بدا اليوم أنّ البابا فرنسيس يريد طمأنة الصين خلال تجمّع للمبشّرين الكاثوليك في منغوليا، حين أكّد أنّ الحكومات "ليس لديها ما تخشاه" من العمل التبشيري للكنيسة.
أعلن البابا (86 عاماً) في كاتدرائية القديسين بطرس وبولس في العاصمة المنغولية، أولان باتور، أنّ "الحكومات والمؤسسات العلمانية ليس لديها ما تخشاه من عمل الكنيسة التبشيري لأنها لا تتبع أجندة سياسية"، في تصريح اعتبر أنه موجه للصين حيث يشكل الدين موضوعاً شائكاً.
وأضاف أن رسالة الكنسية القائمة على "الرحمة والحقيقة تهدف إلى تعزيز خير الجميع".
خلال هذه الزيارة الأولى لمنغوليا، وهي دولة غير ساحلية تقع بين روسيا والصين، بدا أن البابا لا يرغب فقط بدعم واحدة من أصغر المجموعات الكاثوليكية في العالم يُقدّر عددها بنحو 1400 شخص من أصل ثلاثة ملايين نسمة، بل يريد أيضاً انتهاز فرصة وجوده على مشارف الصين لمحاولة تحسين العلاقات بين الفاتيكان وبيجينغ.
وتثير أيّ منظمة، خصوصاً متى كانت دينية، قلق الحزب الشيوعي الحاكم الذي يخشى أن تهدد سلطته. ومنذ فترة طويلة، يسود الحذر في العلاقة بين بيجينغ والفاتيكان نظراً لنفوذ الكرسي الرسولي السياسي وتأثيره المحتمل على الكاثوليك الصينيين.
لا ترتبط الصين بعلاقات ديبلوماسية مع حاضرة الفاتيكان. لكنّ ذلك لم يمنع الطرفين في العام 2022 من تجديد اتفاق تاريخي وُقّع عام 2018 في شأن المسألة الشائكة المتمثلة في تعيين أساقفة في الصين.
وكان الفاتيكان قد أفاد الجمعة عبر "تلغرام" بأنّ البابا عبّر عن "تمنّياته الطيّبة" للرئيس الصيني شي جينبينغ وشعبه، بينما كانت طائرته تُحلّق في أجواء البلاد في طريقها إلى منغوليا.
وردّت بيجينغ بتأكيد رغبتها في "تعزيز الثقة المتبادلة" مع الفاتيكان.
تُشكّل تايوان مسألة شائكة في علاقات الصين مع أيّ طرف خارجي. وتتمتّع الجزيرة بحكم ذاتي، لكن بيجينغ تعتبرها جزءاً من أراضيها، وتعهّدت إعادتها إلى سيادتها بالقوة إن لزم الأمر. وقد أعلنت تايوان اليوم أنها تدعم جهود الفاتيكان للتواصل مع بيجينغ، وأعربت عن أملها أن تؤدي هذه الخطوة إلى وقف "تدهور الحرية الدينية ووضع حقوق الإنسان" في الصين.
وأوضحت وزارة الخارجية التايوانية في بيان: "بلادنا تحترم الحرية الدينية بالكامل وتدعم جهود الكرسي الرسولي المستمرة للانخراط في حوار مع الصين لحلّ المشاكل الدينية للكنيسة الكاثوليكية في الصين".
دعوة لحماية الأرض
لدى وصوله إلى أولان باتور الجمعة، استُقبل البابا فرنسيس بمراسم رسمية بمشاركة حرس الشرف في ساحة سخباتار التي سُمّيت على اسم بطل ثوري منغولي. وفي ساحة سخباتار الواسعة التي تضمّ مركز السلطة في منغوليا، حيّا إلى جانب رئيس البلاد اوكنا كوريلسوخ، أكثر من ألف شخص كانوا ينتظرون وصوله.
أشاد البابا فرنسيس بـ"حكمة" منغوليا التي يعيش كثير من سكانها منذ قرون في وئام مع الطبيعة، داعياً إلى بذل مزيد من الجهود لحماية البيئة في البلد الآسيوي الذي يعاني من التلوث. وحضّ الحبر الأعظم على "التعهّد بشكل عاجل وضروري الآن بحماية كوكب الأرض".
تجد الإشارة إلى أنّ منغوليا هي من أكبر مصدري الفحم، ويصنّف الهواء في عاصمتها أولان باتور من الأكثر تلوثاً في العالم. وتواجه مناطق واسعة من البلاد خطر التصحّر بسبب تغيّر المناخ والإفراط في الرعي والتعدين.
كما انتقد البابا الفساد أمام قادة منغوليا بعدما أثارت فضيحة في قطاع التعدين تظاهرات واسعة في كانون الأول 2022. وحذّر من أنّ الفساد يمثّل "تهديداً خطيراً لتنمية أيّ مجموعة بشرية، ويتغذّى على عقلية نفعية وعديمة الضمير تُفقِر بلدانا بكاملها".
على أبواب الصين
ترقّب أكثر من ألف شخص بحماسة وصول البابا. ولتجنّب التعرّف إليهم، قام عدد من الصينيّين الذين أتوا من بلادهم بإخفاء وجوههم خلف كمامة ونظارات شمسية.
وقالت مواطنة صينية فضلت عدم ذكر اسمها: "يجب أن نتوارى، وقبل كلّ شيء، يجب ألّا نقول إنّنا هنا من أجل البابا. عند الجمارك سألونا إذا كنّا كاثوليكيّين، فقلنا إننا جئنا لمشاهدة المعالم السياحية".
بدوره، قال سائح صيني لوكالة "فرانس برس"، طالباً عدم كشف هويته خوفاً من تعرّضه لإجراءات عقابية، إنّ "العديد من الكاثوليك في الصين أرادوا الحضور، لكنّهم لم يتمكّنوا من ذلك. نحن محظوظون".
وقال إنختور داغفادورج، وهو من منغوليا: "لست كاثوليكياً ولكنّي أريد رؤيته شخصياً. يبدو شخصاً رائعاً"، معرباً عن "سعادته الكبيرة".
خلف الطوق الأمني الذي فرضته الشرطة، وقفت غالينا كروتيلينا (62 عاماً) في الصف الأمامي بعدما قطعت أكثر من ستة آلاف كيلومتر آتية من موسكو مع صديقها لرؤية البابا. وقالت هذه الروسية الأرثوذكسية التي وضعت صليباً ذهبياً حول عنقها لـ"فرانس برس": "وصلنا قبل ساعة بالقطار".
ويلقي البابا الأحد خلال لقاء متعدد الأديان، كلمة بحضور رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أولان باتور، قبل أن يرأس قداساً في ملعب للهوكي على الجليد بُني قبل فترة قصيرة.
وتشكّل الزيارة اختباراً لصحة البابا الذي يواصل السفر رغم خضوعه لعملية جراحية لمعالجة فتق في البطن في حزيران ومعاناته من أوجاع في الركبة تضطره للتنقل على كرسي متحرك.