قمعت قوات أمن إيرانيّة السبت احتجاجات في المناطق التي يقطنها غالبية من الأكراد واحتجزت والد مهسا أميني لفترة وجيزة، في الذكرى الأولى لمقتل ابنته الذي أشعل فتيل أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة منذ 40 عاماً.
ألقى الحرس الثوري القبض على مواطن مزدوج الجنسية يُشتبه في أنّه "حاول إثارة اضطرابات وتخريب"، وفق ما ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء. كما أفادت وسائل إعلام رسمية بأنّ قوات الأمن ألقت القبض على عدد من "المناهضين للثورة" و"الإرهابيين" في مدن إيرانية مختلفة.
مع حلول المساء السبت، بدا أنّ الوجود الأمني المكثّف في المناطق ذات الأغلبية الكردية في إيران قد ردع خروج مسيرات احتجاجية واسعة النطاق، لكنّ جماعات حقوق الإنسان أفادت بوقوع مواجهات متفرقة في مناطق عدّة.
وعلى الرغم من الوجود الأمني المكثف، فإنّ هناك مؤشرات على خروج احتجاجات في مناطق مختلفة بالبلاد السبت. وأظهر تسجيل مصور منشور على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من المتظاهرين الذين احتشدوا في شارع رئيسي في طهران وردّدوا هتافات لتشجيع زوجين من المحتجّين الشبّان بينما أطلق سائقون أبواق سياراتهم تأييداً لهم.
بدورها، ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء أنّ حريقاً اندلع في عنبر النساء في سجن قرجك بإقليم طهران، بعد أن أشعلت سجينات محكوم عليهنّ بالإعدام النار في ملابسهنّ. لكنّ الوكالة قالت إنّ حراس السجن تمكّنوا من إخماد الحريق، مضيفة أنّه لم يسفر عن أيّ إصابات.
وكانت شبكة حقوق الإنسان في كردستان قالت في وقت سابق إنّ الواقعة لها صلة بالاحتجاجات، وأضافت أنّ القوات الخاصة دخلت العنبر وضربت النساء وأطلقت طلقات خرطوش.
في حادث منفصل، قالت منظمة "هنكاو" لحقوق الإنسان إنّ قوات الأمن فتحت النار في مدينة مهاباد الكردية ممّا أدى إلى إصابة شخص واحد على الأقل. وأضافت أنّ عدداً من الأشخاص أصيبوا في مدينة كرمانشاه، لكن لم يرد تأكيد رسمي لأيّ من الواقعتين.
في مدينة سقز، مسقط رأس أميني بشمال غرب إيران، ذكرت وكالة أنباء "فارس" شبه الرسمية أنّ طلقة خرطوش أطلقتها الشرطة على رجل "تجاهل تحذيرها" أدّت إلى إصابته بجرح بالغ. وأضافت أنّ الرجل موجود في وحدة للرعاية الفائقة بعد خضوعه لعملية جراحية، من دون تقديم المزيد من التفاصيل.
وأظهرت لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي احتجاج السكان في عدد من المدن، ومنها طهران، وهم يردّدون شعارات مناهضة للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي مثل "الموت للديكتاتور" بالإضافة إلى احتجاجات في مناطق من بينها جوهردشت، وهو أحد أحياء مدينة كرج غربي العاصمة طهران، وفي مدينة مشهد بشمال شرق البلاد.
وأظهر تسجيل مصوّر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من المتظاهرين في جوهردشت وهم يهتفون "نحن أمة عظيمة، وسوف نستعيد إيران" بينما يطلق سائقون أبواق سياراتهم ويهتفون تشجيعاً لهم. ولم يتسنَّ بعد التحقّق من صحة هذا الفيديو.
وقالت جماعات حقوقية إنّ أكثر من 500 شخص، بينهم 71 قاصراً، قُتلوا فيما أصيب المئات واعتقل الآلاف في الاحتجاجات التي أعقبت وفاة أميني. ونفذت إيران سبع عمليات إعدام مرتبطة بالاضطرابات.
وقالت شبكة حقوق الإنسان في كردستان إن أمجد أميني تلقى تحذيراً من إحياء الذكرى السنوية الأولى لوفاة ابنته قبل إطلاق سراحه، ولم تتمكّن عائلة مهسا أميني من إقامة مراسم لإحياء الذكرى عند قبرها. وقد نفت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء القبض عليه، لكنها لم تذكر ما إذا كان قد احتجز لفترة وجيزة أو تلقّى تحذيراً.
وتحدّثت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير لجماعات حقوقية في وقت سابق عن تمركز قوات الأمن حول منزل أميني في سقز.
"حركة تاريخية"
جاءت الحملة على الاحتجاجات في وقت أدانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة قرار طهران منع العديد من المفتشين من العمل بالبلاد، في تأكيد على عزلة إيران عن الغرب.
في واشنطن، تجمّع مئات المتظاهرين في حديقة مقابلة للبيت الأبيض حاملين صور أميني. وقاد بعضهم الحشد وهم يهتفون "قل اسمها... مهسا أميني"، كما ردّدوا "نحن الثورة" و"حقوق الإنسان لإيران!"
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان الجمعة: "قصة مهسا لم تنتهِ بموتها الوحشي. لقد ألهمت حركة تاريخية، المرأة والحياة والحرية، والتي أثرت على إيران وأثرت على الناس في جميع أنحاء العالم".
من جهتها، فرضت بريطانيا أمس عقوبات على أربعة مسؤولين إيرانيين. وقالت الولايات المتحدة إنّها فرضت عقوبات على 29 فرداً وكياناً مرتبطين "بالقمع العنيف" للاحتجاجات في إيران.
ومن دون تسمية بايدن، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني العبارات الغربية الداعمة لحقوق المرأة في إيران ووصفها بأنّها "معايير مزدوجة وأكاذيب".
ونفت وسائل إعلام رسمية تقارير عن وقوع اضطرابات وتنظيم إضرابات في مدن عدّة بإقليم كردستان الإيراني. وقالت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء إنّ سقز "هادئة تماماً" وإنّ الدعوات إلى الإضراب في المناطق الكردية باءت بالفشل بسبب "يقظة الشعب ووجود قوات الأمن والجيش".
ونقلت عن مسؤول في إقليم كردستان قوله: "اعتُقل في الساعات الأولى من صباح اليوم عدد من العملاء التابعين للجماعات المناهضة للثورة الذين خططوا لإثارة الفوضى وإعداد مواد إعلامية".
من جانبها، قالت منظمة العفو الدولية في تقرير الشهر الماضي إنّ السلطات الإيرانية "تعرّض عائلات الضحايا للاعتقال والحجز التعسفي وتفرض قيوداً قاسية على التجمّعات السلمية عند المقابر وتدمّر شواهد قبور الضحايا".
وذكرت جماعات حقوقية إيرانية وغربية أنّ عدداً كبيراً من الصحافيين والمحامين والناشطين والطلاب والأكاديميين والفنانين والشخصيات العامة وأفراد الأقليات العرقية المتهمين بأنّ لهم صلات بموجة الاحتجاجات وأقارب المتظاهرين الذين قتلوا في الاضطرابات تعرضوا للاعتقال أو الاستدعاء أو التهديد أو الفصل من العمل في الأسابيع القليلة الماضية.
وذكرت صحيفة "اعتماد" الإيرانية في آب أنّ محامي عائلة أميني يواجه أيضاً اتهامات "بالتحريض ضدّ النظام". وفي حالة إدانته، يواجه المحامي صالح نكبخت عقوبة السجن لمدة تراوح بين سنة وثلاث سنوات.