رفضت محكمة المملكة المتحدة العليا، الأربعاء، خطة حكومية مثيرة للجدل تنص على إرسال المهاجرين إلى رواندا وأيّدت حكما صادرا عن محكمة أدنى اعتبرها مخالفة للقانون، في ضربة كبيرة لرئيس الوزراء ريشي سوناك.
أيّدت لجنة من خمسة قضاة في أعلى محكمة في المملكة المتحدة بالإجماع قرار قضاة محكمة الاستئناف بأن السياسة لا تتوافق مع التزامات بريطانيا بموجب المعاهدات الدولية.
وأفاد القضاة "خلصنا إلى أن محكمة الاستئناف... كانت مؤهلة للتوصل إلى وجود مبررات ملموسة تدفع للاعتقاد بأن إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا قد يعرضهم إلى خطر حقيقي بسوء المعاملة".
واتفقوا مع حكم المحكمة الأدنى الصادر في حزيران بأن رواندا تمثّل خطرا لجهة إعادة طالبي اللجوء واللاجئين قسرا إلى بلد حيث يمكن أن يعانوا من الاضطهاد.
شدد حزب سوناك المحافظ على أن الخطة ضرورية لخفض الهجرة "غير الشرعية" عبر قناة المانش على متن قوارب صغيرة، وهي قضية يتوقع بأن تحتل موقعا بارزا في الانتخابات العامة المقبلة.
لكن الحكم يلغي الاتفاق الموقع مع رواندا في نيسان العام الماضي لإرسال مهاجرين غير مسجّلين إلى مراكز مؤقتة في الدولة الأفريقية، ويسدد ضربة لأجندة رئيس الوزراء المرتبطة بالهجرة.
كما أنه سيؤدي إلى تعميق الانقسامات في صفوف الحزب المحافظ بين النواب اليمينيين المدافعين عن إجراءات متشددة والمعتدلين.
وبينما أقر بأنه "ليس النتيجة التي كنا نرغب بها"، قال سوناك إن الحكومة "كانت تعمل في الأساس على معاهدة جديدة مع رواندا، سنضع اللمسات النهائية عليها في ضوء حكم اليوم".
وأفاد أمام البرلمان بأنه "إذا اتضح بأن إطارات العمل القانونية الداخلية لدينا أو الاتفاقيات الدولية ما زالت تحبط الخطط في هذه المرحلة، فأنا مستعد لتغيير قوانينا وإعادة النظر في هذه العلاقات الدولية".
- "إيقاف القوارب" -
وأعلنت داونينغ ستريت أن سوناك تحدّث مع الرئيس الرواندي بول كاغامي بعد صدور الحكم.
وجاء في نص المحادثة الصادر عن مكتب سوناك أن "الزعيمين أكدا على التزامهما الثابت إنجاح الشراكة بيننا بشأن الهجرة واتفقا على اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أن هذه سياسة قوية وقانونية وإيقاف القوارب في أقرب وقت ممكن".
تنص "شراكة الهجرة والتنمية الاقتصادية" على أن يُرسل إلى رواندا أي شخص يقوم بما تصفها الحكومة بـ"رحلات خطيرة أو غير قانونية، على متن قوارب صغيرة مثلا أو شاحنات" باتّجاه المملكة المتحدة.
كانت أول دفعة من الأشخاص الذين صدر قرار بترحيلهم على متن طائرة متوجهة إلى رواندا في حزيران 2022 عندما منع أمر قضائي صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أي عمليات ترحيل، ما فتح الباب للطعون القانونية.
ينتقد المعارضون خطة رواندا على اعتبارها وحشية ومكلفة ويصعب تطبيقها.
وأفادت الحكومة الرواندية بأنها "تعارض الحكم بأن رواندا ليس بلدا ثالثا آمنا".
تشدد لندن على أن السياسة ضرورية لردع المهاجرين عن عبور قناة المانش من فرنسا على متن مراكب بدائية صغيرة.
قام أكثر من 27 ألف شخص بالرحلة هذا العام، مقارنة مع حوالى 46 ألفا في 2022، لكن الأرقام ما زالت بعيدة جدا عن تعهّد سوناك "إيقاف القوارب".
تفيد حكومته بأن على الهجرة النظامية وغير النظامية أن تتراجع لتخفيف الضغط على الخدمات الممولة من الحكومة، مثل الرعاية الصحية وتوفير أماكن إقامة لطالبي اللجوء.
وبلغ عدد طلبات اللجوء المتراكمة في بريطانيا 122,585، أي أقل بنسبة 12 في المئة عن العدد القياسي المسجل في شباط. في الأثناء، سجّل صافي الهجرة (أي الفارق بين عدد الأشخاص الذين يغادرون المملكة المتحدة والواصلين إليها) رقما قياسيا هو 606 آلاف العام الماضي.
وتعد الإحصائيتان غير مريحتين بالنسبة للمحافظين الذين تعهّدوا خفض الهجرة بعد بريكست.
مررت حكومة سوناك تشريعا في تموز يحظر على أي قادمين "بشكل غير شرعي" تقديم طلبات لجوء، لكنه يعتمد على إيجاد بلدان ثالثة ليتم إرسالهم إليها.
وتسري تكهنات بأنها ستحاول الآن إبرام اتفاقيات مع بلدان أخرى.
وقال وزير الداخلية الذي تم تعيينه مؤخرا جيمس كليفرلي بعد صدور الحكم "هناك اهتمام كبير بهذا المبدأ"، لافتا إلى أن دولا أوروبية أخرى "تحذو حذونا".
- "غير قابلة للتطبيق" -
يتوقع أن يجدد القرار مطالب يمينيين مثل وزيرة الداخلية السابقة سويلا بريفرمان بأن تنسحب بريطانيا من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي فكرة رفض سوناك تأييدها حتى اللحظة.
وشنّت بريفرمان هجوما لاذعا على سوناك الثلثاء بعد يوم على إقالتها، متهمة إياه بـ"الخيانة" في ملف الهجرة وقائلة إن "لا رغبة لديه في القيام بما يلزم".
بدروه، رأى نائب رئيس الحزب المحافظ لي أندرسون أن على الوزراء "تجاهل القوانين" وترحيل المهاجرين فور وصولهم.
ووصف قرار المحكمة بأنه "يوم قاتم بالنسبة للشعب البريطاني" وأكد أن على الحكومة "تشغيل الطائرات وإرسالهم (المهاجرين) إلى رواندا".
وأما حزب العمال المعارض الرئيسي المتصدر في استطلاعات الرأي، فاتّهم سوناك بالفشل في "وضع أي خطة جدية للتعامل مع عمليات العبور الخطيرة بالقوارب".
وقالت النائبة إيفيت كوبر "شدد العمال منذ البداية على أن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق وباهظة الكلفة"، مضيفة أن الحكومة "فشلت في ضمان وضع سياسة قوية وقابلة للتطبيق".
ورحب محامون متخصصون في مجال الهجرة بقرار المحكمة الأربعاء.
وقال "مجلس اللاجئين" إنه "انتصار لحقوق الرجال والنساء والأطفال الذين ينشدون الأمان بكل بساطة".