ترعى تحرير عزام الممرضة في مستشفى المقاصد بالقدس الشرقية الشباب الفلسطينيين المصابين بأمراض خطيرة منذ 16 عاماً.
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" الشهر الماضي تجد تحرير صعوبة في العثور على المرضى.
وتقول منظّمة الصحة العالمية إنّ نحو مئة مريض من غزة عادة ما يتلقون الرعاية يوميّاً لتلبية احتياجات صحية معقّدة مثل العلاج من أمراض السّرطان النادرة وجراحات القلب المفتوح في مستشفيات مثل ذلك الذي تعمل به تحرير وفي الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل ودول أخرى أيضاً.
توقف ذلك بعد السابع من تشرين الأول عندما اخترق مقاتلو "حماس" السياج الحدودي لغزة وقتلوا نحو 1400 شخص داخل إسرائيل واحتجزوا نحو 240 رهينة. وردّت إسرائيل بفرض حصار كامل على القطاع وقصفه واجتياحه بريّاً. ويقول مسؤولو الصحّة في غزّة إنّ أكثر من عشرة آلاف فلسطيني، من بينهم أكثر من أربعة آلاف طفل، قُتلوا.
وتُحاول تحرير وزملاؤها الوصول إلى مرضاهم منذ ذلك الحين بطرق من بينها البحث على "فايسبوك" لمعرفة ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة.
وقالت لـ"رويترز" في مقابلة "رأينا منشوراً يعلن أنّ أحد مرضانا من الأطفال قتل في الضربات. كان في القسم قبل أسبوع واحد فقط وعمره ست سنوات. لا أستطيع أن أنسى صورته".
وتطالب منظّمة الصحّة العالمية بالسماح للفئات الأكثر ضعفاً من المصابين بأمراض مزمنة بمغادرة القطاع لتلقي العلاج. وعرضت دول مثل مصر وتركيا والإمارات استقبال المرضى.
وكان حوالي 20 ألف مريض سنويّاً يطلبون تصاريح من إسرائيل لمغادرة غزة للحصول على الرعاية الصحية قبل الحرب، وكان كثير منهم يحتاج إلى رحلات متكرّرة عبر الحدود وثلثهم من الأطفال. ووافقت إسرائيل على نحو 63 في المئة من طلبات المغادرة للأغراض الطبية في عام 2022، وفقاً لمنظّمة الصحّة العالميّة. وتعاني مرافق الرعاية الصحية في غزة من ضغوط شديدة تحت وطأة الحصار الذي تقوده إسرائيل منذ 16 عاماً وجولات القتال المتكرّرة.
وقال أسامة قدومي المشرف في مستشفى المقاصد "في الحروب السابقة، كان المعبر يغلق لمدة يوم أو يومين، ويتمكّن المرضى من العودة بعد ذلك. إنها المرة الأولى التي يفرض فيها حظر شامل على الحركة، ولا يستطيع المرضى مغادرة غزة".
وأضاف: "كلما طال انتظارنا، كلما ساءت حالة بعض المرضى. سيموت الكثير من الناس لمجرد عدم حصولهم على العلاج".
* الأمراض المزمنة
لا يقتصر القلق على الحالات الأكثر تعقيداً فقط، إذ أنّه بحسب بيانات منظّمات الأمم المتحدة يوجد في غزة 350 ألف مريض يعانون من أمراض مزمنة من بينها السرطان والسكري بالإضافة إلى 50 ألف امرأة حامل.
وكان بإمكان أغلبهم في السابق الحصول على الرعاية الطبية في غزة، لكن الأمم المتحدة تقول الآن إنّ النظام الصحي الهش في القطاع على وشك الانهيار، في ظل ما يتعرّض له من ضربات جوية وارتفاع الإصابات والتناقص السريع في إمدادات الأدوية والوقود. وتم السماح بدخول قدر ضئيل من المساعدات، بينما سمح لنحو 80 مريضاً بالخروج.
وقال الدكتور ريتشارد بيبركورن ممثل منظّمة الصحّة العالمية في غزة والضفة الغربية في مؤتمر صحافي الشهر الماضي "نتحدث دوماً عن الإصابات، وهذا أمر في محله لكن علينا أن نفكر في 350 ألف مريض".
وهناك بعض الاحتياجات توصف بكونها ملحة أكثر من غيرها. فوفقاً لمنظّمة الصحّة العالمية هناك نحو ألف مريض في غزة يحتاجون إلى غسيل كلوي للبقاء على قيد الحياة، إلّا أنّ 80 في المئة من الأجهزة موجودة في مستشفيات محلية تلقت أوامر بالإخلاء. والمستشفى الوحيد لعلاج السرطان في القطاع لم يعد يعمل. وطلب الجيش الإسرائيلي من المدنيين إخلاء شمال قطاع غزة حيث توجد بعض المستشفيات في إطار حملته التي يقول إنها تهدف للقضاء على "حركة حماس". ويقول الجيش إن "حماس" تقيم مراكز قيادتها تحت المستشفيات، وهو ما تنفيه الحركة.
وقالت الصحة العالمية إنه مع احتدام القتال، تقطعت السبل بنحو 400 مريض ومرافقيهم في القدس الشرقية والضفة الغربية بعدما غادروا غزة لتلقي العلاج قبل الحرب. ويجد العديد منهم صعوبة في التواصل مع أقاربهم في ظل تردي خدمات الهواتف المحمولة والكهرباء في غزة.
تقول أم طه الفراح، التي اصطحبت حفيدتها هالة البالغة من العمر ست سنوات إلى مستشفى المقاصد في الخامس من تشرين الأول لإجراء عمليتها الجراحية الثالثة في العمود الفقري "لم أتمكّن من إخبارهم كيف كانت الجراحة". ولم تحصل والدة هالة على تصريح لمرافقتها للمستشفى.
وعندما يتصل والد هالة، يتمكنّون فقط من التحدث لدقيقة أو دقيقتين قبل أن ينقطع الاتّصال. وتضيف أم طه "يسألون: كيف حال هالة؟ وأجيب الحمد لله، هذا كل شيء".
وتفتقد هالة والديها ومنزلها. وتقول أم طه "لا أعرف من بقي من عائلتي. أنا متأكّدة أنهم لا يخبرونني بكل شيء".