كأنّه لم يكن لدى الرئيس الأميركي جو بايدن ما يكفي من الهموم حتى تطرأ مشكلة أخرى تكاد تتحوّل إلى أزمة: زيارة محتملة لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان. لم يتمّ الإعلان عن الزيارة رسمياً. لكنّ التسريبات والأسئلة الصحافية بشأنها خلقت جواً من البلبلة في الولايات المتحدة ومن التهديدات في الصين.
يوم الأربعاء الماضي، قال بايدن أمام مراسلين إنّ الجيش الأميركيّ يظنّ أنّ زيارة تايوان إلى الجزيرة "ليست فكرة سديدة الآن". يوم الخميس، ردّت بيلوسي بأنّها لم تفهم تماماً ما كان يقصده بايدن: "أعتقد أنّ ما كان يقوله الرئيس هو ربما أنّ الجيش كان يخشى أن يتمّ إسقاط طائرتي، أو شيء من هذا القبيل. لا أعلم بالضبط، لم أره (البيان). لم أسمعه. أنتم تخبرونني وقد سمعت ذلك من القصص المتناقلة، لكنّني لم أسمع ذلك من الرئيس".
"نعني ما نقول"
ستكون زيارة بيلوسي، لو حصلت، الأولى لرئيس مجلس نواب أميركي منذ ربع قرن. سبقها إلى ذلك رئيس مجلس النواب الأسبق الجمهوري نيوت غينغريتش سنة 1997. الردّ الصينيّ الأوّل جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية جاو ليجيان الذي قال إنّ زيارة تايوان ستحمل "تأثيراً سلبياً خطيراً" مضيفاً أنّ الصين "ستّتخذ إجراءات قوية وحازمة لحماية سيادتها ووحدة أراضيها". كان ذلك يوم الثلثاء في 19 تموز. بعد يومين، قال ناطق آخر باسم وزارة الخارجية، وانغ ونبين: "إذا أصرّت الولايات المتحدة على إجراء الزيارة، فستتحرّك الصين بقوة للرد بحزم عليها واتخاذ إجراءات مضادّة. نعني ما نقول".
رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" في افتتاحيتها أنّ ردّ ونبين ربّما أتى بعدما شعرت الصين بضعف ردّ بايدن. حتى كلام بيلوسي أظهر إرباكاً إذ ليس من السهل اقتراح أنّ الصين ستسقط طائرة الشخصية الثالثة المؤهّلة دستورياً لتولّي الرئاسة في حال لم يتمكّن الرئيس ونائبه من أداء مهامهما. بالنسبة إلى معظم المراقبين، باتت بيلوسي في موقف محرج: إذا تراجعت عن الزيارة فسيعني هذا أنّها رضخت للتهديد الصينيّ. وإذا مضت في قرارها فقد تضطرّ الصين فعلاً لاتّخاذ قرار تصعيديّ من أجل حفظ ماء الوجه.
"إهانة"
في خطوة نادرة، حصلت بيلوسي على دعم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو الذي أعرب عن استعداده لمرافقتها إلى تايوان: "نانسي، سأذهب معك. أنا ممنوع (من زيارة) الصين، لكن ليس تايوان المحبّة للحرّيّة. أراك هناك!". وحضّ السيناتور الجمهوري بن ساس يوم الاثنين بيلوسي على إجراء الزيارة قائلاً إنّ على بايدن إرسال توضيح لا لبس فيه إلى الرئيس الصينيّ شي جينبينغ بأنّه "ما من شيء واحد يمكن الحزب الشيوعي الصيني فعله حيالها". وأضاف: "لا مزيد من الضعف والردع الذاتي". لكن يبدو أنّ الإدارة غير متحمّسة لهذه الزيارة.
فقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمس" عن مسؤولين أميركيين إشارتهم إلى وجود خطر أكبر في اندلاع النزاع بسوء تقدير من جانب شي مع استعداد الصين للمؤتمر الشيوعي العشرين في الخريف المقبل والذي يُتوقّع فيه أن يتمّ إعادة انتخاب الرئيس الحالي لولاية ثالثة. ولفتت إلى تحذير المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية سوزان شيرك من أنّ شي سينظر إلى الزيارة على أنّها "إهانة لقيادته وأنّه سيتّخذ بعض الإجراءات المتهوّرة لإظهار قوّته". وأضافت شيرك: "من الأفضل تأجيل (الزيارة) عوضاً عن المخاطرة بالحرب".
الزيارة... "تترنّح"؟
كانت بيلوسي قد حدّدت موعداً للزيارة في نيسان الماضي لكنّها أجّلتها بسبب إصابتها بـ"كورونا". ومن المتوقّع أن تجري زيارتها، لو أصرّت على رأيها، شهر آب المقبل. لم تعلن بيلوسي رسمياً عن رحلتها إلى الجزيرة. ربّما يمنحها ذلك هامشاً للتراجع مع حفظ ماء الوجه. لكنّ جوش روغين من صحيفة "واشنطن بوست" لا يجد في هذه النقطة أيّ ميزة لبيلوسي، لأنّها ستظهر للصين أنّ سياسة ليّ الأذرع ستكون قد نجحت لو ألغت الزيارة. وأخبره مسؤولون أميركيون من الإدارة أنّ لديهم سبباً محدّداً للقلق من تهديدات الصين الحالية على الرغم من أنّها ليست جديدة. ويقولون إنّ الصين تخطّط لرد مزعزع للاستقرار من دون أن يعلموا بالضبط شكله.
ويتطابق ما كتبه روغين مع تقرير نشرته السبت صحيفة "فايننشال تايمس" نقلت فيه عن ستة خبراء قولهم إنّ التهديدات هي بالفعل أقوى من السابق حين كانت الصين تردّ على إعلان إجراء زيارات لمسؤولين أميركيّين إلى الجزيرة. وكانت بيلوسي قد ذكرت أنّه لم يصدر عن أيّ مسؤول أميركيّ اعتراف باستقلال تايوان قائلة إنّ هذا الأمر يعود إلى سكّانها. من الواضح أنّ هذا التصريح لم يكن كافياً لتبريد الأجواء. لكن يبدو أنّ الإدارة الديموقراطية غير مرتاحة إلى هذه الزيارة بحسب عدد من التقارير الأميركية ممّا قد يدفع بيلوسي إلى إعادة تقييم خطوتها.
لهذا السبب، رأت "شبكة تلفزيون الصين الدولية" أنّ زيارة بيلوسي "تترنّح". وأشارت إلى ما جاء في افتتاحية صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" قالت فيها إنّ رحلة بيلوسي "ليست خاطئة فحسب، بل إنّ مثل هذا الاستفزاز قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة على هذا الجزء من العالم".
وفقاً للشبكة، هذا البيان يقلّل من أهمية تداعيات حدث كهذا لأنّ هذا "الاستفزاز سيكون كارثياً لعالمنا... لا يمكن أحد أن ينجو سالماً من نزاع بين الصين والولايات المتحدة".
حلّ وسط؟
يبدو أنّ التوتّر الثنائيّ الحاليّ قد ينتهي بمحصّلة صفريّة. أيّ تراجع لبيلوسي عن الزيارة أو للصين عن الردّ عليها سيعدّ خسارة كبيرة للمتراجع. يرى البعض أنّ هنالك طرقاً أخرى "أقلّ خطورة" لإبراز الدعم الأميركيّ للجزيرة مثل إرسال مسؤول عسكريّ بارز أو توقيع اتفاقية تجارية مع تايوان لمساعدتها في تقليص اعتمادها العسكريّ على الصين، وفقاً لـ"نيويورك تايمس". لكنّ إنجاز الاتّفاقيّة الثنائيّة يستغرق وقتاً وإرسال مسؤول عسكريّ في هذا التوقيت عوضاً عن بيلوسي قد لا يخفّف الاحتقان ولا يحفظ ماء وجه بيلوسي. الأكيد أنّ الصين والولايات المتحدة وصلتا إلى نقطة حرجة تحتاجان فيها إلى ديبلوماسيّة خلّاقة لخفض التصعيد من دون إظهار أيّ من الطرفين في موقع المهزوم.