في زيارة "تاريخية" بالتوقيت والمواقف، حضر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل على وَقع غضب فلسطيني وعربي بعد ليلة دامية في المستشفى الأهلي المعمداني.
لم يتردّد بايدن عن إعلام دعمه الكامل لإسرائيل، متبنّياً روايتها لجهة أنّ "صاروخاً حادَ عن مساره" أطلقته "جماعة إرهابية" أصاب المستشفى في قطاع غزة بالأمس، ما أوقع أكثر من 500 شهيد ومئات الجرخى.
من جهة أخرى، أعلن بايدن وإسرائيل بعد محادثات مع مسؤولين إسرائيليين في تل أبيب، أن الدولة العبرية ستسمح بدخول مساعدات إلى قطاع غزة من مصر. وأكدت إسرائيل أنها تفعل ذلك بطلب من الرئيس الأميركي.
لكن حتى ساعات المساء، كان معبر رفح، المنفذ الوحيد غير الخاضع لسيطرة إسرائيل الى الخارج من القطاع، لا يزال مقفلا، وفق صحافيين لوكالة فرانس برس في المكان.
وقال بايدن لصحافيين في ختام زيارة تضامن قصيرة مع إسرائيل بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس في السابع من تشرين الأول، "بناء على المعلومات التي اطلعنا عليها حتى الآن، يبدو أن ذلك حدث نتيجة صاروخ حاد عن مساره أطلقته جماعة إرهابية".
تقاذف اتهامات
وردّت حماس باتهام الولايات المتحدة بأنها "شريك في المجازر الإسرائيلية" في قطاع غزة.
وكان الجيش الإسرائيلي أكد أن لديه "أدلة" على مسؤولية حركة الجهاد الإسلامي في قصف صاروخي طال المستشفى.
ووصفت حركة الجهاد الإسلامي اتهامات إسرائيل بالـ"أكاذيب".
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية الأربعاء ارتفاع حصيلة قتلى قصف المستشفى الأهلي العربي في قطاع غزة إلى 471، مجددة اتهام إسرائيل بـ"المجزرة".
ويأتي ذلك في اليوم الثاني عشر من الحرب التي بدأت إثر هجوم غير مسبوق لحركة حماس على الدولة العبرية قتل فيه، وفق آخر حصيلة للجيش الإسرائيلي أكثر من 1400 شخص، غالبيتهم مدنيون. وتحتجز حركة حماس 199 شخصا.
وتردّ إسرائيل بقصف مركز وعنيف على قطاع غزة أوقع حتى الآن 3478 قتيلا في قطاع غزة، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس. وتشمل الحصيلة على الأرجح القتلى الذين سقطوا في المستشفى.
وفي سياق الحرب، نقل إعلام إسرائيلي أنباء مفادها انتهاء تحضيرات الجيش الإسرائيلي للعملية البرية.
ومع تأكيد دعمه الكامل لإسرائيل، حذّر الرئيس الأميركي حلفاءه من الانسياق إلى "الغضب". وقال "أحذر من هذا في حين يعتمل فيكم كل هذا الغضب، لا تدعوه يسيطر عليكم. كنا غاضبين بعد أحداث 11أيلول في الولايات المتحدة لكن في حين كنا نسعى لتحصيل الحق وحصلنا عليه، ارتكبنا أخطاء أيضا".
وتقول السلطات الإسرائيلية إن عناصر حماس الذين تمكنوا من اختراق الأراضي الإسرائيلية قتلوا وروعوا واستهدفوا مدنيين وأطفالا.
وأكد الرئيس الأميركي أنه سيطلب هذا الأسبوع من الكونغرس الموافقة على حزمة مساعدات "غير مسبوقة" لإسرائيل.
وأفاد مصدر مطلع على الملف وكالة فرانس برس أن بايدن سيقترح حزمة مساعدات بقيمة 100 مليار دولار تستفيد منها إسرائيل وأوكرانيا وتايوان.
وشن بايدن حملة عنيفة على حماس، معتبرا أنها لم تجلب إلا المزيد من المعاناة للفلسطينيين.
إلا أنه استعاد الموقف الأميركي المزمن بالنسبة الى "حل الدولتين". وقال "مهما بلغت صعوبته، علينا أن نستمر في مواصلة السعي نحو إحلال السلام، علينا أن نواصل السعي نحو مسار يمكِّن كلًا من إسرائيل والشعب الفلسطيني من العيش بأمان وكرامة وسلام". وأضاف "بالنسبة لي، هذا يعني حل الدولتين".
وبعيد إقلاع طائرة بايدن عائدا الى الولايات المتحدة، دوت صفارات إنذار من سقوط صواريخ في وسط إسرائيل شرق تل أبيب. وأوضحت الشرطة أنها كانت ناتجة عن قصف في شمال البلاد عبر الحدود مع لبنان، تسبب بأضرار مادية.
تظاهرات
وخرجت تظاهرات الأربعاء في عدد من الدول العربية والإسلامية منددة بقصف المستشفى وبإسرائيل. ولعلّ التظاهرة التي جرت أمام السفارة الإسرائيلية في عمان كانت من أكبرها، وقد طالب المتظاهرون بإغلاق السفارتين الإسرائيلية والأميركية. وحصلت مواجهات بينهم وبين القوى الأمنية.
في تونس، تظاهر الآلاف أمام السفارة الفرنسية في العاصمة، ورددوا "ماكرون قاتل" و"فرنسا ارحلي"، احتجاجا على الموقف الفرنسي الداعم لإسرائيل.
وأجمعت الدول العربية على تحميل إسرائيل مسؤولية قصف المستشفى، منددة بـ"مجزرة".
ووصفت السعودية التي علّقت محادثاتها بشأن تطبيع محتمل مع إسرائيل بعد اندلاع الحرب، الهجوم بأنه "جريمة شنيعة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية".
ودعت منظمة التعاون الاسلامي إثر اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية في مدينة جدة الى "الوقف الفوري للعدوان الهمجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والرفع الفوري للحصار المفروض على القطاع".
وفي نيويورك، رفض مجلس الأمن الدولي مشروع قرار قدمته البرازيل يدين الحرب بين إسرائيل وحماس، وخصوصا "الهجمات الإرهابية الشنيعة" التي نفذتها الحركة الفلسطينية، بعد فيتو من الولايات المتحدة لعدم ذكره "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
ومن بين الدول الـ15 الأعضاء صوتت 12 دولة لصالح النص وامتنعت اثنتان عن التصويت إحداهما روسيا، لكن الولايات المتحدة، إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية، صوتت ضده وأسقطته.
ودان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يفترض أن يتوجه الخميس إلى مصر قصف المستشفى. وقال في بكين الأربعاء أن هجمات حماس "لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعي للفلسطينيين".
"أشلاء"
في ساحة المستشفى الأهلي العربي في وسط مدينة غزة، كان عدد من الأشخاص اليوم يعملون على جمع أشلاء لا تزال متناثرة بعد الكارثة.
وقال أحمد طافش الذي كان في المكان "هذه مجزرة. لم أر مثلها في حياتي. كل الساحة شهداء وأشلاء".
وبسبب القصف وإنذار إسرائيلي منذ الجمعة طلب من سكان القطاع المحاصر إخلاء مدينة غزة والتوجه جنوبا، تمهيدا لعملية برية إسرائيلية على الأرجح، لجأ آلاف الفلسطينيين الى المستشفيات في كل أنحاء القطاع ومدارس الأونروا أملا منهم أنها ستبقى في منأى عن القصف. وبالتالي، فإن بين قتلى المستشفى العديد من النازحين اللذين افترشوا اروقة المستشفى وحدائقه.
ومنذ بدء الحرب، نزح، بحسب الأمم المتحدة، مليون شخص من بيوتهم في قطاع غزة.
ويحتاج سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة إلى الماء والغذاء. وهم محرومون من الكهرباء والوقود أيضا مع الحصار الذي فرضته إسرائيل في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر على القطاع الصغير المحاصر برا وبحرا وجوا أساسا منذ وصول حماس إلى السلطة في 2007.
في جنوب غزة حيث لجأ عشرات الآلاف من السكان بعد نداء الجيش الإسرائيلي لإخلاء الشمال، ما زال معبر رفح الحدودي مع مصر والذي يشكل المنفذ الوحيد غير الخاضع لسيطر إسرائيل الى خارج غزة، مغلقا.
وأعلنت إسرائيل وواشنطن الأربعاء أن الدولة العبرية ستسمح، بناء على طلب الرئيس الأميركي، بوصول المساعدات الإنسانية من مصر الى قطاع غزة. وأشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى أنه سيتم توفير "الغذاء والماء والدواء" للسكان المدنيين فقط، ولا ينبغي السماح بوصول الإمدادات إلى حماس.
وشاهد مصور لفرانس برس صفوفا من سكان القطاع ينتظرون لملء خزانات الوقود في سياراتهم ودراجاتهم النارية في مدينة خان يونس، مع تراجع الكميات المتوافرة بشكل حاد.
وقال فريد عباس الذي أكد أنه ينتظر منذ أكثر من "أربع ساعات" للحصول على الوقود "أين الأمة الإسلامية؟ أين الدول العربية؟... ماذا نفعل؟ لا نعرف. أين نذهب؟ لا نعرف".
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأربعاء إن مصر لم تغلق معبر رفح الحدودي منذ بداية الحرب، بل "التطورات على الأرض والقصف الاسرائيلي" تسببا بذلك.
وحذر السيسي من جهة أخرى من أن "نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني (..) نقل فكرة المقاومة والقطاع من غزة إلى سيناء"، مشيرا إلى أن شبه الجزيرة المصرية "ستصبح بالتالي قاعدة لانطلاق عمليات ضد اسرائيل التي من حقها الدفاع عن نفسها".
وطالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف هذه الحرب "لأننا أمام تصعيد عسكري خطر يمكن أن يخرج عن السيطرة".
وبينما نشر الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف من جنوده في أنحاء الأراضي الفلسطينية وعلى طول الحدود مع لبنان، تم أيضًا إجلاء نحو 500 ألف مدني إسرائيلي لإبعادهم عن مناطق القتال، بحسب الجيش.
والتوتر كبير عند الحدود مع لبنان أيضا حيث يسجل تبادل يومي لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله.
في الضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل منذ 1967، قُتل 61 فلسطينيًا على الأقل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حسب السلطات المحلية.