راقب العالم بكثير من الاهتمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعيّ الصينيّ. مع تعزيز الرئيس شي جينبينغ سلطته السياسيّة، أثيرت مخاوف بشأن اقتراب موعد إعادة ضمّ تايوان بالقوّة. لكن بينما ينصبّ التركيز اليوم على الجزيرة، قد يكون للرئيس الصينيّ اهتمامات أخرى.
"بإمكان تايوان أن تنتظر" كما يكتب مراقب شؤون الأمن القومي كريغ هوبر في مجلة "فوربس". بحسب رأيه، قد يكمن الإغراء الإقليميّ الحقيقيّ بالنسبة إلى الصين في أقصى الشرق الروسي حيث يعيش مئات الآلاف من المواطنين الروس من الإثنيّة الصينيّة والذين يمكن أن يتمّ تحفيزهم على إعادة النظر في خياراتهم.
ما من طريقة لمعرفة طريقة تفكير شي، لكنّ نمط السلوك الصينيّ الطويل المدى يقترح أنّه بموازاة إعادة روسيا توجيه وحداتها الأمنيّة الحدوديّة باتجاه النزاع الطاحن في أوكرانيا، من الجدير التفكير في ما إذا كانت الصين تدرس خيارات طارئة توسّعيّة نحو الشمال على طول الحدود الروسيّة المترامية الأطراف التي تحرسها قوّات متفرّقة والبالغ طولها أكثر من 4 آلاف كيلومتر.
أضاف هوبر أنّ تاريخ النزاع بين الدولتين في المنطقة وغياب التوازن الديموغرافيّ العميق بين الصين وأعداد السكان المنخفضة في أقصى الشرق الروسي هي عوامل أثارت تكهّنات طوال سنوات عن إمكانيّة ضغط بيجينغ نحو الشمال. في حين أنّ تايوان هدف بديهيّ للتوسّع الصينيّ الإقليميّ، يبقى كسرها صعباً وفقاً للكاتب. من جهته، توقّع الرئيس شي أن تحصل إعادة التوحيد في زمن أقصاه سنة 2049 مستخدماً ذلك الهدف لإطلاق إصلاحات عسكريّة واسعة.
ترى الحكمة التقليديّة أنّ الهجوم العسكريّ الصينيّ على تايوان مرجّح. مع ذلك، ولّد الموقف الصينيّ وميضاً أكثر من توليده انفجاراً. بعد عقود من الإشارات العدوانيّة، لم تهاجم الصين علناً الأراضي أو الوحدات العسكريّة التايوانيّة منذ أواسط الستينات. من ناحية ثانية، وعلى الحدود الهنديّة وبحر الصين الجنوبيّ، تحرّكت الصين نحو أراض سيّدة من دون إخطار كبير مسبق. في كلتا الحالتين، كان التوسّع الصينيّ انتهازيّاً ومستغلّاً مزيّة فراغ عسكريّ أو إداريّ من أجل "تغيير الوقائع على الأرض" فجأة.
بحسب هوبر، إنّ أسس "إعادة التفاوض" على الحدود الروسية الصينية عميقة. تشاجرت وتنازعت الصين وروسيا حول حدودهما طوال عقود، بينما لم يأتِ الحل "الرسميّ" إلا في 2008. بالنسبة إلى نزاع حدوديّ عمره قرون من الزمن ويسبق الوجود الرسميّ لكلتا الدولتين، بإمكان الصين بسهولة ادّعاء ذريعة لإلغاء الاتّفاقات الحاليّة والمطالبة بإعادة روسيا لفلاديفوستوك ونحو 60 ألف كيلومتر مربع احتفظت بها روسيا سنة 1860.
بالرغم من الاتّفاقات التي أعلنت أنّ كلّ المسائل العالقة قد تمّت تسويتها، لا تزال الصين تبقي خياراتها التوسعيّة مفتوحة. ويشير هوبر إلى أنّ الصين تواصل تسمية فلاديفوستوك، البوّابة العسكريّة والتجاريّة لروسيا على المحيط الهادئ، بالاسم القديم للمدينة "هَيشنواي"، أو "خليج خيار البحر".
وتابع الكاتب أنّ أساس المطالبة بأراضٍ شماليّة، بالرغم من أنّه واهٍ، موجود. تشير السجلّات الصينيّة التاريخيّة إلى أنّ المستكشفين الصينيّين وصلوا إلى الدائرة القطبيّة الشماليّة في عهد سلالة تانغ، إن لم يكن قبلها، ممّا يسمح للصين بتقويض الشرعيّة الإقليميّة لروسيا. حتى ولو كانت المزاعم مسرفة، فإن التمرين الذهنيّ يستحقّ العناء. الحصول على موطئ قدم، أي موطئ قدم، شماليّ الدائرة القطبيّة يسمح للصين بأن تطالب رسميّاً بتصنيفها كقوّة قطبيّة.
بذلت الصين جهوداً كبيرة على المستوى العالميّ لتقليل أيّ اختلافات بين الإثنيّة الصينيّة والجنسيّة الصينيّة. في الوقت الذي يغوص أقصى الشرق الروسيّ في الركود الاقتصاديّ بفعل تجاهل النخب في موسكو، يمكن أن يجد العديد من المواطنين الروس من أصول صينيّة إغراء في إعادة النظر بولاءاتهم الوطنيّة. وإعادة التوطين القسريّة للأوكرانيّين في المنطقة ستدهور بشكل إضافيّ التجانس الاجتماعيّ لروسيا الآسيويّة.
وفقاً لهوبر، بوجود شخصين إلى ثلاثة أشخاص في الكيلومتر المربّع الواحد، فإنّ المساحة الشاسعة لروسيا الآسيويّة خالية بشكل أساسيّ وجاهزة للضمّ ولتسوية سهلة. المواطنون الروس في تلك المنطقة يتوجّهون بشكل كبير غرباً نحو المدن الأكثر رونقة في روسيا الأوروبّيّة. خلال بضع سنوات، لن يعود هناك ببساطة العديد من المواطنين من الإثنيّة الروسية في الأراضي الشرقيّة.
إلى جانب المساحات الشاسعة المفتوحة، تعدّ روسيا الآسيويّة غنيّة بالموارد وقادرة على تغذية صعود الصين طوال عقود. ومع التغيّر المناخيّ، قد تزدهر الأراضي الشرقيّة القاتمة لأراضي روسيا الآسيويّة متحوّلة إلى سلّة خبز آسيويّة أساسيّة تشتدّ الحاجة إليها.
مع تدهور سمعة روسيا العسكريّة، واستجداء الجيش الروسيّ الإمدادات من إيران ودول سوفياتيّة سابقة متنوّعة، لم يبقَ سوى القليل من الترسانة الروسيّة التقليديّة لردع الاعتداء العسكريّ الروسيّ. ومن خلال التطبيق الحذق لاستفزازات المنطقة الرماديّة بالتوازي مع استغلال ذكيّ لمشاعر عالميّة سلبيّة تجاه نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإمكان الصين إثارة توترات قديمة والتقدّم بمطالب أو حتى تغيير "الوقائع على الأرض" سريعاً، بحيث لن يقدم أحد على الكثير من الاعتراض.
لدى الرئيس الصيني اليوم قوّة كافية لدعم حتى أكثر المطالبات الإقليميّة "استفزازاً" كما كتب هوبر. لكن من جهة ثانية، لا تحتاج الصين ولا تريد صراعاً من شأنه تحفيز مقاومة عالميّة كما هي الحال مع أوكرانيا. إن تعرية روسيا المحتضرة حتى النخاع قد يقدّم عائداً استثماريّاً أعظم بكثير من الاندفاع القتاليّ ضد تايوان في المدى القريب. لن تكون روسيا أبداً أضعف مما هي عليه اليوم، بينما قد تتغيّر مواقف التايوانيّين فعلاً بمرور الوقت.
في الوقت نفسه، يرى الكاتب أن تايوان ستكون مصدر إلهاء نافع جداً يغذّي الهوس التكتيكيّ الأميركيّ بينما يلهي التركيز الأميركيّ الاستراتيجيّ عن مناطق حسّاسة أخرى. إذا تحركت الصين ضد تايوان في المدى القريب، سيكون النزاع الموسّع حتمياً. لكن إذا زادت الصين التوتّرات الحدوديّة وحصلت بنجاح على تنازلات إقليميّة روسيّة في الشمال فبإمكانها الوصول إلى موارد جديدة ومخزونات بروتينيّة جديدة مع تغذية شعور المظلومية في البلاد بتصوير التوسّع الصيني على أنّه مبرّر وقدريّ، مقابل أثمان ضئيلة جداً.
ولا يستبعد الكاتب حتى أن يحصل شي على احترام دوليّ ولو متردّداً للمساعدة في إطاحة رئيس روسيّ "مارق".