مع ازدياد حركة عبور المهاجرين وغرق مراكبهم في وسط البحر الأبيض المتوسط وبطء الاستجابة الأوروبية، يقول المطلعون على الأمر إن غياب إطار سياسي يغذي الفوضى ويخلف "كوارث يومية".
أحدث مثال على ذلك هو إنزال نحو 11 ألف مهاجر في إيطاليا منذ الاثنين، معظمهم في جزيرة لامبيدوسا، حيث اكتظ بهم مركز الاستقبال الذي يديره الصليب الأحمر.
وسرعان ما استغلت أحزاب وحركات اليمين المتطرف الأوروبية هذه الصور باعتبارها دليلًا على اجتياح المهاجرين للقارة.
في هذا الممر البحري الرئيسي للهجرة، حيث قضى أكثر من 2000 شخص غرقًا هذه السنة، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، ارتفعت أرقام الواصلين إلى الساحل الإيطالي إلى 126 ألفًا منذ بداية العام، مقارنة مع 66 ألفًا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب السلطات الإيطالية.
وقالت وكالة خفر السواحل وحرس الحدود الأوروبية فرونتكس الخميس إن هذا الطريق وحده عبره "نصف الوافدين على نحو غير قانوني إلى الاتحاد الأوروبي" منذ كانون الثاني. وكان معظم هؤلاء المهاجرين من ساحل العاج ومصر وغينيا.
وتتوقع فرونتكس أن تستمر "ضغوط الهجرة" في الأشهر المقبلة، مع لجوء المهربين إلى "خفض الأسعار" على السواحل الأفريقية.
- "غير إنساني" -
ويعود هذا التسارع في ارتفاع الأعداد إلى زيادة كبيرة في عدد المغادرين من تونس (+260% في 2023 مقارنة بالفترة الممتدة من كانون الثاني إلى آب 2022) ربطها مبعوث الأمم المتحدة لمنطقة وسط وغرب البحر المتوسط فنسان كوشتال بتغير موقف السلطات التونسية، وفق تصريحات أدلى بها لفرانس برس.
يفر الأفارقة القادمون من جنوب الصحراء الكبرى من تونس حيث يشعرون بأنهم يتعرضون لسوء المعاملة والتمييز. فقد تركت قوات الأمن مئات منهم هذا الصيف في وسط الصحراء يواجهون مصيرهم.
ويوضح هذا المسؤول من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن "السلطات التونسية تسمح لهؤلاء الأشخاص بالمغادرة (عن طريق البحر). وقد خففت من جهودها في اعتراض القوارب وإنقاذ المهاجرين".
أما روما التي تقف على خط المواجهة فأصدرت أخيرا مرسومًا يعوق جزئيًا أنشطة سفن المنظمات غير الحكومية التي صار يتعين عليها نقل الأشخاص الذين تنقذهم إلى ميناء، يكون في أكثر الأحيان بعيدًا جدًا، بعد العملية الأولى. وهذا يمنعها بحكم الأمر الواقع من تنفيذ عمليات إنقاذ لاحقة.
لكن "الوضع تحول حالة من الجنون" منذ آب، وفق فابيان لاسال، نائبة مدير منظمة الإغاثة في المتوسط SOS Méditerranée، التي أوضحت أن خفر السواحل الإيطاليين "طلبوا منا مد يد العون لهم"، ولا سيما خلال خمس عشرة عملية إنقاذ متتالية (623 شخصاً) على متن سفينة الإسعاف التابعة للمنظمة غير الحكومية يومي 10 آب و11 منه. وهو أمر لم يسبق أن شهدت المنظمة مثيلًا له.
وأضافت فابيان لاسال بأسف "في البحر، نرى الآن قوارب مصنوعة من ألواح معدنية لحامها سيء. الوضع سيئ جدًا بحيث أن الجمود السياسي غير إنساني".
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة أن الوضع في لامبيدوسا أظهر أن السياسات الوطنية البحت محدودة التأثير، داعيا إلى "واجب التضامن الأوروبي".
- "لا تقدم" -
تعثرت المناقشات حول تبني ميثاق للهجرة في المفوضية الأوروبية، التي عرضت في أيلول 2020 نصًا من المفترض أن يؤدي إلى نظام للتضامن بين الدول الأعضاء في رعاية اللاجئين.
في بروكسيل، لاحظ فنسان كوشتال أن "المطلوب آلية إنقاذ وتوزيع دائمة ويمكن التنبؤ بها. تضامن فعال. ولكن في الوقت الراهن، لا نرى أي تقدم".
وأضاف بأسف أن في الوقت نفسه، "صارت الكوارث اليومية هي الوضع الطبيعي الجديد".
وحتى إن تم التوقيع على اتفاق لتوزيع طالبي اللجوء، فإن الرغبة في التوصل إلى صيغة تسوية أضعفت النص كثيرا، على نحو سيجعله بدون "أي تأثير"، ولا سيما إمكانية دفع شكل من أشكال الغرامة بدلا من استقبال اللاجئين، وفق ما قالت كلويه بيرونيه، الباحثة في سياسات الهجرة الأوروبية في جامعة باريس بانتيون-أساس.
وفي غياب التقدم، تبنى البرلمان الأوروبي قراراً في منتصف تموز لزيادة موارد فرونتكس المخصصة لعمليات الإنقاذ.
قالت كلويه بيرونيه "عندما نعلم أن وكالة فرونتكس متهمة بالفعل بانتهاك الحقوق الأساسية، وأنها عندما ترصد قوارب في محنة، فإنها تبلغ السلطات الليبية بها... هذا عبث".
تأتي عمليات الإنزال الجديدة في لامبيدوسا بعد عشر سنوات، بالتمام تقريبًا، من غرق مركب خلف أكثر من 300 قتيل بالقرب من الجزيرة.
وقال فنسان كوشتال إن "البحر هو من الأماكن الوحيدة التي لا يمكن فيها بناء الجدران ونصب الأسلاك الشائكة. لذلك سيستمر الناس في محاولة العبور".