النهار

خطر جسيمات البلاستيك الدقيقة يتمدّد إلى أنتركتيكا
المصدر: أ ف ب
خطر جسيمات البلاستيك الدقيقة يتمدّد إلى أنتركتيكا
غواصون من البحرية الكولومبية يأخذون عينات من خليج بورت لوكروي على الشاطئ الشمالي الغربي لجزيرة وينكي في أرخبيل بالمر غرب شبه جزيرة انتركتيكا (22 ك2 2024، أ ف ب).
A+   A-
يشكّل وجود الجسيمات البلاستيكية الدقيقة حتى في مياه القطب الجنوبي المعزولة عن التدهور البيئي والمحمية جيداً، مؤشراً إلى المدى الذي بلغه تلوّث العالم بها.

في النظام البيئي الهش والمعزول في أنتركتيكا، يرمي الباحث الكولومبي باولو تيغريروس شبكته في المياه الجليدية لجمع جزيئات صغيرة.

مثل الغربال، تسمح الشبكة بمرور المياه وتحتفظ بالجزيئات الصلبة الصغيرة التي تطفو في هذه المياه الجليدية في مضيق غيرلاش، وهو ممر طبيعي يبلغ طوله حوالى 160 كيلومتراً يفصل بين أرخبيل بالمر وطرف شبه جزيرة أنتركتيكا.

هذا المكان الموجود في أقاصي الأرض، بعيداً عن صخب الكوكب، من المفترض أن يكون بمأمن من التدهور البيئي الذي يؤثر على بقية مناطق العالم.

وتتيح فحوص مجهرية وتحليلات أخرى تحديد مستوى المواد البلاستيكية الدقيقة التي تحتوي عليها العينات التي يتم جمعها. ويتراوح حجم هذه الجزيئات - غير المرئية في أغلب الأحيان بالعين المجردة - المصنوعة من البوليمرات ومركّبات سامة أخرى، بين جزء من الألف من الميليمتر وخمسة ميليمترات.

- تهديد قاتل -
بالنسبة لعالم الأحياء البحرية البالغ 51 عاماً وزملائه العلماء على متن سفينة "ارك سيمون بوليفار" التابعة للبحرية الكولومبية، ليس هناك من شك في أن هذه الجسيمات وصلت بالفعل إلى القارة القطبية الجنوبية، حيث تلتقي مياه المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي والهندي.

ونتيجة للتلوث واسع النطاق لمياه العالم من خلال ملايين الأطنان من النفايات، جرى بالفعل إثبات وجود هذه الجزيئات مرات عدة في هذه المحيطات.

هذه المواد البلاستيكية الدقيقة هي نتيجة التحلل الفيزيائي والكيميائي لأجسام تحتاج مئات السنين لتتحلل. ولم يتم درس تأثيراتها إلا منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكنها لا تزال غير معروفة كثيراً.

ويشير تيغريروس إلى أن هذه الجزيئات موجودة بالفعل في كل مكان في المحيطات، ويمكن أن تكون آثارها قاتلة للحيوانات والنظم البيئية.

ويقول خورخي تاديو لوزانو، الباحث في جامعة بوغوتا الذي رافق البعثة العلمية العاشرة للبحرية الكولومبية، لوكالة فرانس برس "نعتبر أنتركتيكا قارة معزولة تماما" عن النشاط البشري، لكنها "تعكس المشاكل البيئية" التي يعاني منها الكوكب.

وكشفت الأبحاث التي أجرتها جامعة كانتربري النيوزيلندية عام 2019 عن وجود مواد بلاستيكية دقيقة في ثلوج القطب الجنوبي، بينما يُنتج البشر أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك كل عام في جميع أنحاء العالم، بحسب الأمم المتحدة.

على الرغم من بعدها، فإن "القارة البيضاء" معرضة بشدة للتهديدات الخارجية، ما يثير قلق تيغريروس.

وقد تكون هذه الجسيمات وصلت إلى هناك بشكل طبيعي، محمولة بواسطة تيارات المحيط المتجهة جنوباً. ويمكنها أيضاً التنقل في الغلاف الجوي أو في فضلات الثدييات والأسماك البحرية التي تهاجر، في أوقات معينة من السنة، إلى المناطق الاستوائية لتعود بعد بضعة أشهر.

باستخدام كمّاشة في يده، يمسك الباحث بقشريات الكريل وبعض الطحالب المستخرجة من العينة. وتقتات القشريات على هذه الطحالب المجهرية التي تسمى العوالق النباتية، ولكنها غالباً ما تخلط بينها وبين الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تطفو في بيئتها نظراً لصغر حجمها.

ويشكل الكريل في ذاته أساس استهلاك حيوانات كثيرة أخرى أكبر حجماً. وتتأثر تالياً بقية السلسلة الغذائية برمتها بهذا التلوث بالجزيئات لدى الكريل.

ويقول تيغريروس "عندما يتغذى الحوت على هذا الكريل، من المرجح أن يدخل البلاستيك الدقيق إلى أمعائه"، ما يؤثر على نظام الرئة والجهاز التناسلي وحتى قدرته على السباحة.

ويعاني الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي، بما فيه من طيور بطريق وفقمات، منذ سنوات من ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، التي أطلقت للتو رحلة استكشافية مع الأرجنتين حول هذا الموضوع، فإن المواد البلاستيكية الدقيقة يمكن أن تُلحق المزيد من الضرر بالقارة البيضاء الشاسعة "من خلال تقليل انعكاس الجليد، وتعديل خشونة السطح، وعن طريق تحفيز النشاط الميكروبي" و"العمل كعازل حراري".

وبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن ذوبان الأنهر الجليدية، التي تحتوي على 90% من المياه العذبة على الكوكب، يمكن أن يتسبب في ارتفاع منسوب مياه البحر بما يصل إلى 60 مترا.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium