أثارت حكومة بنيامين نتنياهو انقساماً حادّاً في المجتمع الإسرائيلي، لا سيّما على خلفية مشروع التعديلات القضائية، لكنّ السياسي اليميني الذي أمضى أطول مدة في رئاسة الوزراء في إسرائيل، سيقود مجتمعاً موحّداً خلف مطلب توجيه ضربة قاصمة لحركة حماس بعد عمليتها الدموية المباغتة.
وحفرت هذه العملية عميقاً في المجتمع نظراً الى حجمها غير المسبوق وعنصر المباغتة فيها. وأدّت العملية إلى مقتل 1200 شخص على الأقلّ في إسرائيل وأخذ عشرات غيرهم رهائن لدى الحركة.
وردت إسرائيل بقصف جوي ومدفعي مكثف ومتواصل على غزة، أدّى إلى مقتل 1200 شخص على الأقلّ في القطاع.
وتعهّد نتنياهو الأربعاء مواصلة القتال، قائلاً إنّ كل عضو في الحركة الفلسطينية سيكون "في حكم الميت". وقال في تصريح متلفز "حماس هي داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) وسنسحقها وندمّرها كما دمّر العالم داعش".
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي عكيفا إلدار لـ"وكالة فرانس برس" إنّ "نتنياهو محشور في الزاوية. الجميع يضغطون عليه، بمن فيهم حزبه الليكود".
لكنّ إلدار اعتبر أنّ التفويض الممنوح لنتنياهو لن يكون من دون قيود، حاله كحال الدعم الأميركي الذي أعرب عنه الرئيس جو بايدن مراراً منذ بدء العملية.
وأوضح "على نتتياهو تدمير البنية التحتية لحماس بالتأكيد. لكن إذا أتى ذلك على حساب موت الأطفال جوعاً في غزة، حينها سيتبدّل الرأي العالمي، المساند حالياً لإسرائيل، سريعاً".
وأضاف "يجب أن يكون الرد متناسباً مع الفظائع التي ارتكبتها حماس. لكنّ نتنياهو لا يمكنه أن يتحمّل مقتل ألف جندي (إسرائيلي) إضافي أو الرهائن" الذي أسرتهم الحركة، والمقدّر عددهم من الجانب الاسرائيلي بنحو 150 شخصاً.
وخلال خمسة أيام من الحرب، أكدت الأمم المتحدة أن القصف الاسرائيلي أدى إلى نزوح أكثر من 260 ألف شخص في غزة.
نقطة أخرى تثير الضغوط هي تحذير خبراء إسرائيليين من شلل طويل للنشاط الاقتصادي في البلاد، كما حصل خلال حرب تمّوز 2006 مع "حزب الله"، والتي امتدت لأكثر من شهر.
ورأى مصدر عسكري أن إسرائيل تخشى أيضاً توسع النزاع مع حماس ليشمل جهات إقليمية أخرى معادية للدولة وداعمة للحركة الفلسطينية، لا سيّما "حزب الله".
وأكد المصدر أن إسرائيل غير جاهزة لفتح جبهتين أو ثلاث في الوقت عينه، في إشارة لاحتمال دخول الحزب على الخط واندلاع مواجهات مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
وفي ما بدا مسعى للمضي في الحرب بجبهة داخلية موحدة، توصّل نتنياهو وأحد زعماء المعارضة وزير الدفاع السابق بيني غانتس الأربعاء لاتفاق على تشكيل "حكومة طوارئ" و"حكومة حرب".
- "أيام نتنياهو معدودة" -
ورأى الخبير الإسرائيلي والنائب السابق عن حزب العمل دانيال بينسيمون أنّ "وجود بيني غانتس في الحكومة سيخفّف قليلاً الضغط على رئيس الوزراء".
وأضاف "هذا سيخفّف من التوتّر لكنه لن يؤدي الى تغيير في الجوهر: أيام نتنياهو (السياسية) باتت معدودة وهو يدرك ذلك. لن ينجو من هذه الأزمة. مسيرته السياسية انتهت".
وتابع "ما حصل (السبت) غير مسبوق منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948. سيتم فتح تحقيق. بعد ذلك، سيُلقى به (نتنياهو) في مزبلة التاريخ مع هذه الوصمة المخزية في سجلّه".
ويستبعد الخبراء أن يؤدّي التصعيد الراهن إلى طيّ صفحة المشكلات التي واجهها نتنياهو قبل بدء الحرب.
فبعد انتهاء القتال، يرجح أن يستأنف الاسرائيليون تظاهراتهم غير المسبوقة الرافضة للتعديلات القضائية، والتي كانت تستقطب الآلاف أسبوعياً على مدى عشرة أشهر.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس روفن هازان أنّ ذلك سببه فشل مقاربة نتنياهو حيال حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
وأوضح "الرأي العام سيجعله يدفع الثمن عندما ينتهي كلّ ذلك".
وأضاف "نهجه شابته عيوب. حماس تسيطر على غزة منذ 2007، نتنياهو انتخب في 2009، وتولى الطرفان السلطة بشكل شبه متزامن. وخلال تلك الفترة، زاد خطر (التنظيمات) الإسلامية بشكل كبير".
- "خطأ فادح" -
أنهت إسرائيل احتلالها وأزالت المستوطنات من القطاع عام 2005.
وخاضت أكثر من حرب مع فصائل في غزة مثل حماس والجهاد الإسلامي لم تحقق أي منها نتائج ملموسة، وفق الضابط المتقاعد والمستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي يعقوب أميدرور.
وقال "ارتكبنا خطأ فادحاً بالاعتقاد أن منظمة إرهابية قد تغيّر تكوينها".
لكنّ الأسئلة التي تُطرح حالياً تدور حول ما يمكن لإسرائيل القيام به في ظلّ إخفاق استراتيجياتها السابقة.
وطرحت صحيفة "جيروزالم بوست" سؤالاً يردده العديد من المعلّقين والاسرائيليين: هل حان الوقت لإعادة احتلال غزة؟
لكنّ الإجابة على هذا السؤال ليست بسيطة، وفق الباحث إلدار.
وأوضح "عندما تدخل قطاع غزة، لا تعرف كيف ستخرج منه. هذه هي معضلة نتنياهو. لذا، هل سيكون عقلانياً بما يكفي لاتخاذ القرار الصحيح؟".