فاقم توقيف المحامية الإيرانية المدافعة عن حقوق الإنسان نسرين ستوده موجة الغضب في أوساط مجموعات حقوقية أثارتها وفاة مراهقة بعد تعرّضها، بحسب ناشطين، إلى الضرب من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية.
تم توقيف ستوده (60 عاما) في طهران الأحد أثناء جنازة أرميتا كرواند (17 عاما) التي أعلن الإعلام الرسمي الإيراني وفاتها نهاية الأسبوع بعدما بقيت مدى شهر في غيبوبة.
تعرّضت كرواند إلى إصابات بالغة في حادث وقع على متن مترو طهران في الأول من تشرين الأول وصفه ناشطون بأنه مشاحنة دارت بينها وبين شرطيات قمن بتوقيفها لعدم وضعها الحجاب الإلزامي في الجمهورية الإسلامية.
نفى مسؤولون إيرانيون الأمر بشدّة مصرّين على أنها سقطت أرضا وأصيبت بالتالي نتيجة انخفاض في ضغط الدم.
تذكّر الحادثة إلى حد كبير بقضية مهسا أميني التي توفيت في أيلول/سبتمبر 2022 إثر دخولها في غيبوبة بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها قواعد اللباس المفروضة، فيما تسعى السلطات لمنع أي تكرار للاحتجاجات الواسعة التي أعقبت وفاتها.
قضت ستوده جل العقد الماضي في السجن في ظل مجموعة من الأحكام التي صدرت بحقها في قضايا مرتبطة بنشاطها. وبعد توقيفها أخيرا، تم نقلها إلى سجن "قرتشك" للنساء خارج طهران، وفق ما أفاد زوجها رضا خندان على فيسبوك.
ولطالما نددت مجموعات حقوقية بالظروف في سجن "قرتشك". وأفاد خندان بأن زوجته بدأت إضرابا عن الطعام رافضة تناول حتى الدواء منذ توقيفها.
وأضاف أنه تم أيضا خلال الجنازة توقيف ناشطة أخرى تدعى مانزار زرابي التي خسرت أربعة من أقاربها عندما أسقطت إيران الطائرة الأوكرانية عام 2020 وطالبت مذاك بتحقيق العدالة. لكن أطلق سراحها لاحقا بسبب وضعها الصحي.
وقال خندان لفرانس برس إن ستوده مثلت أمام النيابة العامة الاثنين وأُبلغت بأنها تواجه اتهامات بـ"التآمر على الأمن القومي".
وتابع أن "السلطات القضائية أبلغتها بأن محاكمتها ستتم في غضون أسبوعين ولن يُطلق سراحها قبل ذلك الموعد".
- "غضب" -
جاءت الجنازة في فترة توتر، إذ تتهم مجموعات حقوقية السلطات بالتسبب بوفاة كرواند التي كانت تخضع للعلاج في مستشفى عسكري في طهران في ظل إجراءات أمنية مشددة.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أغنيس كالامار "أشعر بالغضب وبقدر كبير من الظلم نظرا إلى أنه تم إنهاء حياة شابة أخرى باكرا وبقسوة.. على خلفية قوانين إيران التعسفية والمُهينة التي تفرض الحجاب".
وأضافت بأن ستوده "اعتقلت بشكل تعسفي" خلال الجنازة ودعت إلى إطلاق سراحها وآخرين تم توقيفهم خلال الحدث، علما بأن ناشطين أفادوا عن توقيف العشرات.
وأفاد زوج ستوده بأنها تعرّضت للضرب أثناء توقيفها وكُسرت نظارتها.
وقال مدير مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره نيويورك هادي قائمي إن "ضرب وتوقيف المدنيين العزّل لتعبيرهم بسلمية عن حزنهم على وفاة شابة أخرى كانت محتجزة لدى الدولة هو استمرار للفظائع التي ترتكبها الحكومة الإيرانية بشكل متواصل بحق الشعب الإيراني".
أشارت الخارجية الفرنسية بدورها إلى أن "الظروف المقلقة" لوفاتها تستدعي فتح تحقيق بشأنها وأعربت عن "قلقها البالغ" حيال توقيف ستوده.
دعت الخارجية الأميركية أيضا إلى الإفراج عن ستوده دون شروط "وغيرها ممن اعتقلهم النظام دون وجه حق".
أعلنت وسائل إعلام تابعة للدولة داخل إيران أول مرة عن وفاة كرواند بعدما بقيت في غيبوبة مدة شهر واتّهم ناشطون السلطات الإيرانية بالضغط على عائلتها لالتزام الصمت.
أفادت عائلة مهسا أميني بأنها توفيت جراء ضربة على الرأس تعرّضت لها وهي في الحبس، وهي تهمة نفتها بشدّة السلطات الإيرانية التي شددت على أن المرأة البالغة 22 عاما كردية الأصل كانت تعاني من مشاكل صحية.
- "البطلات الأشجع" -
بدورها، وصفت الناشطة الإيرانية نرجس محمدي التي مُنحت جائزة نوبل للسلام هذا العام لكنها ما زالت مسجونة في إيران في رسالة سرّبتها من السجن وفاة كرواند بأنها "عملية قتل".
وقالت في الرسالة التي نشرت على حسابها في "إنستغرام" الذي تديره عائلتها إن "أرميتا كرواند، المليئة بالشغف للحياة، دفعت باتّجاه الموت بسبب شعرها الجميل الذي لم تكن ترغب بتغطيته بـ+الحجاب الإلزامي+".
دافعت ستوده على مدى سنوات عن بعض القضايا الأكثر حساسية في الجمهورية الإسلامية، إذ عملت على منع إعدام شباب أدينوا بجرائم ارتكبوها عندما كانوا قصّر. ونالت جوائز بينها سخاروف عام 2012 التي يمنحها البرلمان الأوروبي وجائزة رايت ليفيلهوود عام 2020.
ستوده أم لطفلين واشتهرت أيضا بفضل ظهورها اللافت كإحدى الركاب في فيلم "تاكسي طهران" للمخرج جعفر بناهي عام 2015، بينما كانت موضوع وثائقي عام 2020 حمل اسمها "نسرين".
وقالت الرئيسة التنفيذية لمنظمة "بين أميركا" PEN America سوزان نوسل إن "نسرين من بين البطلات الأبرز والأشجع في الكفاح من أجل حقوق الإنسان في إيران"، مشيرة إلى أنها تحمّلت عقدا من الاضطهاد "من دون أن يطرف لها جفن".