بعدما ضاق ذرعا بالاضطهاد السياسي والعنصري في موطنه موريتانيا، قرّر باري الرحيل. اختار الذهاب إلى الولايات المتحدة عبر الحدود مع المكسيك في تموز، على غرار عدد متزايد من الأفارقة.
من خلال تصفّحه وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على نصائح حول الهجرة غير الشرعية، وجد أن الرحلات البحرية المحفوفة بالأخطار بمراكب متهالكة إلى أوروبا، لم تكن الخيار الوحيد، بل كانت هناك إمكانية الذهاب إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك.
وتعكس رحلة باري الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، في تموز واقعا متزايدا: الحدود الجنوبية للولايات المتحدة أصبحت بوابة لطالبي اللجوء من كل أنحاء العالم وليس فقط للمهاجرين من أميركا اللاتينية.
لم يجتز باري أوروبا فحسب، بل اجتاز أيضا مدنا ساحلية في الولايات المتحدة تعرف تقليديا باكتظاظها بالمهاجرين، وشق طريقه إلى عاصمة الغرب الأوسط كولومبوس، في أوهايو، التي أصبحت موطنا لجالية موريتانية متنامية.
وقال هذا الموظف السابق في منظمة غير حكومية "أريد فقط استعادة حريتي في التعبير"، متحدثا عن حملات قمع شنّتها السلطات العام الماضي على الناشطين والمتظاهرين في موريتانيا الواقعة في غرب إفريقيا والمعروفة بالتمييز ضد مواطنيها السود.
وفي حين تكافح الدول الغنية للتكيف مع عصر الهجرات الجماعية، غالبا ما تركّز السلطات هناك على الطرق البحرية الخطرة من إفريقيا إلى أوروبا والتدفق المستمر شمالا من دول أميركا اللاتينية الفقيرة.
لكن من بين حوالى 2,5 مليوني عملية عبور سجلتها هيئة الجمارك وحرس الحدود الأميركية في العام 2023، أتى 1,26 مليون شخص من خارج بلدان عادة ما يأتي منها المهاجرون مثل المكسيك والهندوراس وغواتيمالا والسلفادور.
ويمثل ذلك زيادة بنسبة 234% عن العام 2021 عندما عبر حوالى 378 ألف مواطن من دول "أخرى" الحدود الجنوبية.
بالنسبة إلى الأفارقة، سجّل حرس الحدود أكثر من 58 ألف عملية عبور عام 2023، أي بزيادة 346 % مقارنة بالعام السابق.
وكان حوالى 15 ألفا منهم من الموريتانيين، أي أكثر من مجموع الأفارقة الذين عبروا العام السابق (13 ألف إفريقي).
- رحلة بمعظمها قانونية -
كانت رحلة باري بمعظمها قانونية. سافر إلى تركيا أولا ثم إلى أميركا الجنوبية قبل أن يتجه شمالا عن طريق البر. وغالبا ما تتم مشاركة الطرق، المتغيّرة باستمرار، على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر "وكالات سفر تزعم أنها قانونية" في غرب إفريقيا وفق مسؤولي الحدود الأميركيين.
في تشرين الثاني، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة طيران مكسيكية معروفة بنقل الكوبيين والهايتيين إلى نيكاراغوا التي تجعلها سياستها المتساهلة من حيث التأشيرات بلدا مفضلا للراغبين في دخول الولايات المتحدة.
وقد تدفع الجهود التي تبذلها أوروبا لإغلاق طرق الهجرة عبر الصحراء والبحر الأبيض المتوسط، عددا متزايدا من الأشخاص نحو الولايات المتحدة، بحسب بعض الخبراء.
وقال دودا سيساي، مدير الشبكة الوطنية لمنظمة "أفريكان كوميونيتي توغيذر" غير الربحية الأميركية "أنتم ترون كيف يقومون بدوريات في هذه المنطقة. الآن يسلك الأفراد طريقا آخر".
- "أردت المجيء بشكل شرعي" -
تعيش في مدينة كولومبوس في ولاية أوهايو جالية موريتانية منذ عقدين، وهي مؤلفة من لاجئين مثل عائلة هولي ثيام (42 عاما)، رئيسة "الشبكة الموريتانية لحقوق الإنسان".
وقالت لوكالة فرانس برس إن سكان المدينة الموريتانيين ازداد عددهم من 4 آلاف إلى ما بين 7 و8 آلاف.
وأضافت ثيام التي تستيقظ أحيانا مع 25 رسالة صوتية على واتساب من أشخاص يطرحون أسئلة تتعلق بالهجرة "لا تعلمون أنهم قادمون حتى يصلوا إلى هنا".
وتشكّل الهجرة مسألة خلافية متفاقمة قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني 2024.
ويتنازع حرس الحدود الوطني في تكساس ودوريات الحدود الفدرالية بشأن مراقبة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، في حين يجعل المرشح الجمهوري دونالد ترامب من المخاوف بشأن الهجرة غير الشرعية محور حملته الرئاسية.
من جهته، قال إبراهيما، وهو مواطن موريتاني آخر وصل أخيرا إلى سينسيناتي في ولاية أوهايو، وهي مدينة تضم جالية موريتانية كبيرة ومتنامية، إنه كان يرغب "في المجيء بطريقة شرعية".
وكان الشاب البالغ 38 عاما يبحث دون جدوى عن منحة دراسية في أوروبا. لكن وبعد مشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة في وطنه، سجن وتعرّض للتعذيب بحسب قوله.
لديه شقيق أكبر يعيش في الولايات المتحدة ويحمل الجنسية الأميركية. لكن بدلا من المرور بعملية طويلة للهجرة النظامية إلى الولايات المتحدة، عبر المكسيك وقدّم طلب لجوء.
وقال إبراهيما الذي ينتظر الحصول على إجازة عمل فيما يأخذ طلب لجوئه مساره القانوني "أريد أن أشارك في تنمية الاقتصاد الأميركي".