بدأت حركة إضراب واسعة تشلّ قطاع النّقل في ألمانيا يوم الاثنين في وقت تُطالب النقابات العمّالية برفع الأجور في مواجهة التضخّم.
ودُعي العاملون في المطارات والسّكك الحديد والنّقل البحري وشركات الطّرق السريعة والنّقل المحلي إلى التوقّف عن العمل ليوم كامل، من منتصف ليل الأحد الاثنين إلى منتصف ليل الاثنين الثلثاء.
وتندرج هذه الحركة في إطار توتّر اجتماعي متزايد في أكبر اقتصاد أوروبي حيث نظّمت عدّة إضرابات منذ مطلع العام في مختلف القطاعات شملت مدارس ومستشفيات، مروراً بالبريد وإدارات محليّة.
تمثّل نقابة EVG (إي في جي) نحو 230 ألف موظّف في شركات السّكك الحديد فيما تدافع نقابة Ver.di (فيردي) عن 2,5 مليون موظّف في الخدمات العامّة.
وهذا التحرّك المشترك بين النقابتين نادر جداً في ألمانيا حيث تجري المفاوضات حول الأجور فرعاً تلو آخر.
- بيئة مؤاتية -
ينفذّ هذا "الإضراب الكبير" كما وصفته وسائل الإعلام الألمانية فيما ارتفعت الأسعار في ألمانيا بشكل كبير منذ أكثر من سنة مع تضخم بلغت نسبته 8,7% في شباط. وتندرج ألمانيا ضمن فئة الدول التي تشهد أعلى معدّل تضخم في الاتحاد الأوروبيّ.
وتطالب النّقابات بزيادة في الرواتب بأكثر من 10%.
تقترح الدولة والبلديات زيادة بنسبة 5% مع دفعتين وحيدتين بقيمة ألف و1500 يورو على التوالي في أيار2023 وكانون الثاني 2024.
وتتوقّع نقابتا "إي في جي" و"فيردي" حصول "تعبئة واسعة". ومنذ صباح الاثنين، توقف نحو 30 ألف عامل في السكك الحديد عن العمل، بحسب "إي في جي".
ولفتت شركة "دوتشيه بان"، وهي أكبر شركة للنقل عبر السكك الحديد في ألمانيا، إلى "تعليق حركة المرور على الخطوط الرئيسيّة والخطوط في المناطق".
وأُلغيت الرحلات الجويّة في معظم المطارات بينها مطارَيّ فرانكفورت وميونيخ.
في العديد من المدن الكبرى، يشهد النّقل العام اضطرابات كبيرة. في برلين، قُطعت شبكة "إس بان" التي تضّم مجموعة من قطارات الترام والمترو.
وندّد اتّحاد المطارات الألمانية باستراتيجيّة "تصعيد الإضرابات عملًا بنموذج فرنسا" حيث تتوالى أيّام التّعبئة ضدّ إصلاح نظام التّقاعد.
وقال رئيس نقابة "فيردي" فرانك فيرنكه "إنّ نزاعاً اجتماعيّاً لا تداعيات له هو نزاع اجتماعي بلا فائدة".
وباتت ألمانيا بيئة مؤاتية أكثر من قبل للتحركات الاجتماعيّة مع ابتعادها عن ثقافة التّوافق التي كانت تعرف بها.
وأوضح كارل برينكه الخبير في المعهد الاقتصادي "دي آيه دبليو" ردّاً على أسئلة "وكالة فرانس برس" أنّ "ألمانيا شهدت في السنوات العشر الأخيرة إضرابات أكثر منها خلال العقود السابقة".
ويعاني البلد، الذي يسجّل مستوى بطالة منخفضاً منذ نهاية العقد الأول من القرن الحالي، من نقص في اليد العاملة يضع النقابات "في موقع قوّة" في المفاوضات، بحسب برينكه.
ومنذ منتصف العقد الثاني من القرن الحاليّ، تمكّنت النقابات من فرض زيادات في أجور العمّال، بعد عقد تميّز بسياسة الاعتدال في الأجور في عهد المستشار الأسبق غيرهارد شرودر، تحت شعار التنافسيّة.
في العام 2015، سُجّل أكثر من مليونيّ يوم إضراب عن العمل خلال العام، وهو رقم قياسيّ بالنسبة لألمانيا.
وارتفعت الأجور الحقيقيّة بشكل منهجي من 2014 إلى 2021، باستثناء عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19. لكن الدينامية كُسرت مع تضخّم العام 2022، مع تراجع بنسبة 3,1%.
- "نريد مزيداً من المال" -
وترافق تظاهرات التعبئة من أجل زيادة الأجور.
وقال تيمو شتاو (21 عاماً) لـ"وكالة فرانس برس" أثناء مشاركته في تظاهرة في جادّة فريديريش شتراسه إحدى جادات برلين الكبرى "ارتفع سعر الوقود والغذاء، شعرت بذلك في ميزانيتي".
ومن جهتها، قالت بترا (60 عاماً) التي تعمل في الجمارك: "أبقينا الخدمة العامّة على قيد الحياة في فترة الجائحة. الآن، نريد مزيداً من المال".
بعد تهديد بـ"إضراب مفتوح"، نال موظّفو البريد الألمانيّ الذين كانوا يتفاوضون على حدة، في مطلع آذار زيادة بنسبة 11,5% في متوسّط الرواتب.
في نهاية العام 2022، نال نحو أربعة ملايين موظّف ألماني في قطاعات صناعية مهمّة مثل السّيارات، زيادة على رواتبهم بلغت 8,5% على سنتين، بعد عدّة أسابيع من المفاوضات شهدت إضرابات.
لكن الحركة الاحتجاجيّة أوسع نطاقاً من ذلك.
وأوضح أستاذ الرّياضة يان إكسنر كونراد (34 عاماً) لـ"وكالة فرانس برس" لدى مشاركته في تظاهرة للأساتذة الخميس في برلين "إنها ليست مسألة راتب فحسب إنما إمكانات".