النهار

فلاديمير بوتين... القيصر المحارب الساعي إلى استعادة عظمة روسيا في المحافل الدوليّة
المصدر: أ ف ب
فلاديمير بوتين... القيصر المحارب الساعي إلى استعادة عظمة روسيا في المحافل الدوليّة
بوتين يتحدث الى حائزين ميداليات النجمة الذهبية في قاعة سان جورج في قصر الكرملين الكبير في موسكو، عشية يوم أبطال الوطن (8 ك1 2023، أ ف ب).
A+   A-
بين غزو أوكرانيا والقمع في روسيا والمواجهة مع الغرب، ينطلق فلاديمير بوتين الذي تولى السلطة قبل ربع قرن في حملته للبقاء في الكرملين ستة أعوام أخرى بصفته قائدًا عسكريًا يمسك بالسلطة بكلتا يديه.

أبلغ بوتين أحد الضباط الذين حاربوا في أوكرانيا الجمعة عن ترشحه لولاية خامسة في انتخابات 17 آذار 2024، بعد أن أنهى ولايتين مدة كل منهما أربع سنوات وولايتين مدة كل منهما ست سنوات، بينهما فترة فاصلة كان خلالها رئيسًا للوزراء.

تميز حكم بوتين الآتي من صفوف جهاز الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) منذ وصوله إلى الكرملين في 31 كانون الأول 1999 بسمتين رئيسيتين، أولاهما التصلب المستمر مع السيطرة على طبقة الأثرياء الأوليغارش وحرب الشيشان الثانية وخنق الحريات العامة وتقييد وسائل الإعلام والمعارضة. 

فيما تمثلت السمة الثانية في السعي إلى اكتساب سلطة جيوسياسية، من خلال الحرب في جورجيا (2008)، وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية (2014) والتدخل العسكري في سوريا (2015) وأخيرًا غزو أوكرانيا (2022). 

ظنت أوروبا، ولا سيما المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، خطأً أنها تعمل على توجيه هذه الطموحات مراهنة على الاعتماد الاقتصادي المتبادل، من خلال مشتريات الغاز الروسي الضخمة. 

وفيما يستعد فلاديمير بوتين في عمر 71 عاماً لخوض انتخابات رئاسية جديدة، يبدو أن ما من شيء يقف في طريقه.

بعد أن تورط سيد الكرملين في الحرب في أوكرانيا وتعرض جيشه لهزائم مذلة، ما زال يصر على تحقيق النصر من خلال الاستنزاف. 

وفي سلسلة من الخطب العسكرية التي تنهل من تحريف التاريخ يتهم أوكرانيا بالنازية، ويعلن ضم أراضيها ويصور النزاع على أنه حرب بالوكالة مع الأميركيين. ويقول إن بقاء الأمة الروسية على المحك، وأي معارضة للغزو تصبح عقوبتها السجن، فيما يتعرض الآلاف من الروس للملاحقة والمضايقة وحتى السجن.

ولكن لا شيء يثنيه، لا العقوبات الغربية ولا ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين، ولا خسائر الجيش. 

فلدى الرئيس الروسي مهمة واحدة هي التخلص من هيمنة الغرب. وفي تشرين الأول، أعلن أن "مهمته هي بناء عالم جديد"، واصفاً هجومه على أوكرانيا بأنه الحدث الذي سيحدد "مبادئه". 

- هزيمة - 
لا بد من القول إن عميل الكي جي بي السابق الذي كان متمركزا في ألمانيا الشرقية في الثمانينات، ما زال متأثرًا جراء تفكك الاتحاد السوفياتي كدلالة على هزيمة موسكو في الحرب الباردة. 

ومن أجل تحقيق أهدافه، يفتخر فلاديمير بوتين اليوم بالدعم الديبلوماسي الذي يحصل عليه من الصين. ويشير إلى أن آسيا، وفي مقدمها الهند، تتهافت على النفط الروسي، وأن إفريقيا تعتبره حليفا ضد "الاستعمار الجديد" الغربي. 

وسوف يحصل على السلاح من إيران وكوريا الشمالية. 

كما أن روسيا بالنسبة اليه هي حامل لواء القيم "التقليدية" في مواجهة الانحطاط الأخلاقي للغرب وتسامحه تجاه المثليين. 

ومع فشل الهجوم المضاد الأوكراني في صيف عام 2023، يشعر فلاديمير بوتين بأنه يتمتع بمزيد من الحرية، مع انقسام الغربيين بشأن استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا. 

ولكن على الرغم من قوته، فإن الرئيس الروسي الذي عدل الدستور خلال جائحة كوفيد ليتمكن من الترشح في الانتخابات الرئاسية لعامي 2024 و2030، ما زال يواجه تحديات. 

فهو بعيد كل البعد عن أن ينتصر في حربه في أوكرانيا. وقدرة الروس والنخبة والاقتصاد على الصمود في هذا النزاع مع مرور الوقت تظل سؤالًُا مطروحًا.

وكان تمرد مرتزقة فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين، أحد الموالين لبوتين، في حزيران، مثالاً على ذلك. ومقتل قادة فاغنر في تحطم طائرة قيل إنه ناجم عن حادث، سمح للكرملين بإغلاق هذا الفصل. لكن هناك أمور أخرى غير متوقعة في الانتظار.

تشير المحللة الروسية تاتيانا ستانوفايا إلى أن أوكرانيا لن تستسلم قريبًا، وأن تكلفة الحرب تزداد بالنسبة لموسكو. 

- "لن يعيش إلى الأبد" - 
وقالت المحللة السياسية عبر منصة تلغرام "الحرب تستنزف روسيا... بالطبع، كل هذا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، لكن الثمن الذي يجب دفعه باهظ". 

وأضافت "على أوكرانيا والغرب أن يدركوا أنه يتعين عليهم التحلي بالصبر... فانتصار بوتين ليس مضمونا على الإطلاق"، وخصوصا أنه في عمر 71 عامًا و"لن يعيش إلى الأبد".

وما من شك في كيفية تعامل روسيا مع أي تهديد لنظامها. ومثال ذلك أليكسي نافالني المعارض الرئيسي الذي حكم عليه بالسجن 19 عاماً. وهو يقبع في السجن منذ عام 2021 بعد أن نجا من حالة تسمم يلقي باللوم فيها على الكرملين. أما غيره فقد لقوا حتفهم ومنهم بوريس نيمتسوف الذي اغتيل في عام 2015. 

وهناك عدد لا يحصى من الأشخاص غير المعروفين خلف القضبان لأنهم انتقدوا الغزو. وتعرضت عدة منظمات غير الحكومية ووسائل إعلام للمضايقة أو الحظر بتهمة "التطرف".

ومع ذلك، يظل فلاديمير بوتين، في نظر الغالبية من مواطنيه، الشخص الذي أعاد لروسيا عزتها بعد أن قوضها الفقر والفساد وإدمان بوريس يلتسين على الكحول. 

وهو عندما دخل الكرملين وكان عمره 47 عامًا، وعد ببناء أواصر الصداقة مع الغرب وقام بتطوير الاقتصاد مستفيدًا من أسعار النفط والغاز المواتية. 

وصفه الرئيسي الأميركي جورج دبليو بوش بأنه "شخص مميز"، وكان الألماني غيرهارد شرودر والإيطالي سيلفيو برلوسكوني صديقين له، على الرغم من القمع والانتهاكات في الشيشان. 

ولكن بذور القطيعة مع الغرب سرعان ما نبتت وعبر عنها فلاديمير بوتين في عام 2007 خلال مؤتمر الأمن في ميونيخ في خطاب حاد اللهجة ألقاه على مسامع كبار الشخصيات الغربية. عندها اتهم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتهديد روسيا من خلال التوسع وانتقد الولايات المتحدة لأنها تتنسب لنفسها "سيادة مطلقة" في العالم. وهي المبررات نفسها  التي استخدمها لغزو أوكرانيا.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium