قال مسؤولون ومحللون إن شبح صعود تكتل عربي-إسرائيلي، وما قد ينجم عنه من ميل كفة توازن القوى في الشرق الأوسط بعيدا عن إيران، يدفع الجمهورية الإسلامية لمواصلة المحادثات النووية مع القوى العالمية بإصرار أكبر.
وانتهت أمس الأربعاء المحادثات غير المباشرة التي جرت في قطر بين طهران وواشنطن بشأن إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الموقع 2015 دون تحقيق تقدم. وشككت إيران في جدية الولايات المتحدة بينما دعت واشنطن طهران للتخلي عن المطالب الإضافية التي تطرحها.
لكن اثنين من المسؤولين الإيرانيين وسياسي، كلهم من إيران، قالوا لرويترز إن صعوبة المحادثات لم تحبط بلادهم وأشاروا إلى أن المؤسسة المحافظة في طهران عازمة على مواصلة طريق الديبلوماسية.
ومن شأن التوصل لاتفاق أن يؤدي إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران والتي كبلت اقتصادها، مما سيحيي صادرات النفط لتصل إلى نحو 2.8 مليوني برميل يوميا كانت تشحن قبل إعادة فرض العقوبات مقابل أقل من مليون برميل يوميا حاليا.
وقال المسؤولان الإيرانيان والسياسي الإيراني إن البديل الذي لا تفضله بلادهم قد يكون حربا في منطقة قد تفضي فيها التطورات الجيوسياسية إلى تحالف معاد لطهران تقوده الولايات المتحدة.
ويبدو أن المخاوف المتنامية من التقارب المتزايد بين إسرائيل ودول عربية، بما شمل اتفاقات للتطبيع عرفت باسم اتفاقيات إبراهيم، قد دفعت طهران للإبقاء على مسار الديبلوماسية قائما.
وقال مسؤول إيراني كبير مقرب من دوائر صنع القرار في البلاد "المنطقة تشهد تحولات مستمرة والتحالفات تتغير. إسرائيل تطبع العلاقات مع دول عربية والأميركيون يدعمون كل تلك التطورات".
وتابع "هذه تهديدات جدية لا بد من إحباطها. أعداؤنا يدعون الله لتنتهي المحادثات النووية (بالفشل)، لكن ذلك لن يحدث".
وفي محاولة لإحياء المحادثات، قبل أسبوعين تقريبا من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل والسعودية، وافقت إيران على عقد محادثات في الدوحة بهدف التوصل لحل ديبلوماسي للأزمة.
وقال مسؤول إيراني آخر "رسالة اجتماع الدوحة للدول في الخليج الفارسي كانت بسيطة: على خلاف ما تزعمه إسرائيل، إيران تؤمن بالديبلوماسية كحل لكل القضايا من الملف النووي إلى الملفات الإقليمية وما وراءها".
وبعد تعثر محادثات الدوحة، قال ديبلوماسيون إنه سيكون هناك المزيد من "المحادثات من أجل المحادثات".
تحالف دفاع جوي
يقول علي واعظ المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية المتخصص في الشأن الإيراني "هناك ثمن حقيقي لإعلان الإخفاق. هذا الثمن يزيد بكل تأكيد في كل محاولة ديبلوماسية (تنتهي بالفشل) مع تضاؤل نافذة التوصل لاتفاق وتنامي إغراء بديل المواجهة الذي ينطوي على مخاطر".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي هذا الشهر إن بلاده تبني تحالفا إقليميا للدفاع الجوي برعاية أميركية، مضيفا أن هذا الأمر أحبط بالفعل هجمات إيرانية.
وعرضت إسرائيل التعاون الدفاعي مع تقاربها في السنوات القليلة الماضية من الدول العربية المقربة من الولايات المتحدة، والتي تخشى من هيمنة إيرانية إقليمية معادية لمصالحها.
وتأمل واشنطن أن يؤدي المزيد من التعاون إلى دمج إسرائيل أكثر في المنطقة. كما يمكن أن يمهد لمزيد من اتفاقات التطبيع مع إسرائيل بما يشمل السعودية، في أعقاب اتفاقيات إبراهيم مع الإمارات والبحرين في 2020.
ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تملك ترسانة الأسلحة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. وتعتبر إسرائيل أن إيران تشكل تهديدا وجوديا لها وهددت بمهاجمة مواقع نووية إيرانية إذا فشلت الديبلوماسية في احتواء طموحات طهران النووية.
وقالت صنم وكيل المحللة في مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية إنه بالنسبة لإيران ستسعى لإضعاف أي تكتل إقليمي مناهض لها، مضيفة أنها ستسعى أيضا إلى "انتهاز الفرص لشق صف الدول في المنطقة واختراق هذا التحالف إذا تشكل".
وقالت إيران مرارا ومنذ فترة طويلة إن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وهو سبيل محتمل لصنع أسلحة نووية، هو لأغراض سلمية فقط وتعهدت "برد ساحق" على أي اعتداء إسرائيلي. وبموجب الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015، حدت إيران من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
"لا داعي للاستعجال"
في نهاية المطاف، ترغب طهران في صفقة "جيدة". لكن بتشجيع من ارتفاع أسعار النفط بعد غزو روسيا لأوكرانيا، يراهن حكام إيران المتشددون على أن قدرات طهران النووية التي تتطور بسرعة قد تضغط على واشنطن لتقديم تنازلات.
وقال المسؤول الثاني "لسنا في عجلة من أمرنا. ستبقى الجمهورية الإسلامية سواء باتفاق أو بدون اتفاق. برنامجنا النووي يتقدم كل يوم، والوقت في صالحنا... لكننا نريد اتفاقا يخدم مصالحنا الوطنية بنسبة 100 بالمئة. نريد اتفاقا جيدا".
كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق في 2018، وأعاد فرض العقوبات الأميركية. وردا على ذلك، انتهكت طهران الاتفاق بعدة طرق من بينها إعادة بناء مخزون اليورانيوم المخصب.
تم الاتفاق على الخطوط العريضة لإحياء الاتفاق بشكل أساسي في آذار بعد 11 شهرا من المحادثات غير المباشرة في فيينا.
لكن المحادثات انهارت بعد ذلك، ويرجع السبب إلى حد كبير إلى مطالبة طهران بأن ترفع واشنطن الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية وهو ما رفضته الولايات المتحدة، بذريعة أن هذا المطلب خارج نطاق إحياء الاتفاق.
والحرس الثوري الإيراني هو أقوى قوة عسكرية إيرانية وهو تابع مباشرة للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.
ويقول الجمهوريون في الولايات المتحدة إن شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب سيظهر الإدارة الديمقراطية بمظهر المتسامح مع الإرهاب، وهو اتهام ينفيه المسؤولون الأميركيون.
عقوبات الحرس الثوري الإيراني
قال مسؤول إيراني ومسؤول أوروبي لرويترز إن هذا المطلب رُفع الآن عن الطاولة، لكن ما زالت هناك مسألتان، أحداهما تتعلق بالعقوبات، لم يتم حلهما بعد.
وقال مسؤول أمني إيراني متشدد طلب عدم نشر اسمه "أرسلنا رسائل للأميركيين عبر وسطاء مفادها أن رفع العقوبات عن مقر شركة خاتم الأنبياء للبناء أمر ضروري للتوصل إلى اتفاق".
وتسيطر شركة خاتم الأنبياء، وهي الذراع الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني، على شبكة واسعة من الشركات، تتراوح من النفط والغاز إلى البناء.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ردا على طلب للتعليق، "نحن لا نتفاوض في العلن ولن نرد على تكهنات بشأن مواقف إيران".
وقال واعظ إن مثل هذه المطالب هي أوضح علامة على عدم قدرة طهران أو عدم استعدادها لفهم قيود السياسة الأميركية.
وأضاف "مطالبة طهران بتخفيف العقوبات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني تواجه نفس العقبة التي واجهها (مطلب) شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية".
كما تريد إيران ضمانات بعدم تخلي أي رئيس أميركي عن الاتفاق، مثلما فعل ترامب. لكن بايدن لا يستطيع أن يقدم وعودا بذلك لأن الاتفاق النووي هو تفاهم سياسي غير ملزم وليس معاهدة ملزمة قانونا.