في تموز من العام 1992، قرعت تلميذة في الخامسة عشرة من عمرها جرس باب الفرع المحلّي لـ"جبهة الشباب" (Fronte della Gioventù)، الحركة الطالبيّة اليمينيّة المتطرّفة المنبثقة من الحركة الاجتماعية الإيطالية في روما. وقفت المراهقة ذات العينَين الواسعتين وسط مجموعة ذكور متطرّفين استقبلوا تقدّمها بطلب انتساب بدهشة. وبعد ثلاثين عاماً، تحوّلت جيورجيا ميلوني إلى زعيمة حركة ما بعد الفاشية، وأوّل امرأة تتولّى رئاسة الوزراء في إيطاليا، على رأس تحالف يمينيّ متطرّف.
ستكون المرّة الأولى منذ الحرب العالميّة الثانيّة، التي يستلم فيها المتطرّف اليميني الحكم في إيطاليا، بعد الحاكم الفاشي بنيتو موسوليني. ففي تشرين الأوّل من العام 1922، هدّد موسوليني بالانقلاب والسيطرة على روما وحكم بالقوّة والخوف، وبدأ عهد الديكتاتورية إلى جانب النازي هتلر.
وبعد مئة عام تُستعاد القوّة لدى الطرف اليميني حلماً بتحقيق مشروع "مصلحة الوطن". واليوم في تشرين الأوّل 2022 تتوّلى جيورجيا ميلوني واليمين المتطرّف الحكم، لكن هذه المرّة ليس بالقوّة بل بالطواعيّة. فمن هي ميلوني حاكمة إيطاليا الجديدة؟
"انتهت الحفلة وستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها الوطنيّة!"
نشأت ميلوني مع أم عزباء في إحدى مناطق روما المتواضعة، وكونها امرأة في وسط مجموعة رجال أمر حفّزها للمثابرة في النشاطات السياسيّة، فترشحت ذات مرّة لمنصب العمدة، وهي حامل، فقط لإثبات أنّها ليست عاجزة بعد أن قيلت هذه الفكرة عنها من مجموعة رجال. دخلت جورجيا ميلوني إلى الساحة السياسيّة في إيطاليا عام 2006 كعضو في مجلس النواب، وانطلقت مسيرتها السياسيّة عام 2008 حيث توّلت منصب وزارة الشباب في حكومة سيلفيو برلسكوني الرابعة.
وساهمت ميلوني في تأسيس حزب "إخوة إيطاليا" (Fratelli D’Italia) في عام 2012، وتتعلّق جذوره بالحركة الاجتماعية الإيطالية (MSI)، التي نشأت من رماد فاشية موسوليني، اذ أنّها تحتوي أجندتها على أفكار متطرّفة ضدّ المهاجرين، ومجتمع "الميم" وسياسات تنتقد الاتحاد الأوروبي، في حين صرّحت في مناسبة سابقة "نعم للعائلة الطبيعية، لا لجماعات مجتمع الميم!" كما دعت إلى فرض حصار بحري على ليبيا لوقف قوارب المهاجرين.
والجدير بالذكر، أنّ الحزب يحتفظ بشعار أحزاب اليمين المتطرف في فترة ما بعد الحرب: اللهب الثلاثي الألوان، الذي يُنظر إليه غالبًا على أنه النار المشتعلة على قبر موسوليني.
ويعتبر جيانلوكا باساريلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابينزا في روما أنّ جورجيا ميلوني "لا تريد إسقاط الرمز لأنّها الهوية التي لا تستطيع الهروب منها"، مضيفاً: "أنّ حزبها ليس فاشياً، الفاشية تعني الحصول على السلطة وتدمير النظام، هي لن تفعل ذلك لأنّها لا تستطيع، فهناك أجنحة في الحزب مرتبطة بالحركة الفاشية الجديدة."
واليوم، تمثّل ميلوني الحزب الرئيسيّ الوحيد الذي بقي خارج حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية بزعامة ماريو دراغي، وقد أوصل تحالفها اليميني مع سيلفيو برلسكوني وحزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني إلى تحقيق أغلبية برلمانية وبداية فوز حزب "إخوة إيطاليا" بنسبة 40 في المئة في الانتخابات.
وتساوي صلاحياتها الدستوريّة كرئيسة حكومة صلاحيات رئيس جمهوريّة فرنسا أي إيمانويل ماكرون، وستكون جميع القرارات في يدها.
تشارك ميلوني مع حلفائها اليمينيين، سيلفيو برلسكوني وماتيو سالفيني رؤية "متطرّفة" للبلد، في حين دعت ميلوني إلى فرض حصار بحري على المهاجرين، فضلاً عن نشر مخاوف بشأن "بدائل كبيرة" للإيطاليين الأصليين. المقترحات الاقتصاديّة للحزب تهدف إلى تخفيض الضرائب (الأسلوب المماثل لليز ترس رئيس وزراء بريطانيا الجديدة)، لدفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام، لكن يخشى الاقتصاديون أنها ستؤدّي إلى تضخيم ديون إيطاليا الهائلة، ويشغل الدين الحكومي نسبة 150 في المئة من الناتج المحلي الإجماليّ.
وفي السياق، يقول الصحافيّ في جريدة "نيويورك تايمز" إنّ افتقار السيدة ميلوني لخبرة سياسيّة "انبثق قلقاً لدى المعارضين"، بالإضافة إلى افتقار حزبها للخبرة التقنيّة لإدارة ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وبالتالي، وبحسب المعلومات، رئيس الحكومة السابق ماريو دراغي سيبقى إلى جانبها لضمان سير الخطط التي وضعت خلال عهده."