تظهر لقطات مفعمة بالإثارة التقطتها طائرة مسيَّرة، قوات كوماندوس هندية وهي تطارد قراصنة بعد هجوم في بحر العرب، وهو ما يرى محللون أنه يعكس الانتشار الواسع لقوة نيودلهي البحرية ويعبر عن الطموحات العالمية للهند.
قوات الكوماندوس التي نُشرت هذا الشهر من سفينة حربية هندية بعد محاولة خطف ناقلة بضائع تجارية، هي جزء من القوات التي عززت الحضور البحري للهند بعد أن وسعت منافستها وجارتها الصين نطاق وجودها منذ فترة طويلة.
وقال عدي باسكار رئيس جمعية دراسات السياسات ومقرها نيودلهي "إنه أمر مهم بالنظر إلى السياق الجيوسياسي" وتوظيف جريء "للقدرات البحرية".
في السنوات الأخيرة، عبر مسؤولون هنود عن مخاوف بعد أن تفاوضت بيجينغ على مشاريع للبنية التحتية مع الدول المشاطئة للمحيط الهندي في إطار مبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك سريلانكا وجزر المالديف وبنغلادش وجيبوتي حيث افتتحت أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في عام 2017.
واليوم يتطلع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، المتوقع إعادة انتخابه في وقت لاحق من هذا العام، إلى زيادة الثقل العالمي للهند، خامس أكبر اقتصاد في العالم والتي حلت محل الصين العام الماضي باعتبارها الدولة الأكثر تعدادًا للسكان.
وقال دون ماكلين جيل من جامعة دي لا سال في الفيليبين "مع استمرار الهند في الارتقاء في التسلسل الهرمي للقوى العظمى الدولية، فإنها تريد أن تبرز كقوة رائدة ومسؤولة". وأضاف جيل لوكالة فرانس برس أن انتشارها البحري يأتي في إطار "رغبتها في أداء دور أكبر مع تحسين الاستباقية كشريك مسؤول في مجالي الأمن والتنمية".
- إجراء استباقي -
العمليات الهندية التي تستهدف القراصنة ليست جديدة. فبحريتها تنتشر بشكل مستمر قبالة الصومال منذ عام 2008 مع تصاعد أعمال القرصنة، حيث قصف رجال البحرية وأغرقوا سفنًا رئيسية للقراصنة في مناطق تمتد من سواحل الهند إلى خليج عدن، ونزلوا إليها بطائرات هليكوبتر وألقوا القبض على عشرات المسلحين.
لكن نشر البحرية في كانون الأول قوة أكبر بكثير، بما في ذلك ثلاث مدمرات مزودة بصواريخ موجهة وطائرات استطلاع من طراز P-8I "للحفاظ على وجود رادع" بعد سلسلة من الهجمات على السفن، يمثل تعزيزًا سريعًا للقوات.
وتعهد وزير الدفاع راجناث سينغ بحماية طرق الشحن "من البحر إلى أعالي السماء"، خلال تدشين أحدث سفينة حربية صنعتها الهند لتنضم إلى أسطول يضم حاملة طائرات وغواصات محلية الصنع كذلك.
وجاء الرد في أعقاب هجوم بمسيَّرة في 23 كانون الأول على ناقلة النفط "ام في شيم بلوتو" (MV Chem Pluto) على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومترا) قبالة سواحل الهند، ألقت واشنطن باللوم فيه على إيران. وهو اتهام وصفته طهران بأنه "لا قيمة لها".
وشن الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن عشرات الهجمات في البحر الأحمر مستهدفين سفنًا على ارتباط بإسرائيل ردا على القصف الإسرائيلي لقطاع غزة في الحرب مع حركة حماس الفلسطينية.
لم تنضم الهند التي تربطها علاقات تجارية وثيقة مع إيران، إلى القوة التي تقودها الولايات المتحدة لوقف هجمات الحوثيين.
وقد شنت القوات الأميركية والبريطانية في الخليج فجر الجمعة ضربات جوية على أهداف للحوثيين في اليمن في ما وصفته بأنه "عملية دفاعية" بعد هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر.
وقالت الولايات المتحدة وتسعة من حلفائها في بيان مشترك إنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار في الممرات البحرية الحيوية و"حماية حرية الملاحة".
لكن إرسال القوات البحرية الدولية شمالًا إلى البحر الأحمر أثار قلق الهند من تأثير ذلك على التجارة مع الخوف من استغلال القراصنة من جديد لهذه الفجوة، بعد تسجيل أول حالة قرصنة صومالية ناجحة منذ عام 2017 في كانون الأول الماضي.
وحذر تقرير صادر عن نظام البحوث والمعلومات للدول النامية ومقره نيودلهي من أن الهند قد تخسر 30 مليار دولار من الصادرات هذا العام، بانخفاض نسبته 6%، إذا اضطرت سفن أخرى للشحن إلى إعادة توجيه مسارها عبر جنوب إفريقيا.
لكن الأدميرال هاري كومار رئيس أركان البحرية الهندية، قال للصحافيين الأربعاء خلال فعالية عرضت خلالها مسيَّرة استطلاع طويلة المدى، إن الهند تتخذ "إجراءات استباقية جدا (لضمان) ألا يغامر القراصنة بالدخول إلى منطقة المحيط الهندي".
- "مثل الفئران" -
وقالت البحرية إنه في 5 كانون الثاني، وبعد أن أبلغت السفينة "ام في ليلا نورفولك" (MV Lila Norfolk) التي ترفع علم ليبيريا عن محاولة خطف على بعد حوالي 450 ميلاً بحريًا قبالة ساحل الصومال، قامت مدمرة هندية وطائرة مراقبة بتعقب السفينة موجهة بذلك "تحذيرًا قويًا".
وبحلول الوقت الذي صعدت فيه قوة الكوماندوس الخاصة الهندية لتنفذ ما يسمى عمليات "التطهير"، كان القراصنة قد فروا. لكن البحرية شاركت اللقطات على نطاق واسع لتبرز قدرتها على "الرد السريع".
وقال باسكار، وهو ضابط بحري متقاعد، إن ذلك أظهر أن الهند "قادرة على أن تلبي النداء، خلال وقت قصير، عند الحاجة إليها، وأن تنشر قوات بحرية على نحو موثوق وفعال في منطقة المحيط الهندي".
وتتنافس بيجينغ ونيودلهي على النفوذ في المحيط الهندي، وقد نشرت الهند في السابق دوريات في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه وغرب المحيط الهادئ. وقامت الهند أيضًا بتوسيع انتشار قوتها إلى بحر العرب في وقت كانت فيه الصين أكثر "حذرًا في ردها نظرًا لحرصها على عدم الإضرار بالعلاقات التي نسجتها مع العالم العربي"، وفق جيل.
ولكن المتحدث السابق باسم البحرية دي كيه شارما أصر على أن الانتشار كان يستهدف فقط الذين "يستغلون الحرب بين إسرائيل وحماس" لمهاجمة السفن.
وقال شارما "إن الهند تؤمن بالحفاظ على السلام في المساحات العالمية المشتركة. ليس لدينا أي طموح للقول بأن المحيط الهندي هو محيط الهند".
لكنه قال إنه واثق من أن بيجينغ "أخذت علما" برد الهند السريع الذي أجبر القراصنة على "الفرار مثل الفئران".
وأضاف "يمكن للصين أن تنظر إلى الأمر بالطريقة التي تريدها".