يبحث قادة الاتحاد الأوروبي في قمة، اليوم، سبل تعزيز دعم كييف التي تعاني نقصاً في العديد والذخيرة، وأيضاً القدرات العسكرية لبلادهم لمواجهة روسيا بقيادة فلاديمير بوتين الفائز بولاية رئاسية جديدة بعد عامين على بدء غزوه لأوكرانيا. وتأتي القمة في وقت تحقق القوات الروسية بعض التقدم في أوكرانيا، مستغلة معاناة كييف من نقص الذخيرة لا سيما في ظل تعليق الدعم الأميركي بسبب خلافات سياسية داخلية في واشنطن بين الديموقراطيين والجمهوريين.
حض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم، في رسالة وجهها إلى القادة الأوروبيين الذي يعقدون قمة في بروكسيل، على تزويد القوات الأوكرانية مزيدا من الذخائر لإلحاق هزيمة بروسيا. وقال في رسالة مصورة إنّ "المؤسف أنّ لجوء جنودنا إلى المدفعية في ساحة المعركة هو أمر مذلّ، لأن أوروبا في إمكانها تقديم المزيد. وإثبات ذلك الآن أمر حيوي".
بدوره، قال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو قبيل انعقاد القمة: "في ما يتعلق بأوكرانيا يتعيّن علينا مواصلة دعمنا وتسريعه بالتأكيد، والأمر الضروري هو الذخيرة".
من جانبه، حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قبل القمة من أنه "إذا توجب على أوكرانيا الاستسلام، حينها سيتمّ تنصيب نظام صُوري في كييف، وسحق الشعب الأوكراني". وتابع: "سيكون الجيش الروسي على حدودنا ونحن واثقون بأنه لن يتوقف عندها".
بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة من ستة أعوام بنتيجة انتخابات جرت الأسبوع الماضي في غياب أي معارضة، اعتبر بوتين أن ما تحقّق في الداخل هو "مقدمة" للانتصار في أوكرانيا. وفي وقت تؤدي الخلافات بين الجمهوريين والديموقراطيين في الكونغرس الأميركي إلى تعليق حزمة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار طلبتها إدارة الرئيس جو بايدن، سيبحث القادة الأوروبيون في إمكان استخدام العائدات على نحو 200 مليار يورو من الأصول الروسية المجمّدة، لتمويل دعم كييف عسكرياً.
أوضح مسؤولون أوروبيون أن خطوة كهذه ستوفر ثلاثة مليارات يورو سنوياً. وفي حال وافقت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد على هذه الخطوة، يمكن لصرف الأموال أن يبدأ من تموز. وتُبدي بعض الدول الأوروبية "المحايدة" مثل النمسا وإيرلندا تحفظات، في حين تؤيد غالبية الدول الأعضاء هذه الخطوة.
في الإطار، قال المستشار النمسوي كارل نيهامر لدى وصوله: "علينا أن نتأكد من أن الأموال التي نوافق عليها لا تستخدم لشراء أسلحة".
وأشار رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو إلى أن هنغاريا المقرّبة من روسيا قد "تطرح بعض المشاكل".
وستضاف هذه المبالغ في حال صُرفت الى أكثر من 33 مليار يورو قدمها الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا عسكرياً منذ بدء الغزو الروسي في شباط 2022.
تمويل "مبتكر"
تجري دراسة أشكال "مبتكرة" أخرى للتمويل. ويتوقع أن يتركز النقاش حول سبل دفع المصرف الأوروبي للاستثمار، وهو بمثابة ذراع الإقراض للاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز تمويل القطاع العسكري والدفاعي. وإلى الآن، يقتصر تمويل المصرف على عدد محدود من المنتجات ذات الاستخدام المزدوج مدنياً وعسكرياً.
لكن، ترى دول عديدة أنّ الوقت ينفد في حين تستعيد القوات الروسية منذ أسابيع زمام المبادرة في ساحة المعركة ضد الأوكرانيين الذين يفتقرون إلى الذخيرة والأسلحة. ومن جانبها، هيأت روسيا اقتصادها للحرب وتلقت مئات الآلاف من القذائف من كوريا الشمالية.
وإلى جانب العمل على دعم كييف، يسعى الاتحاد الأوروبي الى ايجاد السبل لتعزيز صناعاته العسكرية والدفاعية، من أجل توفير مساعدات إضافية لأوكرانيا وتعزيز دفاعاته الخاصة.
وطرحت بروكسيل سلسلة من الاقتراحات في هذا الاتجاه، لكن المعنيين يشكون من أن الاتحاد الأوروبي لا يمضي قدماً في هذا المجال بالسرعة المطلوبة.
ولم يفِ الاتحاد الأوروبي بتعهده العام الماضي توفير مليون قذيفة مدفعية لأوكرانيا بحلول آذار الحالي. في المقابل، تقوم الجمهورية التشيكية بمسعى لجمع مئات الآلاف من القذائف من حول العالم لتقديمها الى كييف. ويتعين على الزعماء الأوروبيين أن يجروا مناقشة أولى بشأن الاستراتيجية الجديدة لتعزيز الصناعة الدفاعية الأوروبية التي اقترحتها المفوضية في بداية آذار، وخصوصاً بشأن سبل تمويلها.
واقترحت فرنسا واستونيا وبولندا اللجوء الى الاقتراض المشترك لتمويل الانفاق الدفاعي، بشكل مماثل لحزمة المساعدات الضخمة التي أقرها الاتحاد الأوروبي خلال جائحة كوفيد. وقد وجّه وزراء خارجية فرنسا وإستونيا وليتوانيا ولاتفيا والبرتغال ورومانيا رسالة في هذا السياق إلى بوريل، حصلت "وكالة فرانس برس" على نسخة منها. وجاء فيها "هناك سبل عديدة ممكنة"، بينها القرض الأوروبي.
إلا أن غالبية الدول الأعضاء، وفي مقدمها ألمانيا وهولندا والسويد، لا تحبّذ هذا الطرح.
وسيعمل المجتمعون على درس "كل الخيارات" المتعلقة بالتمويل قبل صدور تقرير متوقع في حزيران، وفقاً لديبلوماسيين في بروكسيل.
وقالت رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس صاحبة هذه الفكرة "اقترحت سندات اليورو، ولكن إذا لم ينجح ذلك، يجب علينا أن نقترح أمراً آخر" ونجد حلاً "الآن".
دعم لأوكرانيا يتخطّى الأسلحة
من جانبه أعلن رئيس هيئة الأركان الفرنسية الجنرال تييري بورخارد، اليوم، أن الدعم الغربي لأوكرانيا يمكن أن يتجاوز مجرد تسليم الأسلحة، وذلك بعد تصريحات مثيرة للجدل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفض فيها استبعاد إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا.
ورأى الجنرال بورخارد أثناء استقباله نظيره السويدي ميكايل بايدن في باريس، أن كييف لا تحتاج إلى دعم في عديد الرجال، لكن يجب أن يستعد حلف شمال الأطلسي الذي انضمت إليه السويد للتو، لكل الاحتمالات.
وأعلن بورخارد على هامش مؤتمر صحافي أن "الجيش الأوكراني (...) يقاتل بشجاعة شديدة، وبكفاءة ملحوظة فعلاً. وستنتهي الحرب عندما تتوقف روسيا عن الهجوم".
واعتبر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "بنى مناورته على فكرة أن الغرب لن يذهب أبداً إلى أوكرانيا، بل سيكتفي بتقديم الأسلحة". وأضاف "يجب أن نظهر له أنه لن يكون قادراً على استخدام هذا المنطق حتى النهاية، لأن هذه الفكرة غير صحيحة".
"هدنة إنسانية فورية" في غزة
بينما ستستحوذ أوكرانيا على الجزء الأكبر من النقاشات، يتوقع أن يدفع قادة الاتحاد الأوروبي في القمة التي يحضرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في اتجاه موقف موحد بشأن الحرب في قطاع غزة.
وتؤكد مصادر ديبلوماسية أن غالبية الدول الأعضاء تؤيد الدعوة الى "هدنة إنسانية فورية" في الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتحذير الدولة العبرية من شنّ أي عملية برية على مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع الفلسطيني المحاصر.
إلا أن هنغاريا الحليفة الوثيقة لإسرائيل، تعرقل جهود اتخاذ موقف أكثر صرامة حيال الدولة العبرية، وقد تلجأ إلى حق النقض للحؤول دون صدور مواقف في هذا الاتجاه في القمة الراهنة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل غداء عمل مع الزعماء الأوروبيين "نحتاج إلى وقف لإطلاق النار في غزة".
كما يتوقع أن يمنح قادة الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لبدء المفاوضات الرسمية لانضمام البوسنة الى التكتل. ورجحت مصادر ديبلوماسية أن يوافق الأعضاء على الشروع في المفاوضات، على أن يبقى موعد بدئها رهن إجراء البوسنة المزيد من الإصلاحات.