لا يزال الدعم التقليدي للقضية الفلسطينية في دول أميركا اللاتينية قويًا بشكل عام خصوصًا مع انخراط البرازيل في محاولة التوصل إلى حلّ سلمي للحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، رغم التباينات في المواقف السياسية بين اليمين واليسار.
في السابع من تشرين الأول تسلل مئات من عناصر حركة حماس إلى إسرائيل من قطاع غزة في هجوم غير مسبوق بعنفه ونطاقه منذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، ردت عليه الدولة العبرية بحملة قصف مركز على قطاع غزة وحشد قوات تحضيرًا لهجوم بري.
وقتل أكثر من 1400 شخص في الجانب الإسرائيلي معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول لهجوم الحركة، وفق السلطات الإسرائيلية، فيما احتجز عناصر حماس بحسب الجيش الإسرائيلي 224 شخصًا رهائن بينهم أجانب، وأطلقوا سراح أربع نساء منهم إلى الآن.
وفي قطاع غزة، قُتل أكثر من سبعة آلاف شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم أكثر من 3000 طفل جراء القصف الإسرائيلي، بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
ومن بين القتلى ما لا يقلّ عن تسعة أرجنتينيين وثلاثة برازيليين وثلاثة بيروفيين وكولومبي واحد، فيما يزيد عدد المفقودين المتحدرين من أميركا اللاتينية عن 30 بينهم 21 أرجنتينيًا.
- "العمل من أجل المفاوضات" -
البرازيل، التي وجدت لنفسها مكانة مهمة على الساحة الدولية مع عودة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى السلطة، هي الدولة الأنشط في أميركا اللاتينية في عملية البحث عن حلّ سلمي للحرب بين إسرائيل وحماس.
تتولى البرازيل حاليًا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وضاعف لولا اتصالاته الديبلوماسية واعتمد موقفًا ينتقد حماس كما إسرائيل.
وقال الرئيس البرازيلي اليساري هذا الأسبوع "أن ترتكب حماس عملًا إرهابياً ضد إسرائيل لا يعني أن على إسرائيل أن تقتل ملايين الأبرياء".
وأضاف "دوري هو العمل من أجل أن تكون المفاوضات ممكنة" بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وفشلت محاولات لولا في تمرير قرار في مجلس الأمن بشأن النزاع.
لكنه قال أيضًا "سئمت من إجراء المكالمات الهاتفية، لكنني سأواصل فعل ذلك لأنه ضروري".
ويعتبر منسق قسم دراسات أميركا اللاتينية في جامعة برازيليا روبرتو غولار مينيزيس أن البرازيل تضع نفسها في موقع "الحكم".
ويقول إن "هذا الموقف الذي يتمثل في إدانة هجمات حماس دون دعم الإجراءات غير المتناسبة التي تتخذها إسرائيل" هو الموقف السائد في أميركا اللاتينية.
- تباين -
يتخذ كذلك الرئيس التشيلي غابريال بوريك ونظيره المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، موقفًا مماثلًا للموقف البرازيلي.
وقال الرئيس المكسيكي "لا نريد أن ننحاز إلى أي طرف لأننا نريد أن نكون عاملًا في البحث عن حل سلمي".
ونددت تشيلي، التي يقيم فيها أكبر عدد من الفلسطينيين خارج العالم العربي (500 ألف تقريبًا)، بالهجوم الذي شنته عملية حماس بينما دعت إلى استئناف المفاوضات من أجل حل الدولتين.
وترى الأستاذة في العلاقات الدولية والمستشارة في "معهد البرازيل-إسرائيل" Instituto Brasil Israel كارينا كالاندرين إن الموقف هذا الذي تتخذه بعض دول أميركا اللاتينية "تاريخي".
وتؤكد أن المنطقة "لطالما كانت تؤيد حق تقرير مصير الشعوب، بما في ذلك الشعب الفلسطيني وأهمية إقامة دولة".
وتعترف معظم دول أميركا اللاتينية بالأراضي الفلسطينية كدولة أو لديها مكاتب ديبلوماسية في رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
من جهته، نشر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو على شبكات التواصل الاجتماعي رسائل حول النزاع، واعتبرت إسرائيل بعضًا منها "معادية للسامية".
ويُذكّر موقفه بالدور الذي لعبه الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز (1999-2013) في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
ويقول مدير مرصد الأمن العالمي "ستراتيخوس" في جامعة أنديس في بوغوتا بيكتور ميخاريس لوكالة فرانس برس "يحاول بيترو إظهار أوراق اعتماده الأيديولوجية التي تعتبر فيها القضية الفلسطينية مهمة جدًا بالنسبة لليسار الدولي" و"التموضع كقائد سيسدّ الفجوة في قيادة اليسار الراديكالي في المنطقة".
ويضيف أن الحكومة الفنزويلية برئاسة نيكولاس مادورو الذي اتّهم إسرائيل بارتكاب "إبادة بحق الشعب الفلسطيني" وحكومة نيكاراغوا برئاسة دانيال أورتيغا وحكومة كوبا "هي حكومات فقدت مصداقيتها وأصبحت معزولة إلى حدّ ما".
وتشير كالاندرين إلى أن باراغواي والأوروغواي والإكوادور - وهي كلها دول يديرها اليمين - هي من بين الدول التي أعربت عن تضامن أكبر مع إسرائيل.
وفي الأرجنتين التي يرأسها ألبرتو فرنانديز (وسط يسار) والتي تضمّ أكبر عدد من اليهود في أميركا اللاتينية ويبلغ عددهم نحو 250 ألف شخص، عُرضت صور لبعض الرهائن الـ224 الذين احتجزتهم حماس في غزة للمطالبة بالإفراج عنهم.
أمّا رئيس السلفادور نجيب بوكيلة ذي الأصول الفلسطينية، فقد انتقد حماس بشدّة على منصة "إكس" قائلًا "أفضل ما يمكن أن يحدث للشعب الفلسطيني هو أن تختفي حماس تمامًا"، مضيفًا "هذه الحيوانات البرية لا تمثّل الفلسطينيين".