تشهد فنزويلا منذ بضعة أيام تحوّلات مع رفع جزئي للعقوبات الأميركية وإطلاق سراح معتقلين واتفاق بين المعارضة والسلطة والإفراج عن ثلاثة مليارات دولار، في ظل أزمة سياسية واقتصادية حادة.
ويواجه البلد الذي تقلص إجمالي ناتجه المحلي بنسبة 80% خلال عشر سنوات، أوضاعا في غاية الصعوبة منذ إعادة انتخاب الرئيس نيكولاس مادورو في عملية اقتراع موضع جدل عام 2018، ما أدى إلى تشديد العقوبات الأميركية على فنزويلا.
وبعدما كانت المفاوضات بين السلطة والمعارضة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024 متعثرة منذ تشرين الثاني 2022، اثار الاتفاق المفاجئ الذي توصل إليه الطرفان الثلثاء في بربادوس سلسلة من ردود الفعل.
في ما يلي عناصر رئيسية تلقي الضوء على الوضع الجديد.
- النفط
في تحول ملفت، أعلنت واشنطن معاودة السماح بشراء الخام الفنزويلي وكذلك الغاز والذهب لستة أشهر، مع إمكانية تمديد هذا الإذن في حال اعتبر الوضع السياسي مرضيا.
وسيعطي هذا القرار دفعا لكراكاس إذ سيمكنها من الحصول على بترودولارات "من دون المرور عبر السوق السوداء" على ما أفاد فرانسيسكو مونالدي خبير النفط في معهد بيكر، موضحا أن "هذا قد يفضي إلى زيادة كبيرة في عائدات الحكومة".
لكنه أشار إلى أن فنزويلا لا تملك القدرات التقنية لزيادة إنتاجها بشكل كبير بالرغم من حجم احتياطاتها.
وقال الخبير الاقتصادي المتخصص في النفط فرانسيسكو رودريغيز "هذا ليس أمرا سهلا" مشيرا إلى أن دائني فنزويلا قد يسعون لوضع يدهم على الصادرات.
وقال لويس أنغاريتا خبير القانون الدولي "حتى لو لم يكن هناك أي شيء نهائيا" فإن رفع الحظر الموقت "هو خطوة في غاية الأهمية، إنه يعكس تقدما يجعل من المكلف جدا العودة إلى الخلف".
- انتخابات تمهيدية
تنظم المعارضة المنقسمة منذ سنوات الأحد انتخابات تمهيدية لتعيين مرشحها للانتخابات المقبلة في مواجهة مادورو الذي خلف هوغو تشافيز عام 2013 ويطمح لولاية جديدة.
وبحسب اتفاق بربادوس، لن تتدخل الحكومة في الانتخابات التمهيدية التي تُنظّم بقدر من الارتجال بعد أشهر من المماطلة والتردد داخل المعارضة ومن العراقيل التي اتُّهمت الحكومة بإثارتها.
وما يطرح مشكلة حقيقية أن معظم المرشحين ومن بينهم ماريا كورينا ماتشادو (56 عاما)، المعارضة الراديكالية التي تتصدر استطلاعات الرأي، اعتبروا غير مؤهلين لخوض الانتخابات.
وهذه من النقاط الخلافية الرئيسية بين السلطة والمعارضة، وحذرت الخارجية الأميركية بأنها قد تحول دون رفع العقوبات بصورة كاملة.
- المعتقلون
أفرجت كراكاس الأربعاء عن خمسة معتقلين سياسيين بعد ساعات قليلة على إعلان تخفيف العقوبات، من بينهم النائب السابق خوان ريكويسينس والصحافي رولاند كارينيو المحتجزان منذ 2018 و2020.
وبدا ذلك بمثابة مبادرة حسن نية في بلد متهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. ونددت منظمة العفو الدولية في نهاية آب/أغسطس بـ"اعتقالات اعتباطية لدوافع سياسية" معتبرة حوالى 300 موقوف بمثابة معتقلين سياسيين.
- الإفراج عن أموال محجوزة
في أعقاب الاتفاق، أعلنت الأمم المتحدة الخميس إنشاء صندوق بقيمة 3 مليارات دولار من حسابات فنزويلية محجوزة في الخارج، على أن يخصص لنفقات اجتماعية في فنزويلا. وكان هذا الصندوق يشكل نقطة خلافية بين الطرفين، إذ اشترطت حكومة مادورو "إعادة" هذا المبلغ إليها حتى تعود إلى طاولة المفاوضات، فيما كانت المعارضة تشدد على أن تتولى الأمم المتحدة الإشراف على إدارة هذه الأموال.
- سياسة واقعية أميركية
بعدما كان مادورو يتهم واشنطن بكل ما تعاني منه بلاده، أعلن الأربعاء "دعونا نطوي الصفحة ونعيد بناء علاقة احترام وتعاون".
غير أن مسؤول أميركا اللاتينية في وزارة الخارجية الأميركية براين نيكولز أعلن الخميس "لسنا على استعداد لتغيير في العلاقات الديبلوماسية" مع كراكاس.
ويرى محللون أن القرار الأميركي يندرج في سياق الضغط على مصادر النفط الخام في ظل التوتر في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا. وقال مصدر ديبلوماسي أن واشنطن تبدي قدرا من "السياسة الواقعية" حيال كراكاس.
ومضى فرانسيسكو رودريغيز إلى حد الإشارة إلى أن اتفاق بربادوس " لا يختلف كثيرا عن الاتفاقات التي طرحتها أو وقعتها حكومة مادورو في السنوات الأخيرة".
ولفت أنغاريتا إلى أن واشنطن بحاجة على المدى البعيد إلى تنويع مصادرها للنفط، وفنزويلا تملك احتياطات من الأكبر في العالم وهي قريبة جدا جغرافيا من الولايات المتحدة.
وإن كانت سنوات الحظر بدلت الوضع قليلا، فإن الاقتصاد الفنزويلي يتوجّه تاريخيا إلى العملاق الأميركي، ولا يزال هذا البلد يتطلع اقتصاديا لانتعاش العلاقات مع الولايات المتحدة.