النهار

التشاؤم يسيطر على سكّان الحاويات المخصّصة للناجين من زلزال تركيا... "هدفنا الوحيد أن نعيش يوماً آخر"
المصدر: أ ف ب
التشاؤم يسيطر على سكّان الحاويات المخصّصة للناجين من زلزال تركيا... "هدفنا الوحيد أن نعيش يوماً آخر"
فوزي سيسليوغلو (65 عاما) يقف عند باب الحاوية (12 ك2 2024، أ ف ب).
A+   A-
فقدت مولودة أيدين ابنتها وزوجها وحوالى عشرة من أقاربها في الزلزال الذي ضرب تركيا في السادس من شباط 2023. وفيما باتت تعيش في حاوية، لا تستطيع هذه المرأة البالغة من العمر أربعين عاماً زيارة قبورهم.

وممّا يزيد الأمر صعوبة بالنسبة إليها، تحوُّل مدينتها  القديمة انطاكية في جنوب تركيا إلى حقلٍ من الخراب لا يمكن التعرّف عليه.

وتقول من إحدى مدن الحاويات الكئيبة في محافظة هاتاي، حيث يتكدّس الناجون من زلزال السادس من شباط 2023، "أود أن أذهب إلى المقبرة... لكني لا أستطيع. لا أريد أن أرى المدينة في هذه الحالة. إنّها تُشعرني بالمرض".

وأدّى الزلزال، الذي بلغ 7,8 درجات والذي وقع بعد منتصف الليل، إلى مقتل أكثر من 50 ألف شخص في جنوب تركيا، كما دمّر مدناً بأكملها.

غير أنّ انطاكية كانت الأكثر تضرّراً، حيث دُمر حوالى 90 في المئة من المباني أو بات من الضروري تدميرها، في هذه المدينة المجاورة لسوريا، والتي تضمّ أهم الحضارات.

بعد خسارة كلّ شيء، كان على الناجين أن يرتجلوا حياة جديدة في هذه الحاويات المصطفّة في ما يشبه معسكرات اعتقال، بوجود أسوار وحرّاس بوجوه عابسة عند المدخل.

ولم يتم إرسال بعض هذه الحاويات إلا في الأسابيع الأخيرة، نظراً إلى الاحتياجات الكبيرة.

- "لا أهداف" -
تقول شاغلا إيزر (31 عاماً) وهي أمّ لطفلين تعيش في حاوية أخرى مزوّدة بالمياه والكهرباء مجّاناً، "لم تعد لدينا حماسة، ولم تعد لدينا أهداف"، مضيفة أنّ "هدفنا الوحيد أن تمرّ الأيام، وأن نعيش يوماً آخر".

يقدِّر القادة المحلّيون أنّ عدد سكّان هاتاي انخفض من 1,7 مليونا إلى 250 ألف نسمة، يعيش ثلاثة أرباعهم في حاويات على الرغم من تعهّد الرئيس رجب طيب إردوغان إعادة بناء انطاكية خلال "ما يزيد قليلاً عن عام".

وبعدما كانت هذه المدينة ذات تراث غني، كما عُرفت بالحياة الليلية المفعمة بالحيوية، باتت الآن مجرّد خليط من الأراضي البور التي كانت ذات يوم موقعاً لمباني سكنية.

أقام فوزي سيسليوغلو حاوية خضراء في إحدى أراضيه المليئة بالحطام، والتي كانت تضمّ متجر معدّات خاصّ به.

يقول الرجل الستيني بصوت أجش بسبب معاناته من مرض سرطان الحنجرة، "أبيع ما لم يُنهب من متجري القديم".

ويضيف "ليس لدي كهرباء ولا ماء، كما أنّ عدد الزبائن قليل جداً. ولكن يجب أن أستمر. يجب أن أعتني بزوجتي وطفلَي".

- "استعادة المعنويات" -
يعرب آخر تجّار منطقة "أوزون شارشي" (uzun çarsi) عن تشاؤمهم أيضاً. هذا  البازار الطويل الواقع في انطاكية هو سوق مغطّى جزيئاًَ يضمّ 1500 متجر، وكان في السابق محطّة مهمّة على طريق الحرير.

حالياً، تخطّط السلطات لإغلاقه والبدء في هدم ما تبقّى منه بحلول شهر أيار، لإعادة بناء سوق جديد أكثر أماناً.

ويقول محمد هانشر غوندوز رئيس جمعية تجّار البازار، وهو يتناول كوباً من عصير الجزر "آمل في أن نشهد أياماً أفضل، وأن يصبح لدينا سوق أجمل من ذي قبل".

من جهته، يجد رسيم ديفير وعائلته القليل من الفرح، بوجود مطعم تمّ بناؤه بعد الزلزال من الفولاذ والخشب.

ولكنّ العديد من الناجين لا يزالون يخشون دخول المباني الصامدة، في ظلّ شعورهم بالصدمة جراء تذكّر المباني التي انهارت على ساكنيها في غضون ثوانٍ.

ويقول رسيم ديفير أثناء تناول وجبته، "هذا واحد من الأماكن النادرة التي تساعدنا على الهروب من التوتر". ويضيف "نحن بحاجة إلى استعادة المعنويات للبقاء على قيد الحياة هذه الأيام".

- ألعاب الأطفال -
يقدّر صاحب المطعم مصطفى كسّاب، أنّ الأمر سيستغرق جيلاً أو جيلَين على الأقل حتى تبدأ انطاكية في استعادة رونقها وتزدهر الأعمال فيها من جديد.

ويقول متأسّفاً "لا يوجد عدد كافٍ من الناس. ولم يتمكّن الناس بعد من التغلّب على الآثار النفسية للزلزال. كما أنّهم يعانون مادياً".

بدورها، ترى يازغين دانيسما أنّ الصدمة تتبلور عبر أطفالها الثلاثة، حتى من خلال الألعاب التي يلعبونها في زقاق بلا روح تصطف على جانبيه الحاويات.

وتقول "يتحدّث الأطفال عن مغادرة المكان، عن حزم أمتعتهم والهروب. وفي كلّ مرّة يلعبون، ينتهي الأمر (بشعور) بهزّة أرضية غير حقيقية".

غير أنّ المرأة الثلاثينية تضيف "لكنني أريد البقاء، والعيش في انطاكية".
الكلمات الدالة
إعلان

اقرأ في النهار Premium