حاولت السلطات الصينية أمس، كبح حركة احتجاجية غاضبة اتخذت بعداً غير مسبوق لصينيين سئموا من القيود الصحية وطالبوا بمزيد من الحريات، حازت على تأييد دولي وخصوصاً من الأمم المتحدة.
ويشكل هذا الحراك نظراً إلى اتساعه الجغرافي، أهم تعبئة منذ التظاهرات المنادية بالديموقراطية عام 1989. ويمثل انفجار الاستياء الشعبي الذي استمر بالتعاظم في الأشهر الأخيرة في الصين، وهي من الدول القليلة في العالم التي تستمر بتطبيق سياسة "صفر كوفيد" الصارمة جداً مع عمليات إغلاق وحجر متكررة وفحوصات "بي سي آر" شبه يومية.
وفي الخارج، تلقت هذه التظاهرات إشارات دعم. وقال الناطق باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الاثنين جيريمي لورانس :"ندعو السلطات إلى الرد على الاحتجاجات وفقاً لقوانين ومعايير حقوق الإنسان الدولية".
وفي واشنطن، قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية :"نقول منذ وقت طويل إنّ الاحتجاج السلمي حقّ للجميع، هنا في الولايات المتحدة وحول العالم". وأضاف في بيان أنّ "ذلك يشمل الصين".
واستخدمت ألمانيا اللهجة نفسها، قال الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير في مقابلة مع "دويتشيه فيليه"، إنه "يمكننا أن نتخيّل مدى ثقل العبء على الناس في الصين، حيث الإجراءات الأكثر صرامة لا تزال قائمة منذ فترة أطول بكثير وتمّ تشديدها أكثر" معرباً عن أمله في أن "تحترم السلطات في الصين الحق في حرية التعبير والتظاهر".
والأحد، نزلت حشود من المتظاهرين لبوا دعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلى الشارع في بكين وشنغهاي ووهان خصوصا، مما باغت القوى الأمنية.
ومن الشعارات التي هتف بها المحتجون "لا لفحوصات كوفيد، نحن جياع" و"شي جينبينغ استقل! و"الحزب الشيوعي الصيني انسحب!" و "لا للحجر، نريد الحرية!".
وحفز حريق حصد أرواحاً في أورومتشي عاصمة مقاطعة شينجيانغ في شمال غرب البلاد، غضب الكثير من الصينيين وقد ألقى بعضهم باللائمة على القيود الصحية في عرقلة عمل فرق الإطفاء والاغاثة.
وتم تخفيف القيود في هذه المدينة البالغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة. وبات في إمكان الناس التنقل بواسطة باصات لشراء حاجياتهم اعتباراً من امس.
واتهمت وزارة الخارجية الصينية "قوى ذات دوافع مبيتة" بإقامة رابط بين هذا الحريق و "الاستجابة المحلية لكوفيد-19" على ما اكد الناطق باسم الوازرة تشاو ليجيان.
وأوضح هذا الأخير "نعتبر أن معركتنا ضد كوفيد-19 ستتكلل بالنجاح بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ودعم الشعب الصيني".
إلا أن الاحتجاجات ظهّرت أيضاً مطالبات بمزيد من الحريات السياسية، لا بل بمغادرة الرئيس شي جينيبينغ الذي أعيد اختياره لولاية ثالثة غير مسبوقة على رأس البلاد.
انتشار للشرطة
وشاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية انتشاراً للشرطة في بكين وشنغهاي صباح أمس قرب مواقع تجمعات الأحد.
وفي بكين، إستجوبت الشرطة متظاهرين عبر الهاتف بعد مشاركتهم بالتجمعات، وفق ما أفاد أحدهم.
وفي شنغهاي، نصبت كتل زرقاء على جانبي شارع شهد تظاهرات ليل الأحد منعاً لأي تجمع جديد. وفي الصباح أوقف ثلاثة أشخاص قرب شارع أورومتشي حيث جرت تظاهرة الأحد.
وإندلعت مواجهات الأحد بين القوى الأمنية ومتظاهرين. وبثت هيئة "بي بي سي" البريطانية إن احد مراسليها في الصين أوقف خلال تغطية التظاهرة في شنغهاي و"تعرض للضرب من جانب الشرطة".
ودان اتحاد البث الأوروبي للإذاعة والتلفزيون، أكبر تحالف وسائل إعلامية عامة في العالم، "بأشد العبارات أعمال الترهيب والاعتداءات غير المقبولة التي يقع ضحيتها الصحافيون وفرق إنتاج أعضاء اتحاد البث الأوروبي في الصين".
وفي بكين، حال انتشار الكثيف للشرطة دون خروج تظاهرة مقررة ظهر أمس. واصطفت سيارات الشرطة على امتداد الطريق المؤدي إلى جسر سيتونغ.
وقالت امرأة في العشرين من العمر كانت تمارس رياضة الجري في الحي "هذه التظاهرة أمر جيد" موضحة أنها تابعتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضافت الشابة طالبة عدم الكشف عن هويتها "وجهت التظاهرة رسالة إلى أن الناس سئموا من القيود المبالغ بها".
وفي هونغ كونغ التي هزتها احتجاجات مؤيدة للديموقراطية في عام 2019 ، تجمع العشرات في الجامعة الصينية أمس تضامناً مع المتظاهرين وتكريماً لضحايا الحريق في أورومتشي.
ورفع آخرون لافتات ولوحوا بالورود في وسط المدينة حيث مركزها المالي.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي الصينية حُذفت الاثنين كل معلومة تتعلق بالتظاهرات.
وعبر منصة "ويبو" المرادف الصيني لتويتر لا تفضي عمليات البحث مع استخدام عبارتي "نهر لينغما" و"شارع أورومتشي" إلى أي نتيجة مرتبطة بالتعبئة.
"نقطة غليان"
وتُعقد هيمنة السلطات الصينية على المعلومات المتوافرة والقيود الصحية الصارمة على السفر داخل البلاد، عملية التحقق من العدد الإجمالي للمتظاهرين خلال عطلة نهاية الأسبوع.
إلا أن تحركاً بهذا الاتساع الجغرافي نادر الحدوث في الصين، نظراً إلى قمع أي شكل من أشكال المعارضة للحكومة.
وسجلت تظاهرات أيضاً في كانتون وشينغدو فضلاً عن مدينة ووهان في وسط البلاد، حيث رصدت أول إصابة في العالم بكوفيد-19 قبل ثلاث سنوات تقريباً.
ونشرت صحيفة "الشعب" نصاً يحذر من أي "شلل" جراء سياسة "صفر كوفيد" من دون الدعوة إلى وقفها.
وأوضح ألفرد وو مولوان الخبير في السياسة الصينية في جامعة سنغافورة الوطنية "بلغ الناس الآن نقطة الغليان بسبب غياب توجه واضح للسبيل الذي ينبغي سلوكه بعد انتهاء سياسة صفر كوفيد". وأكد أن "الحزب (الشيوعي الحاكم) استخف بغضب السكان".
وأثارت التظاهرات قلق المستثمرين ففتحت البورصات الآسيوية على تراجع ملحوظ أمس.