النهار

تهديدات روسيا علامة ضعف والتعبئة شاملة لكنها غير معلنة... والروس يؤكدون "لن أموت من أجل بوتين"
المصدر: "النهار"
تهديدات روسيا علامة ضعف والتعبئة شاملة لكنها غير معلنة... والروس يؤكدون "لن أموت من أجل بوتين"
القوات الروسية.
A+   A-
عادت الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة لتتصدّر عناوين وسائل الإعلام العالميّة وسط انعدام الأمل في انحسار الإعصار، الذي أنهك أوكرانيا، وأودى بحياة الآلاف. فبعد سبعة أشهر من غزو أوكرانيا، لا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول إبقاء أوكرانيا في مداره الإقليمي بعيداً من التأثير الغربي، وهو هاجس لطالما لحق بالروس منذ الحرب الباردة بين الولايات المتحّدة والاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى محاولة إعادة جزء من أرض لطالما اعتبرها الروس لهم.
 
يعتبر الرئيس الروسي أنّ الغرب وحلف الناتو، أي واشنطن ولندن وبروكسل، يدفعون كييف بشكل مباشر لنقل العمل العسكريّ إلى روسيا، ويسعون إلى هزيمة روسيا في ساحة المعركة بأيّ وسيلة.
 
من هنا، وعقب استعادة القوات الأوكرانيّة السيطرة على أغلبيّة منطقة خاركيف، ظهر بوتين في خطاب متلفز أكّد فيه موافقته على تطبيق عمليّة عسكريّة اقترحتها وزارة الدفاع سابقاً، هي "التعبئة الجزئية"، أي نقل أكثر من 300٫000 جندي روسي من قوات الاحتياط للقتال في أوكرانيا، وأيّد خطّة لضّم أجزاء منها، وهدّد باستخدام السلاح النوويّ إذا لزم الأمر: "للدفاع عن روسيا وشعبنا، سنستخدم جميع الأسلحة المتاحة لنا، هذه ليست خدعة".
العديد من المحلّلين اعتبروا هذا الخطاب "من أكثر القرارات غير الشعبية التي اتّخذها بوتين حتى الآن"، في حين اندلعت التظاهرات في مناطق عديدة في روسيا، وتمّ اعتقال المئات، بسبب رفض الكثيرين المشاركة في الحرب، علماً بأن أخطاء كثيرة رافقت ما سُمّي بخطة التعبئة الجزئيّة، وبدأت تطفو إلى العلن. والسؤال: هل تعني الدّعوة إلى التعبئة الجزئية أنّ روسيا على أبواب الهزيمة؟
 
"هذه ليست خدعة"
لا يزال الخبراء والمحلّلون يعتقدون أنه من غير المرجّح أن يسيطر بوتين على أوكرانيا، خاصّة إذا استمرّ الغزو الروسي في مواجهة مقاومة شديدة ونكسات استراتيجية منهكة. لكن في الوقت نفسه هناك مخاوف من عدم صدقيّة هذه الاعتقادات وأن ينجح بوتين في فعل ذلك.
 
ويقول مسؤولو المخابرات الأميركيّة إن بوتين يمكن أن يشنّ ضربة نوويّة محدودة، وذلك بدافع اليأس؛ فموسكو استثمرت مليارات الدولارات في إصلاح قواتها النووية وإعادة تشكيل ترسانتها بأمر من بوتين، وبدأ الجيش بجمع نشكيلة واسعة من الأسلحة الصغيرة ذات العوائد المتفجّرة المنخفضة، والتي تسمى الأسلحة النووية التكتيكية، المصمّمة للاستخدام في ساحة المعركة في "حرب نووية محدودة".
 
وفي هذا السياق، يعتبر محرّر الشؤون الدفاعيّة في جريدة "The economist" شاشانك جوشي أنّ "روسيا تمتلك عدة آلاف من الأسلحة النووية، معظمها أسلحة استراتيجية مصمّمة لتدمير مدن بأكملها، وما أصبح العالم قلقًا بشأنه في الفترة الأخيرة هو ترسانة روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية والتخوّف من أن يستخدم بوتين أحد الأسلحة الصغيرة لخلق صدمة لأوكرانيا وحلفائها الغربيين ودفعهم إلى الاستسلام أو التفاوض".
 
من جهته، رأى الدكتور في الشوؤن الروسيّة والأوراسية نايجل غولد ديفيز في مقاله لموقع the military balance أنّ هذا القرار اتخذّه بوتين بغية إجبار أوكرانيا على إنهاء الحرب، أو تخويف الغرب لإجبار أوكرانيا على القيام بذلك، مضيفاً: "وسّع فشل روسيا الفجوة بين طموحها وقدراتها. وضعفها في المعركة العسكريّة يشير إلى الضعف المزمن في حجم القوّة، ومن المرجّح أن يتدهور وضعها أكثر. ففي مواجهة الوضع الراهن يجب على روسيا أن تختار ما إذا كانت ستصعّد من خلال زيادة القدرات لمطابقة الأهداف، أو أن تقلّص الإنفاق من خلال تقليص الطموح بما يتماشى مع القدرات. لكن القوّة الأوكرانية ومعنوياتها ودعمها من الغرب تدّل على أنها لن تقبل بأيّ نتيجة باستثناء الانسحاب الروسي الكامل، ممّا سيكون كارثياً سياسيًا ومهينًا لبوتين، وذلك ما لن يقبل به".
 
 
رسم بياني يقارن القوّة العسكريّة بين روسيا وأوكرانيا (نقلاً عن الـBBC)
 
 
 
 
يعيدنا قرار بوتين النووي إلى حقبة الستينيات مع أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحّدة والاتحاد السوفياتي في العام 1962. لكن الفارق هو أنّه بقدر ما كان نيكيتا خروتشوف قوياً كرئيس للحزب الشيوعي السوفياتي فقد طُرد بعد عامين من المنصب بعد مفاوضاته مع الولايات المتحدة. في المقابل، تشير جميع المؤشرات الآن إلى أن بوتين وحده هو الذي يتّخذ القرارات بشأن جميع القضايا الرئيسية، وهذا بالطبع يجعل الوضع أكثر خطورة.
 
"لن أموت من أجل بوتين"
أتى قرار التعبئة الجزئية من الكرملين، ولم يعد بإمكان معظم الشعب الروسي تجاهل الحرب. يعرفون أن التجنيد يمكن أن يتّسع بسرعة، وسيدّق أبوابهم قريباً، وسيُجبرهم على القتال. في الموازاة، حصل العديد من الذين ليس لديهم خبرة عسكرية سابقة على أوراق استدعاء، تُسمّى باللغة الروسية povetska. الاستعداد للقتال هو الاختبار الحقيقي لدعم الحرب، وتظهر استطلاعات الرأي أن أقلية فقط مندفعة لخوض المعركة.
 
مع بداية اجتياح روسيا لأوكرانيا، أرسلت القوات الروسيّة ما بين الـ120 والـ150 ألف جنديّ إلى الحدود الأوكرانيّة، وأعلنت السلطات أنّ 5٫937 جندياً توّفوا خلال المعركة، في حين أنّ المحلّلين السياسيين يؤكدون أنّ أكثر من 20 ألف جندي حتى الآن توفوا لكن السلطات الروسيّة تتكتّم على الأرقام الحقيقيّة.
 
وتوصف التعبئة حتى الآن بأنها جزئية، حيث سيتم استدعاء 300 ألف جندي من قوات الاحتياط على مدى أشهر بدلًا من استدعاءٍ كامل يعتمد على قوة احتياطية هائلة يبلغ قوامها 25 مليونًا على حدّ قول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
وعشية الإعلان عن التعبئة، صوّت البرلمان على عقوبات طويلة بالسجن لمن يرفض الالتحاق بالجيش أو يفرّ من الخدمة العسكرية. وعلى الأثر، اشتعلت شوارع روسيا بالتظاهرات، ورفعت هتافات "لن أموت من أجل بوتين"، وسارع الرجال إلى مغادرة الأراضي الروسيّة، في حين ارتفعت أسعار تذاكر الطيران لأقرب المواقع خارج البلاد لأكثر من خمسة آلاف دولار، مع نفاد تذاكر معظم الرحلات للأيام المقبلة. وظهرت مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي تقدم النصائح حول كيفية الخروج من روسيا بينما أعدّ موقع إخباري روسي قائمة "إلى أين تهرب الآن من روسيا". وظهرت صفوف طويلة على المعابر الحدوديّة مع جورجيا.
 
هل بوتين على أبواب الهزيمة؟
يرى مؤسّس شركة إينغما والباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا إلى تعبئة جزئية لكنّها في الحقيقة هي تعبئة شاملة غير معلن عنها من أجل عدم إثارة القلق والتخفيف من واقع الأمر لدى الشعب الروسي، مضيفاً: "إن استدعاء 300 ألف جندي ليس رقماً ضئيلاً، فهي تعبئة شاملة. لكن المفارقة أن روسيا لا تملك هذا العدد من الجنود المدرّبة عسكرياً. جزءٌ كبيرٌ منهم لا يملك أيّ خبرة عسكريّة. بالتالي هم بحاجة إلى تأهيل لا يقّل عن ثلاثة أشهر فيما مُنحوا أسبوعين فقط للتدريب. وبالتالي، لا أحد يتوقّع أن يغيّر هؤلاء الجنود الواقع العسكري ميدانياً. المسألة برمّتها ستكون كناية عن أعداد بشريّة لتشكيل أمواج بشريّة في عمليات الدفاع والهجوم". ويأسف لأنّنا عدنا إلى عصر الجيوش الكبيرة التي كانت من المفترض أن تنتهي مع انتهاء الحرب الباردة في التسعينيات".
 
ويشدّد قهوجي على أنّ التهديد النووي هو "علامة ضعف لدى بوتين، وبمثابة تشويه لصورة "الدولة القويّة"، التي كان يتباهى بها الرئيس الروسي؛ وهذا مؤشر على أنّه في موقف لا يُحسد عليه، ولديه شعور بأنّه لن ينتصر، وهو على وشك الهزيمة؛ ولذا يقوم بعمليّة التهويل والتهديد، كما أنّ قواته غير مجهّزة لخوض حرب نوويّة".
 
يشير قهوجي إلى أنّ "الولايات المتحّدة أكّدت تزويد أوكرانيا بأسلحة متطوّرة أكثر في حال استُخدم النووي، فضلاً عن التداعيات السلبيّة الناتجة عن هذا القرار، إذ تُعتبر هذه العمليّة بمثابة هجوم على دولة مستقلّة وسياديّة، على المستوى القانوني، كما أن المسألة لها أبعادها وستؤثر سلباً على روسيا على صعيد الدولي".
 
ويقول: "قد يقدم بوتين على الخيار النووي، ولا نعلم ما سيؤول إليه جنونه. أيّ شخص عقلانيّ لن يُقدم على هذا الموضوع لأنّه بمثابة الدخول في المجهول. بوتين يشعر بالخطر على نفسه، وعلى مستقبله السياسيّ، وما يفعله الآن محاولات بائسة لإنقاذ نفسه من حرب بات الانتصار فيها صعباً".
الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium