النهار

كيف يعيش توأما نرجس محمدي حياتهما في ظل غيابها وراء قضبان النظام الإيراني؟
المصدر: "النهار"
كيف يعيش توأما نرجس محمدي حياتهما في ظل غيابها وراء قضبان النظام الإيراني؟
نرجس محمدي
A+   A-
"الأمر أشبه بلعبة بالنسبة إلى النظام الإيراني الذي يملك جميع الأوراق في أيديه، وفي كل مرة تعتقد والدتي أنها ملكت ورقة جيدة، يحتالون على القواعد. فوزهم أمر سهل دائماً ونحن جميعاً عاجزون أمام هذه القوة"، بهذه الكلمات اختصرت ابنة الناشطة والحقوقية الإيرانية المُعتقلة نرجس محمدي، كيانا رحماني حديثها، في مقابلة خاصة مع صحيفة الغارديان.
 
وذكرت الغارديان في مقابلة خاصة أجرتها مع توأمي نرجسي أنه "في كانون الأول (ديسمبر) 2023، بعد ساعة أو أقل من وقوفها على المسرح لتسلّم جائزة نوبل للسلام نيابةً عن والدتها، وجدت كيانا (17 عاماً) نفسها تحدّق في خطوط خريطة زنزانةٍ مرسومةٍ على أرضية مركز نوبل للسلام في أوسلو، كجزء من معرض تذكاري يخلد ما وصفته اللجنة بـ"كفاح محمدي لتعزيز حقوق الإنسان والحرية للجميع".
 
وعُرض خلال هذا الحدث العالمي شريط كان عبارة عن إشارة لأبعاد زنزانة عزل محمدي في السجن المشهور إيفين في طهران، لا تتخطى مساحتها المترين في 3 أمتار. وهي الزنزانة التي احتُجزت فيها لمدة 64 يوماً عام 2021.
 
 
وقالت كيانا للغارديان إنها حين رأت الشريط الذي يُظهر حجم زنزانة احتجاز والدتها أدركت أنها لم تفكر قبل ذلك في مدى صغرها. وأضافت: "أن تكون محصوراً في مكان لا يتخطى حجم طاولتين مدموجتين، تساءلت: كيف لم تفقد عقلها؟ وأدركت ما كان يحدث في إيران فعلياً. سمعت الناس يرددون اسم والدتي. عدت وأنا شخص أكثر حكمة وتقدماً".
 
وكشفت منظمة العفو الدولية حينذاك أنها "تعرضت للتعذيب ولمعاملة غير إنسانية، بما في ذلك إبقاؤها تحت الأضواء الساطعة على مدار 24 ساعة يومياً وحرمانها من الوصول إلى الهواء النقي والضوء الطبيعي".
 
لكن هذا الاحتجاز ليس الأول في حياة محمدي، المليئة بالنضال والمناصرة والشجاعة ومناهضة النظام الإيراني الإسلامي، والدفاع عن الحقوق والحريات.
 
وبحسب مقابلة الغارديان مع توأمي محمدي، رأت كيانا وشقيقها علي والدتهما للمرة الأخيرة قبل تسع سنوات حين غادرا إيران للانضمام إلى والدهما، الناشط السياسي تقي رحماني، في المنفى في باريس. واعتبرا في حديثهما أن الحكم الأخير هو "فعل آخر من أفعال التعذيب التي ترتكبها السلطة الإيرانية بحق عائلتهم"، إذ سُجنت محمدي في إيران طوال معظم حياة طفليها، وعلى الرغم من ذلك، كشفا للغارديان أنهما على الرغم من أنهما يعيشان الآن كمنفيين في باريس، لن يفقدا الأمل أبداً في رؤيتها مرةً أخرى.
 
اليوم، نشأ كيانا وعلي ليصبحا شاباً وشابة يتعلمان ويحاولان التكيف والتعامل مع غياب والدتهما. واستطاع علي أن يحوّل ألمه إلى نشاط حقوقي، فانضم إلى والديه في الحملات من أجل الإصلاح السياسي والعدالة في إيران. أما كيانا، فتأقلمت على الحياة من دون والدتها عبر بناء أحلامها الخاصة عن حياةٍ طبيعية.
 
من جهته، قال علي في حديثه مع الغارديان: "نحن بحاجة إلى مواصلة رفع صوتنا ومناصرتنا لقضية والدتي، لكننا نمثل أيضاً عائلات أخرى عدة في إيران اختُطِف أحباؤها وغابوا عنها".
 
وأوضح الناشط الذي يمشي على خطى والديه في مناصرة حقوق الإنسان ومعارضة النظام القمعي، أنه "منذ قمع احتجاجات النساء، الحياة، الحرية، التي اندلعت بعد مقتل مهسا أميني في أيلول (سبتمبر) 2022، تغيّر العالم".
 
نرجس محمدي... اختبار السجن في سنٍ صغيرة
أثناء دراستها للفيزياء في الجامعة بدأت كتابة مقالات تدعم وتناصر حقوق النساء والفتيات في صحيفة الطلاب. وعلى إثر ذلك، تعرّضت محمدي للاعتقال من قبل النظام الإيراني المتشدد للمرة الأولى في حياتها بين عامي 1998 و1999. وبدأت بعدها رحلةً طويلةً من الدخول إلى السجن والخروج منه حتى اليوم، فهي محاصرة وراء قضبان النظام الإسلامي القمعي، وتتعرّض دائماً للتعذيب النفسي والجسدي.
 
خلال مسيرتها، اعتقلت السلطات الإيرانية نرجس محمدي نحو 13 مرة، وحكمت عليها بالسجن 31 عاماً، و154 جلدة.
 
فازت محمدي بجائزة نوبل للسلام في كانون الأول (ديسمبر) 2023 بسبب نشاطها المدافع عن الحقوق والحريات وقضايا النساء، لكنها لم تتمكن من تسلّمها بسبب وجودها المستمر في السجن. لكنها لم تكن الجائزة الأولى التي تُمنح لمحمدي، فقد حصلت على جائزة ألكسندر لانغر عام 2009، وجائزة بيير أنغر، وجائزة الحكومة السويدية الدولية لحقوق الإنسان عام 2011. وفي نهاية عام 2016 حصلت على جائزة حقوق الإنسان لمدينة فايمار الألمانية.
"لا شيء يعوّض وجود الأم"
 
ختمت كيانا حديثها للغارديان بالقول: "على الرغم من أن والدهما يحاول قدر المستطاع تعويضهما عن غياب والدتهما لكن لا شيء يمكنه أن يملأ الفراغ الذي أعاني منه بسبب غياب والدتي عني".
 
أما علي فأكد أن العائلة لن تتوقف عن الكفاح والنضال للمطالبة بالإفراج عن والدته واستعادة حريتها. وقال إن والدته هي "الشخص الأول الذي يخطر في بالي حين أستيقظ في الصباح". وأضاف: "الآن، كل ما أقوم به في حياتي يسهم في ما تكافح من أجله. أتذكرها وهي طفلة، كانت دائماً لطيفة ومبتسمة. حتى الآن، بعد كل هذه السنوات، ستبقى دائماً في قلبي. ويجب أن أستمر في إيماني بأنني سأراها مرة أخرى يوماً ما".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium