النهار

"حياة بلا هدف"... إيرانيّون أكراد يختبرون المنفى المرّ في العراق هرباً من القمع
المصدر: "أ ف ب"
"حياة بلا هدف"... إيرانيّون أكراد يختبرون المنفى المرّ في العراق هرباً من القمع
صورة نُشرت على "تويتر" تُظهر امرأة تقف فوق سيارة بينما يشق الآلاف طريقهم نحو مقبرة في مسقط رأس مهسا أميني في إقليم كردستان، غرب إيران (26 ت1 2022 - أ ف ب).
A+   A-
تحاول سارينا التي تعمل نادلة في مقهى في كردستان العراق، أن تبقى بعيدة عن الأضواء. في بلدها إيران، تظاهرت الشابّة الكردية احتجاجاً على موت مهسا أميني، لكنّ القمع الشديد الذي ووجهت به المظاهرات لم يترك لها خياراً سوى المنفى.
 
منذ سبعة أشهر تقريباً، تعيش سارينا (17 عاماً) في أربيل، عاصمة إقليم كردستان المتمتّع بحكم ذاتي في شمال العراق، والذي تجمعه مع إيران حدود طويلة وهشّة. تُقدّم صباحاً الشاي في شركة عقارات، ومساءً، تعمل نادلة في مطعم لتجني 800 دولار شهرياً تدفع بها إيجار شقتها ومصاريفها اليومية.
 
"عائلتي مرغمة على قبول وجودي هنا"، تقول الشابة التي امتنعت عن كشف اسمها كاملاً لأسباب أمنيّة، "الأمر صعب جدّاً، هم قلقون في شأني".
 
في أيلول 2022، كانت سارينا تزور والدتها في مهاباد في شمال غرب إيران حين علمت بوفاة مهسا أميني، الشابة الكردية التي تبلغ من العمر 22 عاماً والتي توفيت بعدما أوقفتها شرطة الآداب لمخالفتها قواعد اللباس المفروضة على النساء.
 
انضمّت سارينا إلى المظاهرات التي قوبلت بالقمع. وحين عادت إلى مدينة أشنوية، لم تتوقّف عن نشاطها. لكن عندما أوقف صديق لها، اضطرّت إلى الاختباء. تستذكر سارينا تلك الفترة قائلةً: "في البداية، فكّرت في الابتعاد عن البيت ليومَين. قلت لنفسي إذا لم يأتِ رجال الشرطة، فهذا يعني أنّ لا خطر يلاحقني وبإمكاني العودة".
 
أثناء غيابها، دخلت الشرطة واعتقلت عمّها. في أعقاب ذلك، قطعت الشابة الحدود في تشرين الأول لتعيش منفى ممزوجاً بطعم المرارة في كردستان العراق.
 
 
"بعيداً عن بلدي"
في أربيل، تضع سارينا حتى الآن كمامة خاصة بالحماية من فيروس كوفيد-19 حتى لا يتمّ التعرّف عليها. فهي تخشى السلطات الإيرانية حتى هنا. مع ذلك، لا ترى أنّها قد تُهاجر أبعد من العراق. "إذا حصل أمر ما، يمكنني الذهاب سريعاً لرؤية عائلتي"، تقول، "لا يمكنني أن أكون بعيدةً جدّاً عن بلدي".
 
أسفر القمع الأخير في إيران عن موجة هجرة إلى العراق، لكن من الصعب تحديد عدد الوافدين الجدد الذين يدخلون عادةً بتأشيرة سياحية.
 
منذ عقود، توجد علاقات حيويّة بين كردستان العراق ومنطقة كردستان في إيران المجاورة، ويتحدّث المجتمعان على طرفي الحدود اللغة نفسها، وكثر منهم لديهم أفراد من عائلاتهم في المنطقتين.
 
يقصد عمّال إيرانيون العراق للعمل في شمال البلاد، مدفوعين بالأوضاع الاقتصادية الصعبة في إيران الخاضعة لعقوبات أميركية. وتوجد في كردستان العراق منذ عقود، مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية. وقد قصفت طهران مواقعهم أكثر من مرّة، متهمةً تلك الجماعات بأنّها مسؤولة عن "أعمال شغب" في إيران.
 
كذلك، طلبت الحكومة الإيرانية من العراق تعزيز أمن حدوده منعاً لأيّ خرق. وهدّد مسؤول عسكري إيراني في منتصف تموز بقصفٍ جديدٍ ما لم تلتزم الحكومة العراقية بـ"نزع سلاح" تلك الجماعات بحلول أيلول.
 
 
"حياة من دون هدف"
وصل فؤاد (اسم مستعار) المتحدّر من مدينة بيرانشهر الإيرانية، في كانون الثاني إلى أربيل، بعدما قطع الجبال المغطّاة بالثلوج عند الحدود.
 
يبيع المهندس المعماري (27 عاماً) الحواسيب المحمولة في متجر إلكترونيّات. يسمح له مديره بالنوم على فرشة في مستودع متجره حيث ملابسه معلّقة على جدار.
 
"أعيش حياةً بلا هدف، الأيام والليالي تتالى"، يقول الشاب، "تركت كلّ شيء في إيران: أهلي، بيتي، عملي".
 
شارك هو أيضاً في التظاهرات. حين أوقف شقيق صديقه، بدأت رحلة 40 يوماً من الهروب. كان يخشى من أن يصل اسمه إلى السلطات. ويروي أنّه "في تلك المرحلة، دهمت القوى الأمنية المنزل".
 
يشعر فؤاد بقلق شديد على عائلته. ويقول: "عندما تتّصل بي أمي، تكون الدموع في عينيها. وأبي أيضاً". مع ذلك، لا يعتقد أنّه سوف يعود إلى إيران، ويُضيف: "لا أشعر بالأمان، قد يتمّ توقيفي".
 
يعيش نحو 10 آلاف و500 إيراني بشكل دائم في كردستان العراق، كما أعلنت الحكومة المحلّية في أيار.
 
من بينهم، رزكار خسرو الذي يقطن في أربيل منذ أكثر عقد مع زوجته وابنتيهما. يتحدّر الرجل من مدينة مريوان الكردية في إيران، وتعبيراً عن تضامنه مع المظاهرات التي حصلت بعد وفاة مهسا أميني، سمّى مخبزه الثاني للحلويات على اسم الشابة "مهسا أميني"، وجعل من صورتها علامة للمتجر.
 
يقول الرجل الأربعيني إنّها "رمز للحرية لكلّ إيران".

اقرأ في النهار Premium