تعكس تشكيلة الائتلاف الحكومي الجديد في باكستان، والمشابه لائتلاف عام 2022 الذي أعقب إطاحة رئيس الوزراء السابق المسجون عمران خان، النفوذ المستمر للجيش، وكذلك القوة التي ما زالت تحتفظ بها المعارضة.
وأعلنت الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة نواز شريف وحزب الشعب الباكستاني بزعامة بيلاول زرداري في مؤتمر صحافي في وقت متقدّم الثلثاء أنهما سيشكّلان الحكومة المقبلة مع أحزاب صغيرة.
ورغم تعرّض حزب "حركة الإنصاف الباكستانية" بزعامة عمران خان لقمع شديد، إلّا أنّ أداء المرشحين المستقلين الذين دعمهم فاق التوقّعات في الانتخابات التي جرت الخميس الماضي.
ومُنع الحزب من خوض انتخابات الخميس كحزب. وحصل المستقلون الموالون لخان على نحو 90 مقعداً من أصل 266 في البرلمان. ويؤكد مسؤولون في حركة الإنصاف أنّهم كانوا سيفوزون بمقاعد أكثر لولا تزوير الأصوات.
ولا يمكن للمستقلين تشكيل حكومة رغم حصولهم على العدد الأكبر من المقاعد إذ يفترض أن يشكّل حزب معترف به أو ائتلاف أحزاب الحكومة.
وقالت المحللة السياسية حفصة خواجة لوكالة فرانس برس "كلما تغيرت الأمور، بقيت على حالها" مضيفة "إنه الترتيب ذاته لكنه فقط جاء بختم هذه الانتخابات".
- إعادة ضعيفة -
وهناك دلائل على أن هذه الحكومة قد تكون أضعف من تلك التي سبقتها.
وكان زعيم حزب الشعب الباكستاني بيلاول بوتو زرداري وهو نجل رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو والرئيس السابق علي آصف زرداري، أكد أن حزبه هذه المرة لن يتولى مناصب وزارية وسيدعم رئيس الوزراء "كل قضية على حدة".
وهناك على الأرجح المزيد من المفاوضات، بما في ذلك عودة محتملة لوالده إلى منصب الرئاسة.
وترى المحللة أمبر رحيم شمسي، أنه إذا لم يحصل حزب الشعب الباكستاني على أي وزارة، فإن ذلك سيجعل الإدارة فعليا حكومة أقلية، وهي نسخة من التحالف السابق لكن على "أساس أضعف".
وبحسب شمسي "مهما كانت الحكومة التي تصل إلى السلطة، عليها أن تتخذ العديد من القرارات الصعبة التي لا تحظى بشعبية".
وأضافت أن حزب الشعب الباكستاني "يبتعد عن هذه الفوضى" في محاولة لدعم آفاقه على المدى الطويل.
وتواجه الحكومة المقبلة، بغض النظر عن النتيجة، سلسلة من التحديات.
ويعتمد الاقتصاد الباكستاني المثقل بالديون منذ عقود على صفقات إنقاذ متتالية من صندوق النقد الدولي وقروض من دول الخليج العربية الغنية التي تستخدم الباكستانيين كعمالة رخيصة.
ويتسارع معدل التضخم إلى نحو 30 في المئة، وفقدت العملة المحلية نحو 50 % من قيمتها منذ العام 2021، وأدى عجز ميزان المدفوعات إلى تجميد الواردات، ما أعاق النمو الصناعي بشدة.
- تأثير الجيش -
بينما توقّع محللون أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تهميش حزب خان إلى حد كبير منذ تعرضه لقمع شديد منذ إطاحته، فاقت نتائج هذه الانتخابات التوقعات.
وتقول خواجة "المؤسسة حاولت تفكيك الحزب، لكنها في نهاية المطاف لم تتمكن من تهميشه".
وبحسب خواجة فإن "حزب حركة الإنصاف لن يذهب إلى أي مكان حتى لو أضعف كحزب".
ويلقى عمران خان الذي وصل إلى السلطة العام 2018 وأطيح بموجب مذكرة حجب ثقة في نيسان 2022، دعما شعبيا واسعا في باكستان.
وخان، نجم الكريكت السابق، ملاحق في إطار أكثر من 200 قضية منذ إطاحته ويعتبر أن هذه الملاحقات مدفوعة باعتبارات سياسية.
واتهم الجيش الذي سانده للوصول إلى الحكم في 2018 لكنه فقد دعمه لاحقا بحسب محللين، بالسعي إلى منعه من العودة إلى السلطة.
وبقي الجيش في السلطة على مدى حوالى نصف تاريخ البلاد الممتد على 75 عاما، ولا يزال يحظى بنفوذ سياسي كبير.
ويؤكد حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية أن مرشحه لتولي منصب رئيس الوزراء هو شهباز شريف الذي قاد الحكومة عقب إطاحة خان.
ويرى محللون أن تشكيل ائتلاف هش سيكون مناسبا للمؤسسة العسكرية التي تبقى حريصة على ممارسة نفوذها على الشؤون المدنية خصوصا بعد تحدي عمران خان لها.
ويؤكد قمر شيمان وهو خبير سياسي في معهد سانوبر للابحاث في إسلام اباد أن "الجيش يواجه معضلة في ما يتعلق بهؤلاء السياسيين".
وأشار إلى أن الجيش يعتمد على السياسيين المنتخبين "للمساهمة في تحقيق استقرار أكبر" موضحا أنه "ما لم تحصل هذه الحكومة على دعم شعبي، لن تتمكن من تحقيق أي إنجاز".