سعت كل من الولايات المتحدة والصين إلى إنشاء شبكة أمان في ظل التنافس المتصاعد بينهما خلال زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن لبيجينغ. لكن الرحلة لم تحقق إلا وعودا عامة، من دون أي خرق بشأن المحادثات العسكرية والقضايا الخلافية.
ورحّب كل من الرئيس شي جينبينغ الذي التقى بلينكن الاثنين في نهاية المحادثات التي استمرت 11 ساعة في بيجينغ، والرئيس جو بايدن بالرحلة التي طال انتظارها، واعتبرا أنها علامة على إحراز تقدم بعد أشهر من التوترات المتصاعدة.
وقال بلينكن لصحافيين في بيجينغ "كان واضحا أن العلاقة كانت في مرحلة عدم استقرار، وقد أقر الجانبان بالحاجة إلى العمل على استقرارها".
تحدث مسؤولون أميركيون مرارا عن توسيع الاتصالات لإنشاء "مصدات حماية" في العلاقة لتجنب الانزلاق جراء أي سوء تفاهم إلى نزاع.
لكنّ بلينكن أقر بأن الولايات المتحدة لم تحقق إحدى رغباتها الأكثر أهمية لتجنب الحسابات الخاطئة، وهي استئناف الحوار بين الجيشين.
كما فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق حول مسألة تايوان، الديموقراطية التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبرها بيجينغ جزءا من أراضيها وتقول إنها ستعيد ضمها بالقوة إذا لزم الأمر.
وفي هذا الشأن، جدّد بلينكن تأكيد أن بلاده لا تدعم حصول تايوان على استقلالها متمسكا بموقف واشنطن بالحفاظ على الوضع القائم هناك.
لكنّه قال "لدينا وغيرنا مخاوف عميقة بشأن بعض الاجراءات الاستفزازية التي اتخذتها الصين في السنوات الأخيرة منذ العام 2016".
من جهته، أكّد أعلى مسؤول في الديبلوماسية الصينية وانغ يي أن بلاده لن تقدم "أي تنازلات" بشأن تايوان، قائلا "على هذا الصعيد لا مجال للتسوية أو التنازل" من جانب بيجينغ التي نفّذت مناورات عسكرية مرتين منذ آب، إحداها عقب زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك، لتايبيه.
وقالت بوني غلايزر، وهي خبيرة في الشؤون الصينية في مؤسسة "جيرمن مارشل فاند" في الولايات المتحدة، إن بيجينغ حذرة بشكل متزايد مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في تايوان العام المقبل وإن تصريحات بلينكن بدت كأنها "مكررة بلا طائل".
وأضافت أن "الجانبين اتفقا في المبدأ على استكشاف ما إذا كان هناك إمكان لاستقرار العلاقات الثنائية. ليس هناك ما يؤكّد أنهما سيحققان هذا الهدف".
- هل يمكن تضييق الفجوة؟ -
أشارت غلايزر إلى أنه في الوقت الذي تتحدث الولايات المتحدة عن إدارة التنافس المتزايد، تطرّق شي مجددا إلى تجنب المنافسة بين القوى الكبرى.
وأضافت الخبيرة "أعتقد أن قبول المنافسة ضروري من أجل استقرار العلاقة. لذلك أرى أن هذه الفجوة بين الجانبين لم تضيّق بعد، ولا أعرف ما إذا كان ذلك سيحصل".
من جهتها، قالت يون سان، مديرة برنامج الصين في مركز ستيمسون، إن الولايات المتحدة تتحمّل أيضا مسؤولية الفشل في استئناف الحوار على الصعيد العسكري، وهو المجال الذي يرجح أن تندلع فيه أزمة.
ورفضت إدارة بايدن التي يسعى الحزب الجمهوري لتصويرها على أنها ضعيفة في ما يتعلّق بيجينغ، الطلبات الصينية التي تدعو إلى رفع العقوبات عن وزير دفاعها الجديد الجنرال لي شانغفو والتي فُرضت بموجب قانون أميركي يستهدف مشتريات الأسلحة من روسيا.
وتقول الإدارة إن العقوبات لن تمنع لي من لقاء نظيره الأميركي لويد أوستن.
وأضافت يون "ستقول وزارة الخارجية إنه لا مشكلة قانونية بالنسبة إليه لمقابلة الوزير أوستن. طبعا، لا توجد مشكلة للأميركيين لكن هناك مشكلة بالنسبة للصينيين".
- توقعات للقمة -
من جهته، قال شي ينهونغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رينمين الصينية، إن زيارة بلينكن تتماشى مع التوقعات وإن الجانبين شددا على الإيجابية.
وأشار إلى أن الأجواء تبدو على المسار الصحيح لزيارة شي للولايات المتحدة في تشرين الثاني، عندما يستقبل بايدن قادة في سان فرانسيسكو لحضور منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ.
وقال ينهونغ إن التحدث عن اتصالات أوسع وتعاون ضيق "بالطبع أمر إيجابي رغم صعوبة تنفيذه بشكل ملموس".
التقى شي وبايدن للمرة الأولى كرئيسين في تشرين الثاني في بالي الإندونيسية حيث أعرب الجانبان عن رغبتهما في إبقاء التوترات تحت السيطرة.
لكن تلك الأجواء التي سادت منذ لقاء بالي انتهت بعد أشهر حين قالت الولايات المتحدة إنها اكتشفت منطادا صينيا "لأغراض التجسس" يحلّق في مجالها الجوي وأسقطته في وقت لاحق فوق الأراضي الأميركية ما دفع بلينكن إلى إرجاء زيارة مقررة لبيجينغ.
من جهته، وجّه شي في خطاب ألقاه بعد فترة وجيزة انتقادات إلى الولايات المتحدة قائلا إنها تنتهج سياسة "احتواء وتطويق وقمع" تجاه الصين.
وكانت الصين مستاءة خصوصا من الحظر الأميركي الذي فرضه بايدن على صادرات أشباه الموصلات. وقال بلينكن في بيجينغ إن الولايات المتحدة لا تحاول "احتواء الصين اقتصاديا" لكنها لا تريد أن تستخدم التكنولوجيا الأميركية ضد مصالحها الخاصة.
وأشارت يون إلى أن الولايات المتحدة واصلت فرض عقوبات على الشركات الصينية وأن رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، خلف بيلوسي، أعرب عن أمله القيام بزيارة لتايوان.
وقالت "لا أتوقع أن يحتمل استئناف التواصل الموقت مثل هذا النوع من الصدمات".
وختمت "بعد زيارة بلينكن، ما زالت العلاقة هشة للغاية".