تحتفظ ليودميلا البالغة من العمر 70 عاما بذكريات جميلة عن السفر بحرية إلى أوروبا من موطنها بيلاروسيا قبل أن تتعرض حكومتها لسلسلة من العقوبات التي جعلتها في عزلة... والآن أصبحت من بين الآلاف الذين يعتمدون على السفر برّا إلى وارسو، للخروج من البلاد التي تزداد استبدادا.
أخمد الرئيس ألكسندر لوكاشنكو بعنف التظاهرات التاريخية المناهضة للحكومة التي اندلعت في 2020 وساعد العام الماضي القوات الروسية في غزو أوكرانيا، ما أدى إلى حظر الطيران وإغلاق الحدود.
منتظرة عند آخر نقطة عبور مفتوحة للركاب إلى بولندا المجاورة، تستذكر ليودميلا التي قدّمت اسمها الأول فقط خوفًا على سلامتها، رحلاتها التي خلت من المتاعب، بما في ذلك إلى إسبانيا، في السنوات التي سبقت الاضطرابات.
وأضافت "أصبح الأمر أكثر صعوبة بالطبع" فيما كان ركاب حافلتها المتجهة إلى العاصمة البولندية يمرون عبر نقاط تفتيش حدودية قرب برست.
وتظهر الطرق الجوية والسكك الحديد المغلقة كيف أصبح هذا الرابط شريان حياة لأولئك الفارين من حكم لوكاشنكو، أو الذين يريدون ببساطة تمضية عطلة في أوروبا.
وكانت بولندا بمثابة ملاذ آمن للبيلاروسيين منذ اندلاع الاحتجاجات، وتظهر بيانات رسمية أنهم يشكلون الآن ثاني أكبر جنسية أجنبية في البلاد بعد الأوكرانيين.
ورغم أنها اعتادت السفر جوا، اختارت ليودميلا رؤية الإيجابيات في هذا الطريق البرّي وقالت مبتسمة "أشاهد الريف. أنا أحبه. يمكنني الاسترخاء!".
- انهيار مشاريع السفر -
فرضت الدول الغربية حظرا على الطيران فوق بيلاروسيا بعدما طلب لوكاشنكو تحويل مسار طائرة ركاب لتوقيف ناشط فيها عام 2021. وكانت خطوط السكك الحديد قد توقّفت خلال الجائحة.
وقال بيوتر سادكو الذي كان يتحدث مع زوجته في الحافلة في طريقهما لزيارة ابنتهما في ألمانيا "البديل جيد، حتى لو كان الطريق طويلا وتخدّرت ساقاك".
تستغرق رحلة الحافلة من مينسك إلى وارسو نحو 12 ساعة لكن غالبا ما يكون هناك تأخير على الحدود.
وأضاف سادكو "لولا الاضطرابات السياسية، لكانت الرحلة رائعة".
ووافقه الرأي إيليا الذي تربطه صلات عائلية ببولندا وكان يسافر مع صديقته إلى الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى. وهما بقيا في بيلاروسيا بعد الاحتجاجات فيما غادر العديد من أصدقائهما البلاد.
لم يربط إيليا قرارهما بالحصول على تأشيرة بولندية لمدة عام بحرب أوكرانيا أو بالاحتجاجات، لكن بالتأثير البعيد المدى للصراع.
وأضاف أن "الوضع في العالم تغير بعد أحداث 2022" مشيرا إلى أن مشاريعهما للسفر في أوروبا "انهارت" بعد الاحتجاجات.
- السجن بسبب المعتقدات -
في العام 2020، خصصت بولندا تأشيرات عاجلة للبيلاروسيين المتخصصين في التكنولوجيا، مروّجة ل"ملاذ اقتصادي ديموقراطي وسوق حرة".
ورغم سجلها المثير للجدل في ما يتعلق بالهجرة، تؤوي بولندا لاجئين سياسيين بيلاروسيين أكثر من أي بلد آخر.
وتظهر البيانات الرسمية أن عدد البيلاروسيين في بولندا منذ بداية هذا العام بلغ 79030 بيلاروسيّا، بزيادة ثلاث مرات عما كان عددهم قبل الاحتجاجات.
وقالت إلينا البالغة 49 عاما والتي غادرت أواخر العام 2021 للّحاق بأحد أفراد الأسرة الذي كان قلقا من أن تستهدفه أجهزة الأمن "من المهم أن نفهم أن معظم البيلاروسيين لم يغادروا وطنهم وعائلاتهم بإرادتهم".
وأضافت في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس "إنهم يواجهون السجن بسبب معتقداتهم في بيلاروسيا".
ويقول ناشطون حقوقيون إن حوالى 1500 سجين سياسي محتجزون حاليا في بيلاروسيا، ما يشير إلى تهديد حقيقي بالاضطهاد.
تقوم إيلينا برحلات منتظمة بالحافلة، إذ تزور ابنتها وتعالج مسائل إدارية.
لكن بقاء هذا الرابط الحيوي غير مضمون.
قد استقبلت بيلاروسيا مقاتلي فاغنر بعد تمردهم ضد القوات الروسية. وقال لوكاشنكو إن لديهم مخططات للسير إلى وارسو.
وحذّرت بولندا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي من أن أي حادث يتورط فيه مقاتلو مجموعة فاغنر قد يؤدي إلى إغلاق الحدود بالكامل.
وقالت إيلينا "إذا أغلقت الحدود بالكامل، ستصبح حياة الشعب البيلاروسي صعبة جدا".