بعدما لازموا منازلهم لأسابيع، فرّ لاجئون سودانيون من إقليم دارفور في السودان سيراً على الأقدام إلى تشاد المجاورة حاملين أطفالهم على ظهورهم سعياً إلى الأمان.
يؤوي مركز أورا لاستقبال اللاجئين بمدينة أدري في شرق تشاد، عند حدود إقليم دارفور الشاسع في غرب السودان، آلاف اللاجئين في خيم من القماش مقدمة من منظمات ومجموعات الإغاثة الدولية.
تدور حرب على السلطة في السودان منذ 15 نيسان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وقد أسفرت حتى الآن عن مقتل نحو خمسة آلاف شخص ونزوح أكثر من أربعة ملايين سواء داخل البلاد أو خارجها.
ربطت الشابة السودانية حواء موسى طفلها الصغير إلى ظهرها وأمسكت بيد طفلها الآخر وانطلقت تحت جنح الظلام للفرار من ولاية غرب دارفور إحدى بؤر الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من أربعة أشهر، متوجهة إلى الحدود التشادية.
تمكنت موسى البالغة 30 عاما من الهرب في حزيران، وهي من بين نحو 430 ألف شخص نزحوا من غرب السودان إلى تشاد.
تجلس موسى على الأرضية الترابية للخيمة تضم طفلها الصغير إليها، وتروي لوكالة فرانس برس فرارها قائلة "كنت حاملاً آنذاك".
وتضيف: "ربطت إبني الأصغر إلى ظهري وأمسكت بيد الأكبر". وكان القتال مستعرّاً يومها في الولاية، فيما اغتيل والي غرب دارفور.
وتفيد مجموعات حقوقية وشهود فرّوا من دارفور أنّ الإقليم شهد مجازر ارتُكبت في حقّ مدنيّين وهجمات بدوافع عرقية وعمليات قتل ارتكبتها خصوصاً قوات الدعم السريع ومليشيات قبلية عربية متحالفة معها.
وسبق أن شهد إقليم دارفور حرباً ضارية العام 2003، هاجم خلالها عناصر مليشيات الجنجويد التي سبقت تشكّل قوات الدعم السريع، المدعومة من حكومة الرئيس عمر البشير، متمرّدين من أقليات عرقية. وامتدت الحرب زهاء عقدين من الزمن مخلفة نحو 300 ألف قتيل و2,5 مليون نازح، بحسب الأمم المتحدة.
ووجهت المحكمة الجنائية الدولية تهم ارتكاب جرائم حرب إلى البشير ومسؤولين آخرين إلّا أنّ مشتبهاً واحداً فقط سلم نفسه ويخضع للمحاكمة.
وتحدّثت المحكمة عن "إبادة جماعية" في ذلك الحين، وهي تحذّر الآن من أن يكرر التاريخ نفسه، ما دفعها إلى التحقيق مجدّداً فيما يجري من جرائم في المنطقة.
- 35 كيلومتراً من السير -
قبل اندلاع الحرب في السودان في 15 نيسان كان ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليوناً يقيمون في إقليم دارفور، الإقليم الذي تعادل مساحته مساحة فرنسا.
ووفّر معظم لاجئي أورا من الجنينة عاصمة غرب دارفور حيث تقدّر الأمم المتحدة مقتل أكثر من ألف شخص خلال أيام قليلة جراء هجمات قد ترقى إلى مستوى "جرائم ضد الإنسانية".
وقد تكون هذه الحصيلة أعلى بكثير، إذ يصعب توثيقها أو التأكّد منها نتيجة قطع خدمات الاتصالات والانترنت.
إلى ذلك، تحدّثت منظّمات إغاثة عن انتشار جثث في الشوارع وتحلّلها بسبب حرارة الطقس المرتفعة سواء في العاصمة أو في دارفور.
ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش مطلع الشهر الحالي مجلس الأمن الدولي إلى حث الأمم المتحدة على عدم الوقوف موقف المتفرج فيما "تُسوى بالأرض مدن دارفور واحدة تلو الأخرى".
تروي السودانية سعاد إبراهيم (41 عاماً) باكية معاناة أسرتها حينما قررت الفرار من الجنينة سيراً على الأقدام حتى أدري في تشاد.
وتقول لوكالة فرانس برس: "تجولنا حفاة حول الجنينة لمدة سبعة أيام ورغم إطلاعنا على طريق للخروج، أصيب أربعة منا".
وتؤكّد إبراهيم التي كانت في شهور حملها الأخيرة "لم يكن لدينا ماء ولا طعام، واضطررت إلى حمل طفلي البالغ من العمر أربع سنوات على ظهري وتبعتني ابنتي ذات الأعوام الستة"، لمسافة 35 كيلومتراً.
- "رصاصة في ساقها" -
هذه الرحلة من دارفور إلى تشاد محفوفة بالمخاطر خصوصاً على النساء، إذ يخشين العنف الجنسي إلى جانب الرصاص الطائش، مع انتشار تلك الممارسات في السودان منذ عقود.
وكانت هيومن رايتس ووتش "وثقت 78 ضحية أو ناجية من الاغتصاب بين 24 نيسان و26 حزيران" في مدينة الجنينة وفي الطريق إلى تشاد.
ولفتت إلى أنّ المهاجمين يستهدفون النساء من إثنية المساليت، إحدى أبرز المجموعات العرقية غير العربية في غرب دارفور.
ويقول السوداني آدم هارون البالغ من العمر 39 عاماً، وقد انضم حديثاً إلى أسرته في مخيم النازحين بتشاد "زوجتي وأطفالي غادروا قبلي إلى تشاد".
ويضيف لوكالة فرانس برس: "هاجمهم الجنجويد وهم في الطريق وأصيبت زوجتي برصاصة في ساقها"، لافتاً إلى أنّ إحدى مجموعات الإغاثة تقدم لها الرعاية الطبية حاليّاً.