توصف انتخابات الرئاسة الأميركية على أنها مضمار حواجز يمتد على 50 ولاية، لكن العقبات في طريق دونالد ترامب العام القادم تبدو صعبة على وجه الخصوص إذ تتقاطع مواعيد جلسات محاكمته مع التزامات انتخابية ضمن جدول أعماله للعام 2024.
وفي إطار سعيه للدفاع عن نفسه أمام الرأي العام، سينتقل ترامب الأوفر حظا للفوز بتسمية الحزب الجمهوري من التجمعات الانتخابية إلى جلسات الاستماع في المحاكم حيث يواجه 91 تهمة جنائية مرفوعة في عدة اختصاصات قضائية.
وُجّهت اتهامات لقطب العقارات المقيم في فلوريدا أربع مرّات عام 2023 وتشمل دفع أموال لإسكات نجمة أفلام إباحية وسوء التعامل مع أسرار متعلّقة بالأمن القومي ومحاولة سرقة انتخابات 2020 مرّتين.
وهذه ليست إلا القضايا الجنائية. يواجه ترامب (77 عاما) محاكمة في نيويورك تتعلّق بالاحتيال المدني فيما ما زالت الدعوى جارية في قضة كاتبة اتُّهم بالاعتداء عليها جنسيا.
وقبل عام على موعد الانتخابات، تبدو الحملة بالفعل "مثيرة للانقسامات ومخيفة وتهدد الديموقراطية"، بحسب الخبير السياسي لاري ساباتو، في وقت يندد ترامب علنا بالنظام القضائي.
يحشد ترامب يوميا قاعدته الموالية له ضد ما يسميها "مطاردة شعواء" في رسائل عبر البريد الإلكتروني، جامعا تبرّعات فيما يتّهم المدعين والقضاة بارتكاب انتهاكات.
تتحدّث التبرّعات عن نفسها إذ جمع أربعة ملايين دولار في غضون 24 ساعة من توجيه أول اتهام له وسبعة ملايين دولار مباشرة بعد الثاني وثلاثة ملايين دولار خلال أسبوع من نشر صورته الجنائية عقب توقيفه لفترة وجيزة وإطلاق سراحه لاحقا بكفالة في جورجيا.
- عام مجنون -
يصف ترامب نفسه بأنه ملياردير لكن المكاسب التي يحققها ما زالت كبيرة، نظرا للمبالغ الهائلة التي ينفقها المرشحون من أجل الوصول إلى السلطة في الولايات المتحدة.
ويرجّح بأن يزداد الإنفاق بشكل كبير اعتبارا من كانون الثاني/يناير، فيما يستعد ترامب لعام لا شبيه له بالنسبة لأي مرشّح في التاريخ.
ينطلق المهرجان في منتصف كانون الثاني، من خلال دعوى التشهير التي رفعتها ضده الكاتبة في نيويورك إي. جين كارول التي دانته هيئة محلفين مدنية بالاعتداء الجنسي عليها.
في الأسبوع نفسه، تنظّم ولاية آيوا أول انتخابات تمهيدية للحزب الجمهوري والتي ستشكّل أول اختبار لترامب في مسعاه للعودة إلى البيت الأبيض. يتنافس معه ثمانية جمهوريين للفوز بتشريح الحزب لانتخابات 2024 الرئاسية.
سينخفض هذا العدد على الأرجح بحلول العام الجديد. فعلى سبيل المثال، انسحب نائب ترامب عندما كان رئيسا مايك بنس أواخر تشرين الأول/أكتوبر.
وبجميع الأحوال، لا داعي للقلق بالنسبة لترامب إذ أن أقرب منافس له -- حاكم فلوريدا رون ديسانتيس -- متخلّف عنه بـ45 نقطة في الاستطلاعات.
وبعد ستة أسابيع على انتخابات آيوا، سيُحاكم ترامب في واشنطن بتهم التآمر لسرقة انتخابات 2020، عشية "الثلثاء الكبير" وهو اليوم الذي يدلي فيه الناخبون الجمهوريون في عدد كبير من الولايات بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب.
وأما المحاكمة في قضية دفع الأموال لإسكات ممثلة الأفلام الإباحية في نيويورك فمن المقرر أن تجري آذار، بينما ستجري المحاكمة المرتبطة بقضية الوثائق السريّة في فلوريدا في أيار.
- "أداء عمله" -
يرجّح أن تتأجّل المحاكمتان لفترات طويلة لكن ما زال من المرجّح بأن يقضي ترامب معظم وقته عام 2024 وهو يحاول التنقل بين التجمعات الانتخابية وفعاليات جمع الأموال من جهة والمحاكم من جهة أخرى.
ونظرا لمهارته في الاستعراض، سيسعى نجم تلفزيون الواقع بلا شك للاستفادة من هذا الوضع بأقصى قدر ممكن.
وقالت المحللة السياسية ويندي شيلر لفرانس برس "لطالما استفاد ترامب من طائرته الخاصة، ولن يختلف الأمر هذه المرة".
وأضافت "سيسافر من مكان لآخر على متنها مع بروز اسمه بشكل واضح عليها. ستتركز جميع الأنظار عليه".
يأمل ترامب بأن تتم تسميته مرشحا رسميا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في تموز/يوليو. وستتم تسمية الرئيس جو بايدن كمنافسه بعد شهر، ما لم يطرأ تغيّر كبير.
وسيسعى الرئيس الحالي لتصوير إدارته على أنها رصينة ومهنية، على عكس الفوضى التي لطالما وصف بها حكم معارضه.
لكن بايدن (80 عاما) بدا متحفظا حيال استغلال المشاكل القانونية التي يواجهها ترامب، خوفا من أن يبدو وكأنه بتدخل في القضاء.
وقالت شيلر إن "بايدن سيستخدم على الأرجح المكتب البيضاوي في حملته الانتخابية نظرا إلى أنه يذكّر الناخبين بأنه المسؤول عن الحكومة الفدرالية وبأنه يقضي وقته في أداء عمله وليس في قاعة المحكمة".
وبغض النظر عن المسار الذي ستمضي فيه الانتخابات، هناك أمر واحد مؤكد وهو أن حملة 2024 ستكون تاريخية إذ يتواجه فيها متّهم بمجموعة من القضايا من جهة، ورئيس ثمانيني من جهة أخرى.