لطالما صوّر الجمهوريون أنفسهم على أنهم الأميركيون الوطنيون الأكثر دفاعا عن الديموقراطية وتشددا في مواجهة الكرملين، لكنهم يبدون اليوم أكثر استعدادا للانعزالية وحتى التودد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يبدو التحوّل اللافت جليا بشكل يومي، من تعبير دونالد ترامب عن تأييده لاجتياح روسيا دولا منضوية في حلف شمال الأطلسي لا تساهم ماليا بما يكفي، وصولا إلى إجراء نجم الإعلام المحافظ تاكر كارلسون مقابلة مع بوتين لمدة ساعتين طرح عليه خلالها أسئلة ملطّفة.
ولعل الموقف الأكثر وضوحا هو منع الجمهوريين تجديد المساعدات الأميركية للجيش الأوكراني فيما يكافح للصمود مع دخول الغزو الروسي عامه الثالث.
يبدو الوضع مغايرا تماما لما كان عليه في ثمانينات القرن الماضي عندما قاد الجمهورين في عهد رونالد ريغان الانتصار الغربي خلال الحرب الباردة.
وقالت رايتشل دين ويلسون، مديرة الاتصالات السابقة للسناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، لفرانس برس إن الحزب "عند مفترق طرق خطير".
وما زالت صفوف الجمهوريين تضم شخصيات شبيهة بماكين تؤيد اتباع سياسة ديبلوماسية مشددة، على حد قولها، لكن زخمهم يتراجع في وقت يتم استبدال الحرس القديم بشكل ثابت بنواب جدد أقل اهتماما بالحد من نفوذ موسكو.
وقالت ويلسون التي تشغل منصب مديرة "تحالف حماية الديموقراطية" في "صندوق مارشال الألماني" في واشنطن "أشعر بقلق بالغ حيال ازدياد الانعزالية والتعاطف مع الشخصيات الاستبدادية مثل فلاديمير بوتين والاستعداد الواضح للتخلي عن حلفائنا... إنه أمر يتناقض مع ما دافع عنه الحزب الجمهوري منذ زمن طويل".
ماذا حدث فجأة؟ الإجابة هي ترامب، بحسب ريتشارد ستنغل الذي كان مساعد وزير الخارجية للديبلوماسية العامة في إدارة باراك أوباما.
وقال لفرانس برس إن "الولاء لشخص واحد هو العامل المحدد أكثر من أي أمر آخر لانعزالية الحزب الجمهوري".
- حصن ينهار؟ -
ورث ريغان إيديولوجيا حزبية نشأت في عهد دوايت أيزنهاور الذي هزم الجمهوريين الانعزاليين عام 1952 وفاز بالرئاسة وقاد دولته لتزعّم العالم.
لكن الحزب الذي كان في الماضي مرادفا لمواجهة الجواسيس "الشيوعيين" والمطالبة بميزانيات عسكرية هائلة للتصدي للامبراطورية السوفياتية "الخبيثة" بات الآن يقلل من أهمية دعم اوكرانيا، الديموقراطية الحليفة لواشنطن التي تخوض معركة حياة أو موت في مواجهة الكرملين.
وفي تصريح لخّص هذه النزعة الانعزالية الجديدة، قال السناتور الجمهوري جاي.دي. فانس "علينا إصلاح بلدنا قبل تكريس المزيد من الموارد لأوكرانيا".
لم يخف بايدن دهشته قائلا للصحافيين مؤخرا "الطريقة التي يديرون من خلالها ظهورهم للتهديد الروسي، الطريقة التي يديرون من خلالها ظهورهم للناتو.. إنها صادمة".
ذهبت عضو الكونغرس الجمهورية البارزة ليز تشيني التي طُردت بسبب معارضتها ترامب أبعد من ذلك، مصوّرة انتخابات تشرين الثاني في مقابلة مع "سي إن إن" على أنها فرصة "للتأكد من عدم سيطرة جناح بوتين في الحزب الجمهوري على الجناح الغربي للبيت الأبيض".
وعبر الأطلسي، عكست تصريحات صادرة عن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك حجم القلق المتزايد في أجزاء من أوروبا هذا الشهر حيال تعطيل الجمهوريين تقديم المساعدات لأوكرانيا إذ قال إن ريغان على الأرجح "يتقلّب في قبره".
- "العالم يراقب" -
أيّد معظم الأميركيين تقديم دعم عسكري لأوكرانيا عندما غزتها روسيا في 2022.
لكن الشهر الماضي، خلص استطلاع أجراه "مجلس شيكاغو للشؤون العالمية" إلى أن 29 في المئة فقط من الجمهوريين المؤيدين لترامب يعتقدون بأن المساعدات العسكرية التي تم تقديمها لأوكرانيا تستحق كلفتها، مقارنة مع 46 في المئة من الجمهوريين غير المؤيدين لترامب و59 في المئة من الديموقراطيين.
يشير استاذ العلوم السياسية لدى "جامعة ولاية أيوا" ستيفين شميت إلى شعور بالإنهاك من العولمة.
ويقول "بات جزء كبير من قاعدة الحزب الجمهوري (الانتخابية) شبه انعزالي" بعد عقود من إنفاق الولايات المتحدة الدم والمال في أفغانستان والعراق.
ويتابع "لست متأكدا من أن الأمر مرتبط بالإعجاب ببوتين بقدر ارتباطه بالإنهاك من المساعدات الخارجية والتحالفات الملزمة".
لفت ستنغل أيضا إلى أن النزعة الانعزالية ليست جديدة على الحزب الجمهوري إذ كانت قائمة في مطلع القرن العشرين وقبيل الحرب العالمية الثانية.
واليوم، لم يعد غير قلة من الجمهوريين يدافعون عن الدور الأميركي في الساحة الدولية.
وقالت السناتورة سوزان كولنز أمام مجلس الشيوخ "العالم يراقب... لمعرفة إن كانت الولايات المتحدة ما زالت تتزعّم العالم الحر".