سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مدى نصف عقد لإقامة شراكة مع روسيا، لكنه بات اليوم من أبرز خصوم الكرملين، إذ حذّر من أن الرئيس فلاديمير بوتين لا يمثّل تهديدا لأوكرانيا فحسب، بل لأمن جميع الأوروبيين.
بعد أسابيع على توليه السلطة في العام 2017، أظهر ماكرون نياته حيال روسيا عبر استقبال بوتين في إطار قمة في قصر فرساي.
وفي العام 2019، دُعي الرئيس الروسي إلى مقر إقامة نظيره الفرنسي الصيفي المطل على البحر المتوسط حيث خاطبه ماكرون قائلا "العزيز فلاديمير" معلنا أن روسيا جزء من أوروبا الممتدة من "لشبونة حتى فلاديفوستوك".
وحتى بعدما أمر بوتين الدبابات الروسية بدخول أوكرانيا في غزو شباط 2022، سعى ماكرون للمحافظة على قنوات الاتصال مفتوحة مع نظيره الروسي، متحدّثا معه في مناسبات عدة حتى أيلول من ذلك العام بينما شدد على وجوب "عدم إهانة روسيا".
يقرّ ماكرون علنا بأن موقفه تبدّل تماما، مرجعا الأمر إلى "تشدد" الموقف الروسي سواء في الداخل أو الخارج. توفي المعارض البارز أليكسي نافالني في السجن واتّهم أنصاره الكرملين بقتله، بينما استهدفت سلسلة هجمات إلكترونية وحملات تضليل عدة بلدان بينها فرنسا.
كرر الرئيس الفرنسي أن "روسيا لا يمكنها الانتصار في هذه الحرب" بينما أثار صدمة حلفائه الأوروبيين في شباط عبر رفضه استبعاد إرسال قوات بريّة غربية إلى أوكرانيا.
وقال في مقابلة الخميس "من يمكن أن يفكّر ولو للحظة أن الرئيس بوتين الذي لم يحترم أيا من حدوده أو التزاماته، سيتوقف عند هذا الحد؟"، مشددا على ضرورة تقديم دعم "غير محدود" لأوكرانيا وواصفا الحرب بأنها "وجودية" بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا.
أجرى ماكرون المقابلة عشية الانتخابات الرئاسية في روسيا التي يتوقع بنتيجة ان يبقى بوتين في الحكم لولاية جديدة مدّتها ست سنوات.
كذلك، يزور ماكرون برلين الجمعة لعقد محادثات مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك والمستشار الألماني أولاف شولتس الذي أعرب عن عدم ارتياحه لموقف فرنسا الأكثر صدامية.
وحذّر ماكرون "إذا انتصرت روسيا، فستتغيّر حياة الفرنسيين. لن يعود لدينا أمن في أوروبا".
- من "حمامة إلى صقر" -
وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية طلب عدم ذكر اسمه إن ماكرون "استنفد كل الوسائل" في سعيه لحل ديبلوماسي مع بوتين، حتى أنه زار موسكو في شباط 2022 في محاولة أخيرة لمنع اندلاع الحرب.
وقال المسؤول إنه بعد ذلك، "من يحق له وحده (ماكرون) القول إن هذا المسار غير ممكن"، مضيفا أن "الكرملين هو الذي تغيّر، وليس هو (ماكرون)".
وبدا انهيار علاقتهما جليا في مكالمة هاتفية في شباط 2022 عشية الغزو والتي تم تصويرها بالفيديو وبثّها في وثائقي على التلفزيون الفرنسي في خطوة نادرة جدا، إذ تخلى الرئيسان عن المجاملات الديبلوماسية ليعبّرا علنا عن غضبهما.
وقال بوتين في المكالمة المسجّلة في الوثائقي الذي بُثّ في صيف 2022 وتمّت مشاركته على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع "أنصت إليّ جيّدا! ما خطبك؟".
وكتبت صحيفة "لوموند" هذا الأسبوع "تحوّل إيمانويل ماكرون من حمامة إلى صقر".
وفي مقابلة أجرتها معه محطة "بي إف إم تي في" الفرنسية هذا الأسبوع، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بوتين "خدع" ماكرون عبر وعده وعدد من القادة قبل أيام على الحرب بأن روسيا لن تغزو أوكرانيا. وأوضح "أعتقد أنه أدرك بأن بوتين خدعه شخصيا".
- "ديك غال" -
أثار موقف ماكرون الأكثر حدّة، لا سيما تحذيره من أن إرسال قوات بريّة غربية إلى أوكرانيا أمر غير مستبعد، الغضب في روسيا.
وفي مقابلة أجراها مع بوتين هذا الأسبوع، سأل المقدّم المعروف في قناة "روسيا" دميتري كيسيليف الرئيس الروسي "ماذا حلّ بماكرون؟ هل فقد عقله؟... يبدو أشبه بديك غال! أثار خوف جميع الأوروبيين".
قلل بوتين من أهمية الأمر، مشيرا إلى أن "رد فعل حاد كهذا وعاطفي" من ماكرون مرتبط بخسارة فرنسا نفوذها في دول إفريقيا حيث باتت روسيا تهيمن من خلال مجموعة المرتزقة "فاغنر".
وقال المدير الموالي للكرملين في معهد الدراسات السياسية في موسكو سيرغي ماركوف إن "موقف بوتين لم يتغيّر بشكل كبير. هناك تغيّرات خطرة في موقف ماكرون".
وأما بالنسبة لتاتيانا كاستويفا-جان المتخصصة بالشأن الروسي لدى المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن التغيّر في موقف ماكرون حيال بوتين أثار رد الفعل هذا من روسيا.
وقالت لوكالة فرانس برس "هناك عدم فهم (في روسيا) بشأن الكيفية التي يمكن من خلالها لشخص يرغب بالحوار مع روسيا وبأن يكون الوسيط، بأن يتحوّل إلى شخص يقود المعسكر المناهض لها الأكثر تشددا".