النهار

تصريحات البابا فرنسيس حول أوكرانيا تربك الجهود الديبلوماسيّة للفاتيكان
المصدر: أ ف ب
تصريحات البابا فرنسيس حول أوكرانيا تربك الجهود الديبلوماسيّة للفاتيكان
البابا فرنسيس يترأس قداس الرسامة الأسقفية للمونسنيور الإيطالي فينشينزو تورتورو في كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان (9 آذار 2024، أ ف ب).
A+   A-
أثار البابا فرنسيس جدلا واسعا بدعوته أوكرانيا الى رفع "الراية البيضاء" والتفاوض مع روسيا لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، في تصريح طغى على الجهود الديبلوماسية الخفية لحاضرة الفاتيكان.

وفي مقابلة مع قناة التلفزيون السويسري "آر تي إس" بثت السبت، دعا البابا فرنسيس (87 عاما) أوكرانيا إلى "رفع الراية البيضاء والتفاوض" من أجل إنهاء الحرب "قبل أن تتفاقم الأمور".

وأثارت هذه الدعوة غضب كييف التي اتهمته ب"إضفاء الشرعية على حق الأقوى" وذهبت إلى حد استدعاء مبعوث الفاتيكان.

كما أثارت تصريحات البابا انتقادات واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ ظهرت حسابات مؤيدة لأوكرانيا تمثله بوجه فلاديمير بوتين أو ملونا بألوان العلم الروسي.

على الرغم من دعواته المتكررة للسلام منذ الغزو الروسي في شباط 2022، يعبر مراقبون بما في ذلك في روما عن أسفهم لأن خطبه تثير التباسا.

وقال مصدر في الفاتيكان طالبا عدم كشف هويته إن "العبارة المؤسفة هي الراية البيضاء وهي مرادف للاستسلام". وأضاف أن ذلك "شكل مفاجأة لكثير من الناس".

وسعى الفاتيكان إلى تصحيح الوضع عبر الإصرار على أن عبارة "الراية البيضاء" في دعوة البابا تعني "وقف الأعمال العدائية" وليس الاستسلام. وتدخل بيترو بارولين وزير الخارجية والرجل الثاني في الفاتيكان، بنفسه لمحاولة إخماد الحريق.

وقال الكاردينال الإيطالي في مقابلة مع صحيفة "إل كورييري ديلا سيرا" اليومية الثلثاء إن "الشرط الأساسي" للتوصل إلى حل تفاوضي هو "وضع حد للعدوان" وإسكات الأسلحة "والأمر يعود للمعتدي أولا للقيام بذلك".

مع ذلك، هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها رأس الكنيسة الكاثوليكية جدلا بتصريحات علنية عن النزاع. ففي نهاية 2022، اعتذر الفاتيكان لموسكو بعد تعليق على السلوك الذي وصف بالقاسي للأقليات العرقية الروسية.

- "انفصال" -
هل هي هفوات صغيرة أم خطأ في التقدير؟

خلافا لأسلافه الذين كانت لديهم "ثقافة الديبلوماسية الغربية"، يمتلك البابا الأرجنتيني "نظرة غير أوروبية، بما لذلك من فوائد وحدود أيضا"، على قول فرنسوا مابيل، مدير المرصد الجيوسياسي للدين في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.

وقال الإيطالي ماركو بوليتي المقيم في الفاتيكان إن "فرنسيس معزول ديبلوماسيا في منطقة حلف شمال الأطلسي (ناتو)" وإن كان "على الموجة نفسها مع غالبية الدول في العالم".

وهذه التصريحات تصدر غالبا أثناء المقابلات. وقال فرنسوا مابي إن يوحنا بولس الثاني يرتجل قليلاً و"بنديكتوس السادس عشر رجل الكلمة المكتوبة"، لكن فرنسيس "بابا يتحدث كثيرًا" بما في ذلك للصحافة، مما يضاعف خطر سوء الفهم.

وأكد الباحث أن فرنسيس "رجل سلام بشكل أساسي" و"بابا نشيط أكثر من كونه رئيس دولة كما عهدنا من قبل".

ويواجه أسقف روما باستمرار انتقادات بسبب انفراده في ممارسة السلطة ويدير اتصالاته الخاصة متخليا عن مؤسسة الفاتيكان.

وقال مابيل إنه نتيجة لذلك "نرى نوعا من الانفصال بين أقوال البابا وتصريحات الجهاز الديبلوماسي".
 
وأضاف أن "سكرتارية الدولة (الجهاز المركزي لحكومة الكرسي الرسولي) تضطر بشكل منهجي لمحاولة إفهام الناس تصريحاته".

ويعود آخر تصريح من هذا النوع له إلى آب 2023، عندما دعا خورخي بيرغوليو الشباب الكاثوليك الروس إلى المطالبة بإرث "روسيا العظيمة" في عهد بطرس الأكبر وكاترين الثانية.

وقد اتهمته كييف بتبني "الدعاية الإمبريالية" لموسكو، مما أجبر الكرسي الرسولي على التوضيح.

- "حرب استنزاف" -
يصلي البابا كل أسبوع من أجل "أوكرانيا الشهيدة" ويحاول في الوقت نفسه الحفاظ على توازن ديبلوماسي هش بينما يقوض النزاع فعليا الحوار مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ورأسها البطريرك كيريل المقرب من فلاديمير بوتين.

لكن آلية التحكيم التابعة للكرسي الرسولي والتي برعت في الماضي كما حدث أثناء التقارب بين كوبا والولايات المتحدة في 2014، تبدو عاجزة في القضية الأوكرانية، مثلما حدث مع محاولات الوساطة الأخرى.

وبالإضافة إلى مناشدات البابا التي ذهبت أدراج الرياح، مرت الجولة الديبلوماسية التي قام بها مبعوثه الكاردينال الإيطالي ماتيو زوبي، من دون أن يلاحظها أحد على الرغم من توقفه في واشنطن وكييف وموسكو وبيجينغ.

وفي هذا الإطار، يحاول فرنسيس التكيف مع شكل من أشكال "السياسة الواقعية"، بينما يذكّر ماركو بوليتي بأن "جزءًا كبيرًا من الرأي العام الأوروبي وحتى الأميركي لا يريد أن يُنهَك بحرب استنزاف، أو ينهار اقتصاديا".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium