دفع أليكسي نافالني حياته ثمنا لمعارضته فلاديمير بوتين مع تنديده دونما هوادة بقمع النظام الروسي وفساده وغزوه لأوكرانيا، فتعرض للتسميم وأدخل السجن حيث فارق الحياة قبل أسبوعين.
واقيمت مراسم دفنه، الجمعة في موسكو، تحت مراقبة أمنية، بعد جنازة في كنيسة أرثوذكسية جنوب العاصمة الروسية حيث كان يعيش مع أسرته، بمشاركة أنصاره رغم خطر تعرضهم للتوقيف.
وتوافد آلاف من أنصاره للمشاركة في جنازته الجمعة.
وتعد إقامة جنازة هذا المعارض، الذي عرف بتدينه، وفق الطقوس الأرثوذكسية بمثابة تكريم متواضع له انتزعته عائلته، بعدما اتّهمت السلطات بمحاولة منعه من الحصول على جنازة علنية تحفظ كرامته.
بدأت متاعب نافالني البالغ 47 عاما القضائية منذ مطلع سنوات 2010، قبل أن يتعرض لعملية تسمم خطير في العام 2020 نجا منها بأعجوبة. لكنها تركت تداعيات على صحته، فضلا عن ظروف سجنه القاسية في حبس انفرادي غالبا.
كان مسجونا منذ كانون الثاني 2021. وقد صدر في حقه في آب الماضي حكم إضافي بالسجن 19 عاما بعد إدانته بتهمة "التطرف".
ونقل في نهاية العام 2023 إلى سجن ناء في منطقة قطبية في الشمال الروسي في ظروف بالغة الصعوبة أعلنت سلطاته وفاته الجمعة.
واعتبرت محاكماته الكثيرة ذات دوافع سياسية ووسيلة لمعاقبته لمعارضته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- "أحبك أكثر" -
إلا ان إيداعه السجن لم ينل من عزيمته ولا من روح الدعابة لديه.
ففي رسائله عبر الانترنت، كان يسخر من العقوبات التي تفرضها عليه إدارة السجون، والتي كانت تجبره خصوصا يوما بعد يوم على الاستماع بشكل متواصل للخطاب نفسه لفلاديمير بوتين.
خلال آخر جلسات محاكمته المصورة عشية وفاته لم تغب عنه السخرية، حين طلب من القاضي أن يمده بشيء من المال بفضل "أجرته السمينة".
قبلها بيوم وجه رسالة إلى زوجته يوليا نافالنايا بمناسبة عيد الحب، مؤكدا "أشعر أنني بقربك في كل ثانية، أحبك أكثر".
وتعهدت يوليا بمواصلة معركة زوجها من المنفى وقيادة معارضة عمل الكرملين على القضاء عليها بشكل منهجي.
منذ عامين طال القمع أيضا منتقدي الهجوم على أوكرانيا الذي دانه نافالني من الوهلة الأولى معتبرا، خلال محاكمة بتهمة "التطرف" أنها "الحرب الأكثر جنونية في القرن الحادي والعشرين".
وكان يحرص على ابداء دعمه للمعارضين الآخرين المسجونين جراء القمع منددا بقضاء روسي "فاش".
- "مكافحة الرشوة" -
ولد أليكسي نافالني الأشقر طويل القامة العام 1976 قرب موسكو لأب كان يعمل عسكريا، وهو متحدر من قرية أوكرانية أجلي سكانها بعد كارثة تشيرنوبل النووية العام 1986.
درس الحقوق والاقتصاد وعمل محاميا، قبل أن يبدأ مساره السياسي في صفوف المعارضة الليبرالية. وبدأ يبرز من خلال المشاركة في تنظيم تظاهرات كبيرة للمعارضة في 2011 و2012 قُمعت في نهاية المطاف.
وفي العام 2013 حل ثانيا في الانتخابات البلدية في موسكو في انجاز عزز من شهرته.
تعرض لمضايقات من قبل السلطات وتجاهلته وسائل الاعلام الرسمية، إلا انه تمكن من تعزيز وضعه بفضل نشره تحقيقات مصورة انتشرت بشكل واسع تندد بفساد السلطة الروسية.
وتمكن نافالني من تشكيل قاعدة في صفوف الشباب لا سيما في المدن، إلا أن شعبيته على الصعيد الوطني وفي صفوف الأجيال المختلفة بقيت محدودة.
وفي غضون أكثر من عشر سنوات فرض المحامي نافالني الذي كان لفترة قريبا من الطروحات القومية، نفسه المنتقد الأول لفلاديمير بوتين و"حزبه المؤلف من لصوص ودجالين" على ما كان يقول.
أما في معسكر المعارضين للكرملين، فكان يأخذ عليه البعض قربه السابق من اليمين المتطرف أو غموض موقفه من ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في العام 2014. قبل أن يدعو في شباط 2023 إلى العودة إلى الحدود المرسمة العام 1991 مع أوكرانيا.
كذلك أُخذ عليه تأييده لغزو روسيا جزء من جورجيا في العام 2008، قبل أن يعتذر لاحقا عن هذا الموقف.
رغم تخليه تخلى لاحقا عن تلك المواقف في خطابه وتركيزه على محاربة الرشوة، إلا أنه لم يعلن بوضوح تراجعه عن بعض التصريحات التي اعتبرها معارضوه عنصرية.
من جهته كان فلاديمير بوتين يرفض حتى التلفظ باسمه.
- "سننتصر" -
ورغم الجدل حول بعض مواقفه تحول نافالني إلى رمز للمعارضة الروسية.
وبات وضعه قضية جميع المعارضين والمنظمات غير الحكومية والدول الغربية عندما تعرض للتسميم في آب 2020 في سيبيريا في خضم حملة انتخابات محلية.
ونُقل وهو على حافة الموت إلى ألمانيا حيث عولج، بموافقة الكرملين.
ولم يثن هذا الأمر نافالني بعد تعافيه من العودة بقوة إلى الساحة في كانون الأول 2020 عندما أوقع عميلا روسيا، وحمله على الاعتراف في اتصال هاتفي، بأن أجهزة الاستخبارات تقف وراء تسميمه.
رغم كل المخاطر فضل العودة إلى روسيا في 17 كانون الثاني 2021، ليتم توقيفه حال وصوله.
وبعد يومين على ذلك وفي تحقيق مصور اتهم فلاديمير بوتين بأنه يبني قصرا فخما مترامي الأطراف يطل على البحر الأسود.
وكان لهذا التحقيق وقع كبير دفع ببوتين شخصيا إلى نفي ما ورد فيه.
إلا ان ذلك فضلا عن قضية تسميمه، لم يؤد إلى تعبئة الشعب الروسي وقُمعت التظاهرات سريعا.
وبدت السلطات مصممة على تعقيد حياة المعارض إلى أبعد الحدود، فيما بدا هو عازما على عدم الاستسلام.
وكان يحرص دائما على ابداء بعض التفاؤل.
فكتب في حزيران 2023 "أعرف أن الظلمة ستتبدد وأننا سننتصر وأن روسيا ستصبح دولة مسالمة ومشرقة وسعيدة".