النهار

ما رهانات إيران كي تواصل رفض إحياء الاتفاق النووي؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
رفع العقوبات ليس فقط ما يهمّها.
ما رهانات إيران كي تواصل رفض إحياء الاتفاق النووي؟
الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي (أ ف ب).
A+   A-

بالرغم من المناشدات الأميركية والغربية لعودتها إلى الاتفاق النووي، لا تزال إيران ترفض هذه الدعوات بما فيها المبادرة التي تقدّم بها أخيراً الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. يتحدّث الغرب دوماً، وآخرهم بوريل، عن الحافز الاقتصادي المتمثّل برفع العقوبات في حال أحيت إيران الاتفاق النووي. لكنّ هذا الحافز غير كافٍ وحده لتعديل الحسابات الإيرانية.

 

عامل الوقت

تشعر طهران بأنّ الوقت يصبّ في مصلحتها. هي تدرك أنّ الولايات المتحدة والغرب بحاجة ماسّة إلى تخفيض أسعار الطاقة. راقب الإيرانيون كيف جاء الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط وعلى جدول أعماله نقطة واحدة أساسية وهي حثّ السعودية على ضخّ المزيد من النفط. صحيحٌ أنّ جدول الأعمال حمل قضايا كثيرة أخرى. لكنّ التحوّل النوعيّ والسريع في طريقة تعامل بايدن مع المملكة من تصوّرها دولة "منبوذة" إلى دولة "شريكة" في مسائل إقليميّة ودوليّة يبيّن إلى حدّ بعيد أنّ هدف الزيارة كان داخلياً أوّلاً. وهي أتت قبل أشهر قليلة من الانتخابات النصفيّة التي تظهر استطلاعات الرأي أنّها ستكون قاسية على الحزب الديموقراطيّ.

وفقاً للحسابات الإيرانية، إذا كان بايدن قادراً على إجراء انعطافة قويّة مع السعودية في محاولة لتحقيق مصالح أميركيّة فسيكون قادراً على تتبّع خطوة مشابهة مع الإيرانيين. في نهاية المطاف، أقدم بايدن على قرارات مماثلة مع فنزويلا. في أيار الماضي، سمحت إدراته لشركات أميركية بأداء الصيانة الأساسية للآبار التي تديرها بالاشتراك مع شركة النفط الفنزويلية الرسمية وقد فوّضت شركة "شيفرون" بإجراء محادثات مع الحكومة الفنزويلية بشأن "نشاطات مستقبلية". ورفعت الإدارة اسم نائب رئيس الشركة النفطية الرسمية (وهو أيضاً ابن شقيق زوجة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو) عن لائحة العقوبات في حزيران الماضي. وفي الشهر نفسه، سمحت واشنطن لشركتي "إني" الإيطالية و"ريبسول" الإسبانية بالحصول على شحنات نفطية فنزويلية كوسيلة لدفع مليارات الدولارات من الديون المستحقة على الشركتين منذ 2019. لا يزال هنالك خلافات بين الطرفين مثل احتجاز كاراكاس ثلاثة مواطنين أميركيين وقضيّة المحادثات بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة، لكنّ احتمالات تحسّن العلاقات الثنائيّة تظلّ قائمة. والنفط سبب أساسيّ لذلك.

تراهن إيران على أنّه كلّما اقترب الشتاء ازدادت الحاجة الأميركية والأوروبية للمزيد من الطاقة في الأسواق. يشبه هذا الرهان الحسابات الروسيّة التي ترى أنّ حاجة أوروبا للتدفئة ستدفعها للضغط على أوكرانيا كي تقبل بالتسوية. وتعمل أوروبا على إبرام عدد من العقود الدولية لتوفير الغاز إلى دولها في سباق محموم مع الوقت.

 

خلافات ثنائيّة محتملة

ثمّة عامل آخر غير منفصل قد يصبّ في مصلحة إيران: تباينٌ ثمّ خلاف بين أوروبا وأميركا حول ملفّها النوويّ. اليوم، يبدو الأوروبيون أكثر تمسّكاً باحتمالات إحياء اتفاق 2015. على عكس الأميركيين، يتفادى الأوروبيون إطلاق توقّعات متشائمة حيال المفاوضات. المسؤول في مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ بريت ماكغورك قال الأسبوع الماضي إنّ إحياء الاتفاق "غير مرجح إلى حد بعيد"، والموفد الخاص للشأن الإيرانيّ روبرت مالي أبلغ الإسرائيليين وجهة نظره بأنّ "الاتفاق مات". في هذا الوقت، قال الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون يوم الخميس إنّ حظوظ العودة إلى الاتفاق لا تزال موجودة ملقياً الكرة في ملعب الإيرانيين.

من جهته، غرّد الأستاذ في جامعة طهران والعضو في الوفد الإيراني الرسميّ إلى محادثات فيينا سيّد محمد ماراندي كاتباً أنّ الأوروبيين يمتلكون النية للعودة إلى الاتفاق بعكس الأميركيين: "لو كان للاتحاد الأوروبي أن يقرر لقبِلَ... فوراً بشروط إيران لإعادة إحياء الاتفاق". لكنّ "الاتحاد الأوروبي كان مرتبطاً بالمصالح الأميركية، لا بمصالح الأوروبيين". ربما تزيد أوروبا الضغط على الأميركيين كي يقبلوا بمطالب إيران للعودة إلى الاتفاق النووي وفقاً لشروط الأخيرة.

 

أهمية رفع "الحرس" عن قائمة الإرهاب

يبدو أنّ الإيرانيّين يواصلون الإصرار على رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب. إلى اليوم، تعارض إدارة بايدن الاستجابة لهذا الطلب بسبب ضغوط الكونغرس. تقول الإدارة إنّها اتخذت قرارها النهائي بشأن هذه القضيّة، لكنّ إيران تأمل أن يغيّر الضغط الاقتصاديّ هذا القرار. وتحتاج طهران إلى شطب الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب لأنّ الأخير يسيطر على قطاعات إنتاجيّة واسعة في البلاد ومن ضمنها الطاق،ة حتى وصفته وكالة "رويترز" في تقرير لها سنة 2019 بأنّه "أكثر من قوة عسكرية". إنّه أيضاً "إمبراطورية صناعية ذات نفوذ سياسي".

إنّ رفع الحرس الثوريّ عن لائحة التصنيف سيحفّز الشركات الغربيّة أكثر على الاستثمار في إيران لأنّ إبقاءه على القائمة يعني أنّ تلك الشركات معرّضة أيضاً للعقوبات الأميركية حتى ولو تمّ رفعها عن سائر القطاعات بموجب أيّ اتفاق جديد. لهذا السبب، ليس الإصرار على مطلب شطب "الحرس" عن قائمة الإرهاب ثانوياً بالنسبة إلى إيران، مع الإشارة إلى أنّ هذا المطلب يقيها من الدعاوى القضائية التي يرفعها أهالي الضحايا الأميركيين الذين سقطوا في العراق بفعل هجمات وكلائها.     

 

اعتراف رسميّ

ليس الوضع الاقتصاديّ وحده ما يدفع الإيرانيين للرهان على عودة واشنطن إلى طاولة التفاوض بشروطهم. عنصر آخر يؤثّر في المعادلة وهو تمكّن إيران من تسريع برنامجها النوويّ كلّما طال تعثّر المفاوضات. لقد أطفأت إيران 27 كاميرا تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقب المنشآت النووية الإيرانية، حتى أنّ رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي حذّر الاثنين من أنّ بلاده لن تعيد تشغيلها قبل العودة إلى الاتفاق النووي. وكان لافتاً منذ نحو أسبوعين تصريح المستشار البارز للمرشد الإيراني الأعلى كمال خرازي حين قال إنّ إيران قادرة "بسهولة على إنتاج يورانيوم مخصّب بنسبة 90%" وأنّها تملك "الوسيلة التقنية لإنتاج قنبلة نووية".

لم يكن مستغرباً أن تكون إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى هذه النسبة بما أنّها خصّبته منذ فترة قصيرة إلى 60%. ما أثار الاهتمام أكثر هو الاعتراف الرسميّ للمرّة الأولى بأنّ إيران قادرة على تصنيع قنبلة نووية وهو خطوة أكثر تعقيداً بكثير من مجرّد تخصيب اليورانيوم. وقال خرازي إنّه "لم يكن هنالك قرار إيرانيّ" لبناء قنبلة. بصرف النظر عمّا إذا كانت إيران تملك أو لا تملك التقنية اللازمة لصنع سلاح نوويّ، يبقى واضحاً أنّ هذا التصريح يهدف إلى دفع الأميركيّين للعودة إلى طاولة التفاوض من جهة، وإعطاء إيران رافعة أكبر في المحادثات من جهة أخرى.

علاوة على ذلك، تدرك إيران أنّ شهية الإدارة على التصعيد معها ضعيفة إن لم تكن معدومة. بالرغم من قول الإدارة إنّها لن تسمح لإيران بالحصول على القنبلة، لم تبدِ استعداداً واضحاً للجوء إلى الخيار العسكري إلا في ما ندر. لعلّ أقصى ما تتوقّعه إيران من إدارة بايدن في حال فشل المفاوضات هو العودة إلى تنفيذ العقوبات بشكل أكثر صرامة. لكن حتى هذا الاحتمال لا يبدو قريباً في الوقت الحالي.

اقرأ في النهار Premium