قال ثلاثة محللين ومسؤول إن رجال الدين الذين يحكمون في إيران حريصون للغاية على سحق احتجاجات مناهضة للحكومة. لكن المناورات حول خلافة الزعيم الإيراني الأعلى والانقسامات بشأن الأساليب والخطط الأمنية تعقّد جهود احتواء الاضطرابات.
وأشار المحللون والمسؤول إلى أن الاحتجاجات الجريئة، التي أطلقت وفاة شابة في حجز الشرطة شرارتها، وضعت الزعماء الإيرانيين في موقف دفاعي، وبدا أن المسؤولين غير قادرين على توحيد مواقفهم في ما يتعلق بكيفية الرد على الاضطرابات.
وأحرق محتجون هذا الشهر صورا لآية الله علي خامنئي، في تحد لمشروعية أعلى سلطة في إيران، وهتفوا بشعارات تطالب بسقوط النظام في الجمهورية الإسلامية وبشعارات "الموت للديكتاتور" ولم يثنهم استخدام قوات الأمن للغاز المسيل للدموع والهراوات وحتى الأعيرة النارية الحية في بعض الأحيان.
وتشكل الاضطرابات تهديدا بالغا وخطرا للأولوية التي حددت ملامح حكم خامنئي، وهي استمرار الجمهورية الإسلامية القائمة منذ أربعة عقود ومؤسستها الدينية الحاكمة بأي ثمن.
لكن حقيقة أن الاضطرابات تزامنت مع شائعات عن تدهور صحته، وهو حاليا في الثالثة والثمانين من العمر، زادت من سوء الموقف، إذ يرى المحللون والمسؤول أن النخبة الحاكمة المنقسمة منشغلة بالفعل بمسألة من قد يخلفه.
وعلى الرغم من أن الاختيار يقع نظريا على عاتق مجلس الخبراء المؤلف من 86 عضوا، إلا أن مفاوضات على مستوى رفيع وتحركات لبسط النفوذ بدأت بالفعل مما جعل من الأصعب على المؤسسة الحاكمة توحيد موقفها فيما يتعلق بمجموعة من التكتيكات الأمنية.
وقال مسؤول من غلاة المحافظين "هذا التسابق أدى لتخبط في أوساط القيادة. الانقسام العميق هو آخر ما نحتاج اليه الآن في وقت تشهد البلاد اضطرابات... المسألة الأساسية الآن هي بقاء الجمهورية الإسلامية".
والتزم خامنئي نفسه الصمت بشأن الاحتجاجات، التي تنامت سريعا لتمرد على ما يصفه المحتجون بأنه ديكتاتورية متزايدة من رجال الدين الحاكمين.
وقال كريم سجادبور وهو زميل بارز بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن الاسمين اللذين يطرحان عادة في التكهنات بشأن من سيخلف الزعيم الأعلى هما إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني ومجتبى الابن الثاني لخامنئي.
وتابع "لا يملك أي منهما تأييدا شعبيا، لكن ما يبقي على الجمهورية الإسلامية في السلطة ليس التأييد الشعبي بل القمع، والرجلان متمرسان جدا في القمع".
إجراءات أكثر صرامة
وجه محتجون جريئون غضبهم صوب مجتبى خامنئي، مخاطرين بمواجهة غضب أبيه الذي يملك كل النفوذ في البلاد.
ويمكن سماع المحتجين في مقاطع فيديو نشرت على تويتر وهم يقولون "مجتبى... نتمنى أن تموت ولا تصبح زعيما أعلى".
ولأن بعض كبار رجال الدين والسياسيين شعروا بالخطر من مدى الاستياء والغضب الشعبي، طالبوا بضبط النفس لتجنب إراقة دماء قد تشحذ المحتجين أكثر وتزيد من جرأتهم.
لكن ذلك لم يمنع غلاة المحافظين من الدعوة لإجراءات أكثر صرامة.
وقال مسؤول إيراني بارز سابق "جزء من المؤسسة الحاكمة يخشى من أن استخدام القوة المفرطة هذه المرة قد يدفع الجمهورية الإسلامية لنقطة اللا عودة".
لكن كبار المسؤولين مثل رئيسي المنتمي لغلاة المحافظين قالوا إن الاحتجاجات "لن تؤدي لتغيير النظام".
وتظهر مقاطع مصورة على مواقع للتواصل الاجتماعي قوات الأمن الإيرانية وهي تواجه صعوبات في وضع حد للاحتجاجات التي أطلقت شرارتها وفاة مهسا أميني (22 عاما) في 13 أيلول. وكانت شرطة الأخلاق قد اعتقلتها بسبب "ملابسها غير اللائقة".
وشرطة الأخلاق هي المعنية بتطبيق قواعد الملبس المتشددة في الجمهورية الإسلامية.
ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة تلك المقاطع.
وانتشرت المظاهرات من مدينة سقز الكردية التي تنحدر منها أميني إلى كل أقاليم إيران البالغ عددها 31 إقليما وشاركت فيها كل فئات المجتمع بما يشكل أقليات دينية وعرقية.
وخشية نشوب انتفاضة عرقية وفي استعراض للقوة، أطلقت إيران صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف في المنطقة الكردية في شمال العراق بعد أن اتهمت المعارضة الكردية الإيرانية بالضلوع في تأجيج الاضطرابات.
وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن الأكراد وأفراد أقليات أخرى دينية وعرقية يتعرضون لتمييز في المعاملة تحت حكم المؤسسة التي يهيمن عليها رجال الدين.
وقال مسؤول إيراني بارز لرويترز إن انهيار الجمهورية الإسلامية قد يبدو امرا مستبعدا في المدى القريب إذ أن زعماء البلاد عازمون على عدم إظهار نوع الضعف الذي يعتقدون أنه حدد مصير الشاه المدعوم من الولايات المتحدة في 1979.
القمع بطريقة الاستنزاف
يبدو أن خيار القمع من دون قيود غير مطروح على الطاولة في الوقت الراهن.
يقول سعيد جولكار الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة تينيسي إن "تراجع الشرعية التي يتمتع بها النظام" يمكن أن تكون السبب وراء قرار المؤسسة الحاكمة في إيران اختيار "القمع بطريقة الاستنزاف بدلا من استراتيجية القبضة الحديدية التي لجأت إليها في 2019".
وشكلت الاحتجاجات في 2019 على ارتفاع أسعار الوقود، والتي قالت رويترز إنها شهدت مقتل 1500، أكثر مواجهة دموية في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن 41، من بينهم أفراد في قوات الأمن، قتلوا خلال الاضطرابات. وقالت منظمة العفو الدولية اليوم الجمعة "حملة قمع الاحتجاجات خلفت على الأقل 52 قتيلا مؤكدا ومئات المصابين حتى الآن". وذكرت جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان أن الآلاف اعتقلوا.
وجعل الدعم الدولي للاحتجاجات مسألة قمعها أمرا أكثر صعوبة بالنسبة للسلطات، خاصة مع عدم وجود قيادات واضحة للاحتجاجات يمكن تحديدهم واعتقالهم.
واتهم حكام إيران تحالفا من "الفوضويين والإرهابيين والخصوم الأجانب" بتدبير الاضطرابات، وهي رواية لا يصدقها الكثيرون في إيران.
وقال المحلل هنري روم من مجموعة يوراسيا "على الأرجح ينتظر حكام إيران معرفة ما إذا كان مزيج من حجب الإنترنت واعتقالات بالجملة وبعض العنف مع المحتجين سيبطئ من زخم الاحتجاجات".
وتابع "لكن في نهاية المطاف، لا أعتقد أنه يتعين على أي أحد الشك في أن الدولة لديها دعم راسخ من منفذين يدينون لها بالولاء... وهم مستعدون لقتل مواطنين من بني جلدتهم إذا طلب منهم ذلك لإنهاء هذه الجولة من الاحتجاجات".