ذكر الكاتب السياسي في مجلة "نيوزويك" دانيال ديبتريس أنّ أوروبا التي تواجه احتمال حدوث نقص في الغاز هذا الشتاء، تسعى جاهدة للتخفيف من تأثير الأزمة قبل أن يصل الوضع إلى نقطة يكون فيها تقنين الغاز ضرورياً.
يوقع الاتحاد الأوروبي اتفاقات مع موردين غير روس ويسعى إلى فرض حصص استهلاكية للغاز على الدول الأعضاء. وقعت إيطاليا اتفاقاً مع الجزائر في 18 تموز لتعزيز واردات الغاز من الدولة الأفريقية كما وقعت فرنسا تعاوناً أعمق في مجال الطاقة مع الإمارات العربية المتحدة. ومن المتوقع أن تضاعف أذربيجان صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بحلول 2027. ويأمل التكتل أن تصبح نيجيريا أكثر انخراطاً في توريد الطاقة.
مع ذلك، ليس معروفاً ما إذا كانت بروكسل تملك وقتاً كافياً لملء خزاناتها قبل الشتاء. السياسيون الأوروبيون يبدون يائسين بعض الشيء.
يرى الكاتب أن أوروبا محقة في لوم روسيا لإبقائها تدفق الغاز منخفضاً. لكن تصرفات موسكو هي نتيجة ثانوية حتمية لسنوات اعتمدت فيها أوروبا وتحديداً ألمانيا على روسيا كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي. استورد الاتحاد الأوروبي 45% من إجمالي وارداته من الغاز من روسيا. وصلت النسبة في ألمانيا إلى 55% علماً أن الرقم انخفض الآن إلى 26% في فترة قصيرة. تشيكيا والمجر والنمسا معتمدة كثيراً على إمدادات الغاز الروسية أيضاً.
كل ذلك يوفر لموسكو رافعة كبيرة بشكل طبيعي، والروس لا يخجلون من استخدامها عند الضرورة. قطعت روسيا إمداداتها من الغاز عن عدد من الدول الأوروبية في الربيع والصيف. إن تقليص الغاز إلى أوروبا يعزز الأسعار ويوفر عائدات أعلى وهذا ما ينظر إليه الروس على أنه لعبة أذكى من قطعه بشكل كامل. لكن الخطوة الأخيرة مرجحة إلى درجة أن ألمانيا قد تقرر موقتاً التراجع عن قرارها بالتخلص التدريجي من الطاقة النووية.
يتأسف الكاتب لأن القوة والمصلحة الذاتية والنفوذ عوامل أهم من الأخلاقيات في العالم السياسي. وإذا كانت أوروبا محقة في لوم بوتين على خلق أزمة في الطاقة، ينبغي على أوروبا "أن تلعن نفسها" لإعطاء بوتين الذخيرة التي يحتاجها ليستل سيف الطاقة، وفقاً لتعبير الكاتب.
لطالما ساد افتراض في أوروبا بأنه يمكن الاعتماد على روسيا كمورد موثوق به حتى ولو كانت هنالك خلافات سياسية جوهرية في اماكن أخرى. تبين أن هذا الافتراض خاطئ بل الأسوأ من ذلك، لقد كان "ساذجاً بشكل طفولي" وأظهر سوء فهم كاملاً عن كيفية تصرف الدول في نظام عالمي تنافسي وفوضي.
في المدى المنظور، ستشعر الحكومات الأوروبية بضغط شديد بسبب قلة المعروض وأسعار غاز أعلى حيث ارتفعت بـ66% هذ الشهر. بالنسبة إلى المستهلكين الأوروبيين، قد يتحول ذلك إلى أهداف طوعية أو إلزامية بتقليص الغاز. في الحالات الأكثر تطرفاً، قد تضطر المصانع إلى خفض عدد عمالها وحجم عملياتها مما يؤدي إلى المزيد من المشاكل في سلاسل الإمداد.
لكن على المدى الطويل، يعتقد الكاتب أنّ مناورة بوتين ستسرّع حملة أوروبا لتنويع مورديها ولن تنظر إلى روسيا مجدداً كمصدر يمكن الوثوق به. قد تستطيع روسيا تصدير المزيد من الغاز إلى آسيا، لكن سيستغرق الأمر سنوات قبل بناء البنية التحتية الضرورية لاستبدال الأسواق الأوروبية المفقودة.