أعلنت وزارة الداخلية الفرنسيّة توقيف 719 شخصاً ليل السبت الأحد في حصيلة غير نهائيّة لخامس ليلة من أعمال الشغب التي اندلعت بعد مقتل شاب برصاص شرطي.
وأفادت الوزارة عن إصابة 45 عنصراً من الشرطة والدرك بجروح، وإضرام النيران في 577 عربة و74 مبنى، وتسجيل 871 حريقاً على طرق عامة. وكانت الداخلية أشارت في حصيلة أولية إلى توقيف 486 شخصاً، بينما اعتبر الوزير جيرالد درامانان أنّ الليلة الماضية كانت "أكثر هدوءاً" من سابقاتها.
وتراجعت حدّة أعمال الشغب في فرنسا اللّيلة الماضية في الوقت الذي نشرت فيه الشّرطة عشرات الألوف من أفرادها في مدن بأنحاء البلاد بعد تشييع جثمان شاب تعود أصوله لمنطقة شمال أفريقيا قتل برصاص الشرطة ممّا أشعل فتيل اضطرابات بأنحاء البلاد.
وأرجأ الرئيس إيمانويل ماكرون زيارة دولة كانت مقرّرة إلى ألمانيا اليوم الأحد للتصدّي لأسوأ أزمة تواجه حكمه منذ احتجاجات "السترات الصفراء" التي أصابت فرنسا بالشلل في أواخر عام 2018.
ونزل نحو 45 ألف شرطي إلى الشوارع مع وحدات النخبة المتخصصة وعربات مدرعة وطائرات هليكوبتر لتعزيز الأمن في أكبر ثلاث مدن وهي باريس وليون ومارسيليا.
وصباح اليوم الأحد، كان الوضع أكثر هدوءاً من اللّيالي الأربع السابقة على الرّغم من وجود بعض التوتّر في وسط باريس واشتباكات متفرّقة في مدن مرسيليا ونيس وستراسبورج.
وكانت النقطة الأكثر سخونة في مرسيليا حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيّل للدّموع لتفريق مثيري شغب وخاضت اشتباكات مع شبان في محيط وسط المدينة في ساعة متأخّرة من اللّيل.
وفي باريس كثّفت الشّرطة وجودها الأمني في شارع الشانزليزيه المشهور بعد دعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتجمع هناك. وعرضت محطات تلفزيونية لقطات لواجهات متاجر مغطاة بألواح لمنع الضرر المحتمل.
وقالت وزارة الداخلية الفرنسيّة على "تويتر" إنّ الشّرطة ألقت القبض على 1311 شخصاً ليل الجمعة مقابل 875 في الليلة السابقة، في أحداث عنف وصفتها بأنّها كانت "أقل حدّة". وقالت الشرطة إنّ نحو 200 شخص اعتقلوا في أنحاء البلاد أمس السبت.
وأعلنت السلطات المحليّة في أنحاء البلاد فرض حظر على المظاهرات وأمرت بوقف عمل وسائل النقل العام في المساء.
وستزيد الاضطرابات الضغط السياسي على الرئيس ماكرون إذ تمثل ضربة لصورة فرنسا على الصعيد العالمي قبل عام واحد من استضافة الألعاب الأولمبية.
وواجه ماكرون بالفعل شهوراً من الغضب ومظاهرات اتّسمت بالعنف في بعض الأحيان في جميع أنحاء البلاد بسبب التعديلات التي أدخلت على قانون التقاعد.
* جنازة نائل
وقُتل نائل م. (17 عاماً)، وهو من أصل جزائري-مغربي، يوم الثلثاء برصاص شرطي خلال عمليات تفتيش عند إشارة مرورية بضاحية نانتير.
واصطفّ عدّة مئات لدخول مسجد نانتير الكبير الذي كان يحرسه متطوّعون يرتدون سترات صفراء بينما تابع المشهد بضع عشرات من المارة من الجانب الآخر من الشارع.
كما اصطف عدد من المشيّعين في الشارع لأداء صلاة الجنازة وبدأ البعض بالتكبير لدى اصطفافهم للصلاة.
وقالت ماري (60 عاماً) إنّها عاشت في ضاحية نانتير لمدة 50 عاماً وإنّ المشكلات مع الشرطة هناك دائمة.
وأضافت: "يجب أن يتوقّف ذلك تماماً. الحكومة منفصلة تماماً عن واقعنا".
وأذكت وفاة الشاب، التي رصدتها إحدى الكاميرات، شكاوى قديمة من المناطق الحضرية التي يقطنها أصحاب الدخل المنخفض والأعراق المختلطة بأنّ الشرطة تمارس العنف والعنصرية.
وقال شاب طلب عدم نشر اسمه: "إذا كان لون بشرتك غير مناسب، فإنّ الشرطة ستكون أكثر خطورة عليك"، مضيفاً أنّه كان من أصدقاء نائل.
وقال ممثّل الادّعاء في نانتير يوم الخميس إنّ نائل كان معروفاً للشرطة إذ رفض في السّابق الامتثال لأوامر الإيقاف عند نقطة تفتيش كما أنّه كان يقود سيارة مستأجرة بشكل غير قانوني.
ونفى ماكرون وجود عنصرية منهجية في أجهزة إنفاذ القانون الفرنسية.
* نهب المتاجر
أضرم مثيرو الشغب النار في ألفي سيارة منذ اندلاع الاضطرابات. وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان إن أكثر من 200 فرد من الشرطة أصيبوا بجروح وإنّ متوسّط أعمار من ألقي القبض عليهم هو 17 عاماً.
وقال وزير العدل إريك دوبون موريتي إنّ 30 في المئة من الذين ألقي القبض عليهم لا تتجاوز أعمارهم 18 عاماً.
وقال وزير المالية برونو لو مير إنّ أكثر من 700 متجر ومطعم وفرع بنكي تعرضت "للنهب والسرقة وأحياناً للحرق حتى دُمّرت تماماً منذ يوم الثلثاء".
وفي مرسيليا، قالت الشّرطة إنّها احتجزت 60 شخصاً وكانت قد ألقت القبض على 80 شخصاً يوم الجمعة.
وقالت تاتيانا كوربيليني (79 عاماً)، وهي متقاعدة تعيش في وسط المدينة، "إنّه أمر مخيف للغاية. يمكننا سماع صوت طائرة هليكوبتر ولن نخرج (من منازلنا) لأنّ الوضع مقلق تماماً، وخصوصاً في منطقة الميناء القديم".
وفي ليون، ثالث كبرى المدن الفرنسية، نشرت قوات الأمن ناقلات جند مدرّعة وطائرة هليكوبتر، كما طلب رئيس البلدية تعزيزات.
وصدر مرسوم أمس السبت يمنح شرطة باريس الحق في نشر طائرات مسيّرة في بعض ضواحي العاصمة.
وأعادت الاضطرابات إلى الأذهان أحداث شغب اندلعت في أنحاء البلاد على مدى ثلاثة أسابيع عام 2005، وأجبرت الرئيس آنذاك جاك شيراك على إعلان حالة الطوارئ بعد وفاة شابين صعقاً في محطة للكهرباء في أثناء اختبائهما من الشرطة.
وأصدر لاعبو المنتخب الوطني لكرة القدم بياناً نادراً دعوا فيه إلى الهدوء. ونشر النجم كيليان مبابي البيان على حسابه على "إنستغرام" وقالوا فيه "يجب أن يتوقف العنف من أجل الحداد والحوار وإعادة الإعمار".
كما دعت (ساوث وينرز)، وهي إحدى روابط المشجعين في مرسيليا، شبان المدينة إلى "التحلي بالحكمة وضبط النفس".
وقالت: "تصرفكم بهذه الطريقة يضر بذكرى نائل (ويدفع) مدينتنا أيضاً نحو الانقسام".
وألغيت فعاليات منها حفلان موسيقيان في استاد فرنسا بضواحي باريس. وذكرت صحيفة (ويمنز وير ديلي) أن دار سيلين للأزياء المملوكة لمجموعة إل.في.إم.إتش ألغت عرضها لأزياء الرجال في عام 2024 الذي كان من المقرر إقامته اليوم الأحد.
وقال منظّمو سباق فرنسا للدراجات إنهم على استعداد للتكيّف مع أيّ وضع عندما ينتقل الحدث إلى البلاد يوم الاثنين بعد انطلاقه من إسبانيا.
واجتمع دارمانان مع ممثّلين من شركات "ميتا" و"تويتر" و"سناب شات" و"تيك توك". وقالت سناب شات إنها لا تتهاون مطلقاً مع المحتوى الذي يروّج للعنف.
ورجل الشرطة، الذي يقول المدعون إنّه أقر بإطلاق رصاصة قاتلة على الشاب، محتجز على ذمة التحقيق الرسمي بتهمة القتل العمد.
وقال محاميه لوران فرانك لينارد إنّ موكله أراد التصويب على ساق سائق السيارة لكنه تعثر عندما انطلقت السيارة فجأة ممّا تسبّب في إطلاق النار باتجاه صدره. وذكر لينارد في تصريح لتلفزيون (بي.إف.إم) "من الواضح أنّ (الشرطي) لم يرغب في قتل السائق".