سقوط الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس وعودة الحرب بين الفريقين بعد هدوء كامل استمر لأسبوع، أعاد فتح ملفات الهدن التي عقدت عبر التاريخ. تعود الهدن إلى العصور القديمة، واستخدمت لوقف القتال في المعارك الدينية.
تُعرّف الهدن على أنها اتفاق يهدف إلى وقف الأعمال العدائية والقتالية لفترة زمنية محددة، لإتاحة المساحة للتفاوض. وغالباً ما كان يستتبعها اتفاق سياسي ينهي الأعمال القتالية أو الحرب.
الهدن ووقف الأعمال الحربية
غالبا ما تكون الهدنة عبارة عن اتفاقية غير رسمية إلى حد ما بشأن وقف القتال. ويكون ذلك لفترة زمنية قصيرة ومناطق محدودة. وغالباً ما تخدم الهدنة هدفاً محددا.ً
على سبيل المثال، يمكن الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام على طرق نقل محددة بهدف السماح بإيصال المساعدات الإنسانية أو نقل المدنيين إلى مكان آمن. هنا يمكن الحديث أيضاً عن "هدنة إنسانية".
ويمكن أيضاً استخدام وقف إطلاق النار خلال مفاوضات تبادل الأسرى أو حتى محادثات السلام. ومع ذلك، لا يمكن فهم هذه الهدنة أو وقف إطلاق النار المؤقت على أنه مؤشر على نهاية الأنشطة الحربية.
في المقابل هناك نوع آخر من وقف إطلاق النار، وهو نوع له طابع تعاقدي رسمي: "وقف إطلاق النار يقطع العمليات الحربية بموجب اتفاق متبادل بين المتحاربين"، وفق ما ورد في الفصل الخامس من الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، وهو جزء من اتفاقيات لاهاي. ولذلك فإن هذا هو المصطلح الراسخ في القانون الإنساني الدولي. وهو يخضع بالتالي لقواعد معينة.
ووفقاً للاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، يمكن أيضا أن يكون وقف إطلاق النار محدوداً من حيث الموقع والوقت. ولكن: "إذا لم يتم الاتفاق على مدة محددة، فيمكن للأطراف المتحاربة استئناف الأعمال العدائية في أي وقت".
تختلف الهدن عن إبرام اتفاقيات سلام بحيث لا يمكن إبرام معاهدات السلام واتفاقيات السلام إلا بين حكومات معترف بها بموجب القانون الدولي. ولأن حركة حماس لا تتمتع بهذه المكانة فلا يمكن عقد اتفاقية معها.
هدن مؤثرة عبر التاريخ
شهد التاريخ عدداً كبيراً من الهدن وخصوصاً في عصر الفتوحات والصراعات وصولاً إلى الحربين العالمية والثانية.
هدنة عيد الميلاد في عام 1914 لحظة فريدة في تاريخ الحروب، على الرغم من أن الحرب كانت قد اندلعت فقط قبل 5 أشهر، إلا أن هذه اللحظة المميزة شهدت تبادلاً إنسانياً بين أعداء الحرب، وخرج العديد من الجنود الألمان من خنادقهم بدون سلاح، واقتربوا من الجانب الآخر الذي يحتله الحلفاء، مرحبين بأعدائهم فلاقاهم الاعداء وتبادلوا هدايا صغيرة مثل السجائر وكعك عيد الميلاد، وقاموا بغناء الأناشيد والأغاني معاً. حتى جرت حالة وثقت رسمياً لجنود من الجانبين يلعبون مباراة لطيفة في كرة القدم، لكنها لم تستمر سوى لفترة العيد.
هدنة مستمرة منذ الحرب الكورية 1953
في عام 1953، شكلت اتفاقية الهدنة نقطة فارقة في حرب الكوريتين الشمالية والجنوبية، التي بدأت في عام 1950. تم التوصل إلى هذه الهدنة بعد اندلاع الحرب بين الكوريتين، حيث تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية الشمالية والولايات المتحدة الأميركية، تحت لواء الأمم المتحدة في 27 تموز 1953.
وعلى الرغم من الخروقات وإعلان كوريا الشمالية عدم التزامها بها فما زال يسري بين البلدين هو بنود هذه الهدنة.
- الهدن بين أرمينيا وأذربيجان
أدى الخلاف على إقليم ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان إلى عدة حروب، منذ انفصال الدولتين عن الاتحاد السوفياتي في أوائل تسعينيات الماضي، وكانت تنتهي باتفاقات أو بهدن.
وكانت الحرب الأولى في ناغورنو كاراباخ قد انتهت بوقف لإطلاق النار بوساطة روسية في العام 1994، بعد أن سيطرت القوات الأرمينية على ناغورنو كاراباخ والمناطق المحاذية لها، ولكن بقي الوضع ملتهباً منذ ذلك الحين، في ظل موجات من القتال كانت تقطع فترات من الهدوء النسبي.
وفي العام 2020 عادت المنطقة وشهدت أكبر مواجهة عسكرية عنيفة استمرت لمدة ستة أسابيع، استعادت أذربيجان بعض المناطق. وانتهت عندما اتفق الطرفان على توقيع اتفاق سلام توسطت فيه روسيا في تشرين الثاني 2020، أدى إلى استعادة أذربيجان السيطرة على كافة المناطق المحيطة بناغورنو كاراباخ والتي كانت تسيطر عليها أرمينيا منذ 1994. وبموجب الاتفاق، اضطرت القوات الأرمينية إلى الانسحاب من هذه المناطق وانحصرت منذ ذلك الحين في جزء صغير من المنطقة.
في 20 تشرين الأول 2023 أسقطت أذربيجان الاتفاق وشنّت حرباً جديدة انتهت خلال بضعة أيام باستسلام الإقليم إلى أذربيجان وفرض حكمها عليه، وأنهى مجموعة ما سُمي بالهدن والاتفاقات.
الدول العربية
يرتبط لبنان باتفاقية هدنة مع إسرائيل منذ عام 1949 واستمرت نظاماً فعّالاً لمراقبة الأمن في منطقة الحدود بين لبنان وإسرائيل، حتى عام 1967 عندما أعلنت إسرائيل تخليها عنها. وشنت عدداً من الحروب والاجتياح بعدها. إلّا أنه منذ توقيع الاتفاقية حتى يومنا هذا، لا تزال الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يعتبران بأنها إطار قانوني دولي قائم وصالح وواجب التطبيق للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي. وحالياً ترتكز العلاقة بين البلدين على قرار دول دولي يحمل رقم 1701 القاضي بوقف الأعمال الحربية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
سوريا
وترتبط سوريا أيضاً باتفاقية فك الاشتباك مع إسرائيل، وهي اتفاقية موقعة في 31 أيار 1974 في جنيف أوقفت الحرب بين البلدين وهي لا زالت تعمل حتى أيامنا هذه.
وحيث ما وقعت حروب يكون هناك هدن. فقد، شهدت الحرب السورية عدداً كبيراً من الهدن بين النظام السوري والفصائل المقاتلة كان أغلبها لا يصمد كثيراً، وما يحدث بسوريا في الأيام الحالية هو أشبه بهدنة مع تراجع الأعمال العسكرية والهجومات المتبادلة، يلتزم بها الطرفان بطريقة غير معلنة ضمن المحافظة على قواعد اشتباك وخطوط جغرافية معينة لا يتم خرقها إلا نادراً أو باشتباكات محدودة منذ أكثر من سنتين.
اليمن
ومن أبرز الهدن في السنوات القليلة الماضية هي الهدنة بين التحالف العربي والحوثيين في اليمن.
في 2022، وافقت الأطراف على هدنة مدتها شهران بمبادرة من الأمم المتحدة، وتضمنت اتفاقية لوقف جميع العمليات العسكرية الهجومية، والسماح بدخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة واستئناف الرحلات الجوية التجارية من مطار صنعاء. وجدّد الطرفان الهدنة مرتين، لتنتهي في 2 تشرين الأول.
ولكن على الرغم من الإعلان الرسمي عند انتهائها إلا أن فترة الهدوء لا تزال مستمرة وخفت الأعمال الحربية بشكل كبير.
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
لم ترتح الساحة الفلسطينية منذ إعلان دولة إسرائيل ولا زالت الحروب مستمرة حتى يومنا هذا. وشهدت عددا كبيراً من الانتفاضات وبعدها الهدن والاتفاقات، ورافقها عدد من القرارات الدولية لم تنفذ بمجملها بسبب التعنت الإسرائيلي.
اما على مستوى الصراع بين حركة حماس وإسرائيل وخصوصاً في قطاع غزة بعد سيطرة الحركة عليه يمكن تعداد ما يلي:
عام 2008، أدت هدنة إلى وقف إطلاق النار بعد هجوم إسرائيلي على قطاع غزة، كانت مدتها 6 أشهر بوساطة مصرية، ودخلت حيز التنفيذ يوم 19 تموز.
إلا أن هذه الهدنة انهارت سريعاً في الشهر التالي، بعدما شنت إسرائيل هجوما برياً موسعاً على القطاع الساحلي.
وفي كانون الثاني عام 2009، أعلنت إسرائيل من جانب واحد وقف إطلاق النار بعد حرب استمرت 22 يوماً على حماس.
وأعلنت حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة وقف إطلاق النار بعد ذلك بوقت قصير.
في عام 2012، بعد 8 أيام من القصف الإسرائيلي المكثف على غزة، دخل وسطاء مثل أميركا ومصر على خط المفاوضات، فتوصلوا إلى هدنة توقف العنف لفترة طويلة، إضافة إلى منع تهريب السلاح إلى القطاع، كما تم الاتفاق على إدخال المساعدات الإنسانية وفتح المعابر. لكن هذه الهدنة تعثرت أيضاً بعد أن اتهمت تل أبيب مصر التي كانت وسيطاً بالانحياز إلى حركة حماس.
في حزيران 2014 وحتى آب عام 2014، اندلعت مواجهات كبيرة بسبب اختطاف ثلاثة مراهقين إسرائيليين في الضفة الغربية وخلفت هذه الحرب أكثر من 2000 قتيل في غزة. وقضت الهدنة بوقف إطلاق النار وفتح المعابر لنقل المساعدات الإنسانية ومستلزمات الإعمار، إلا أنها فشلت أيضاً بعد تواصل المعارك في قطاع غزة، وتبادل إسرائيل وحماس المسؤولية عن ذلك.
وفي أيار وحتى حزيران من عام 2021، خلفت حرب، استمرت 11 يوماً 230 قتيلاً من سكان غزة قبل أن تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار.
وفي أيار عام 2023، توسط المفاوضون المصريون لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في غزة، منهية خمسة أيام من العنف أسفرت عن مقتل 35 شخصاً. وبعد يوم هز إطلاق صواريخ قصيرة الأجواء، لكن الاتفاق صمد بعدها، حتى 7 تشرين الأول تاريخ بدء عملية طوفان الأقصى.