضو في حزب الشعب الجمهوري بتهمة تزوير عقد مالي في نهاية العام 2015 حين كان رئيساً لبلدية بيليك دوزو إحدى ضواحي اسطنبول، وهو ما ينفيه. وهو متّهم في هذه القضية مع ستة أشخاص آخرين بـ"تزوير" عقد يعتقد أنه كبّد المالية العامة خسائر بـ250 ألف ليرة (نحو 90 ألف دولار حينها).
في حال أدين في القضية قد يُحكم عليه بالحبس بين ثلاث وسبع سنوات وقد يجرَّد من حقوقه السياسية مجدّداً.
وأشار إمام أوغلو إلى أنّ تحقيقاً سابقاً في العقد خلص إلى عدم وجود أي مخالفة.
عقدت الجلسة الأولى في هذه المحاكمة الخميس بغياب المتّهم واستمرت ساعة تقريباً، وفق ما قال مكتب إمام أوغلو لوكالة "فرانس برس". وأضاف أنّ الجلسة المقبلة حدّد موعدها في الثلاثين من تشرين الثاني.
سبق أن اتَّهم إمام أوغلو إردوغان باستخدام المحاكم أداة ضدّ خصومه السياسيين.
وجاء في بيان لنائب رئيس كتلة حزب الشعب الجمهوري البرلمانية غوكان غونايدن أن "هذه القضية هي مؤامرة سياسية"، وتابع: "هذه القضية ستنفجر بين أيدي أولئك الذين رفعوها" إلى القضاء.
"كل الأمور ستكون جيّدة"
أطلق وزير الداخلية السابق مراجعة في العقد الذي أبرم في العام 2015 في توقيت كان قد أصبح فيه اسم إمام أوغلو قيد التداول العام الماضي بصفته مرشحاً محتملاً لخلافة إردوغان.
وغالباً ما يطول أمد المحاكمات في تركيا وقد تستمرّ أشهراً. لكنّ القضية تزيد التعقيدات لكلّ من إمام أوغلو والمعارضة الساعية إلى التخلّص من هيمنة إردوغان على غالبية مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا.
بدأت المحاكمة غداة محادثات أجراها إمام أوغلو مع كيليتشدار أوغلو في أنقرة، أفادت تقارير بأنه سعى خلالها لإقناع زعيم المعارضة بإفساح المجال أمام "التغيير"، لكن المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة رفض ذلك.
ويعتبر كيليتشدار أوغلو أنّه يتعيّن على إمام أوغلو البقاء رئيساً لبلدية اسطنبول للحؤول دون عودة المدينة إلى أحضان إردوغان.
وأفادت شبكة "بي بي سي تركيا" بأن إمام أوغلو أعرب عن تخوّفه من أداء ضعيف للمعارضة في الاستحقاق البلدي المقبل إذا ما أصرّ كيليتشدار أوغلو على التمسّك بمنصبه عاماً إضافياً.
ولم يصدر إمام أوغلو أيّ تعليق في شأن ما تمخّضت عنه المحادثات. ولدى عودته إلى اسطنبول اكتفى في تصريح للصحافيين بالقول إنّ "كلّ الأمور ستكون جيّدة".