أشرف الشاب ثناء الله غفاري (29 عاما)، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، على عملية تحول جعلت من هذا الفرع الأفغاني أحد أكثر فروع الشبكة العالمية لتنظيم الدولة الإسلامية المتشدد إثارة للرعب وقدرة على تنفيذ عمليات بعيدة عن قواعده في المناطق الحدودية بأفغانستان.
وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن إطلاق نار جماعي وقع يوم الجمعة الماضي في قاعة للحفلات الموسيقية بالقرب من موسكو وأدى إلى مقتل 139 شخصا على الأقل. وقال مسؤولون أميركيون إن معلومات مخابرات تشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان هو المسؤول عن الهجوم.
وقالت واشنطن إنها حذرت روسيا هذا الشهر من هجوم وشيك. وقال مصدر مطلع على هذه المعلومات إن واشنطن استقت ذلك من تجسس على "دردشة" بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان. لكن وزارة الخارجية الروسية شككت في مسؤولية التنظيم.
وقال خبراء أمنيون إن اكتشاف جوازات سفر طاجيكية مع المسلحين الذين اعتقلتهم السلطات الروسية يشير إلى وجود صلة محتملة بجماعة غفاري التي تستقطب أفرادا بكثافة من الدولة الفقيرة في آسيا الوسطى.
وفي السنوات القليلة الماضية، دأب تنظيم غفاري على مهاجمة روسيا ردا على تدخلها الذي ساعد في إلحاق الهزيمة بعمليات تنظيم الدولة الإسلامية في الحرب الأهلية السورية.
وقال مصدران من طالبان الأفغانية والباكستانية لرويترز إن تقارير أولية أفادت بمقتل غفاري في أفغانستان في حزيران الماضي، لكنه هرب جريحا عبر الحدود إلى باكستان ويعتقد أنه يعيش في إقليم بلوشستان الحدودي الذي تعمه الفوضى. ولم ترد وزارة الخارجية الباكستانية على طلب للتعليق على مكان وجود غفاري.
عُيّن غفاري أميرا لتنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان في عام 2020، وعزز غفاري سمعة التنظيم في تبنيه لنهج متشدد وتنفيذه لهجمات كبيرة.
وجذب تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان الاهتمام العالمي بتفجير انتحاري في عام 2021 في مطار كابول الدولي أثناء الانسحاب العسكري الأميركي أدى إلى مقتل 13 جنديا أميركيا وعشرات المدنيين. وفي أيلول 2022، أعلن مسؤوليته عن هجوم انتحاري على السفارة الروسية في كابول أسفر عن سقوط قتلى.
لكن ربما وقعت العملية الأكثر جسارة حتى الآن في كانون الثاني بتفجير انتحاري مزدوج في إيران أدى إلى مقتل نحو 100 شخص أثناء تأبين قائد الحرس الثوري قاسم سليماني بالقرب من قبره في أكثر الهجمات دموية على الأراضي الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
ولم يكن يُعرف سوى القليل عن غفاري قبل الهجوم على مطار كابول عام 2021، مما دفع واشنطن إلى إعلان مكافأة قيمتها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لمعرفة مكانه أو القضاء عليه.
وقالت مصادر من طالبان إنه أفغاني طاجيكي كان جنديا في الجيش الأفغاني وانضم لاحقا إلى تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان الذي تشكل في أواخر عام 2014.
وتحدثت رويترز إلى أكثر من 12 مصدرا، من بينهم مسؤولو أمن ومخابرات حاليون ومتقاعدون في أفغانستان وباكستان والعراق والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أعضاء من حركة طالبان الأفغانية والباكستانية الذين قالوا إن تنظيم الدولة الإسلامية استغل عدم قدرة طالبان على القضاء على قواعده الآمنة في شمال وشرق أفغانستان للتوسع إقليميا.
وقالت المصادر إنه في عهد غفاري، استخدم التنظيم هجمات كبيرة كأداة لاستقطاب الطاجيك والأوزبك في أنحاء آسيا الوسطى وليس الأغلبية البشتونية في أفغانستان التي تشكل العمود الفقري لطالبان.
واستمد تنظيم الدولة الإسلامية اسم خراسان من كلمة قديمة أطلقت على منطقة شملت أجزاء من إيران وتركمانستان وأفغانستان بالإضافة إلى مناطق من طاجيكستان وأوزبكستان. وتتعهد دعايتها التي تترجمها إلى اللغات الإقليمية بالإضافة إلى الإنجليزية بإقامة خلافة تمتد على ربوع هذه المنطقة.
وقال إسفنديار مير، الخبير الكبير في شؤون أمن منطقة جنوب آسيا في معهد الولايات المتحدة للسلام، وهو مركز بحثي حكومي مقره واشنطن "يسعى تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان... إلى التفوق في الأداء على الجهاديين المنافسين عبر تنفيذ هجمات أكثر جرأة تجعله أكثر تميزا، ولكي يكسب على حساب المنافسين ويتحصل على الموارد من المؤيدين المحتملين".
وعلى خلاف الهجمات الانتحارية الكبيرة السابقة التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، سعى المسلحون يوم الجمعة إلى الفرار واعتقلتهم السلطات الروسية على بعد نحو 300 كيلومتر غرب موسكو، مما أثار بعض الشكوك في روسيا حول ما إذا كانوا جهاديين حقا.
وفي صور لم يتم التحقق منها نشرتها وسائل إعلام روسية، قال أحد المشتبه في أنهم من المهاجمين لأحد المحققين إنه عُرض عليه نصف مليون روبل (ما يزيد قليلا عن 5000 دولار) لتنفيذ الهجمات.
وذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الأولى أمس الاثنين أن الهجوم من تنفيذ إسلاميين متشددين، لكنه لم يذكر علانية صلة الدولة الإسلامية-ولاية خراسان بالمهاجمين الذين قال إنهم كانوا يحاولون الفرار إلى أوكرانيا.
وقال بوتين إنه لا تزال هناك "أسئلة كثيرة" تحتاج إلى إجابة.
وقال كولين كلارك، من مركز سوفان البحثي المتخصص في قضايا الأمن العالمي ومقره نيويورك إن هناك عددا من الأمثلة على هروب مسلحين إسلاميين بدلا من تنفيذ عمليات انتحارية، مثل مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية الذين فروا بعد الهجوم على قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية في باريس في تشرين الثاني 2015.
وأضاف كلارك "ربما شغلهم تنفيذ هجوم لاحق"، وأن المهاجمين ربما تجنبوا أيضا شراء أو نقل متفجرات لتقليل فرص كشف أمرهم.
وقال فرانك ماكنزي، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأميركية التي تغطي آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وأيضا جزءا من جنوب آسيا، إن هجوم موسكو يتسق مع الهدف البعيد لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان المتمثل في زيادة عملياته الخارجية التي تتضمن استهداف الولايات المتحدة.
وقال ماكنزي الذي كان قائدا للقوات الأميركية في المنطقة أثناء الانسحاب من أفغانستان "ما زالوا مصممين على مهاجمتنا ومهاجمة وطننا... أعتقد أن احتمالات ذلك ربما تكون أعلى الآن مما كانت عليه قبل عامين".
مجندون دوليون
قالت وزارة الخارجية الأميركية في إعلان مكافأتها إن غفاري، المعروف باسمه الحركي شهاب المهاجر، قائد عسكري محنك دبر لهجمات انتحارية لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان في كابول.
وقالت أيضا أن عصمت الله خالوزاي الذي كان يدير شبكة من التحويلات المالية غير الرسمية، تُعرف باسم حوالة، من تركيا، هو "الميسر المالي الدولي" للتنظيم.
وجاء في تقرير صدر في تموز 2023 مقدم إلى مجلس الأمن الدولي عن التهديد الدولي الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية أن عدد أفراد تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان يتراوح بين أربعة آلاف وستة آلاف على الأرض في أفغانستان من بينهم المقاتلون وأفراد من أسرهم.
ويقول خبراء أمنيون إن توسع التنظيم يعود إلى انهيار تنظيم الدولة الإسلامية في الحرب في العراق عام 2017.
وقال مسؤول أمني عراقي كبير طلب عدم كشف هويته إن كثيرين من المقاتلين الأجانب فروا من العراق إلى أفغانستان وباكستان للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، حاملين معهم خبرات في حرب العصابات طورت قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات في إيران وتركيا وأفغانستان.
وأضاف المسؤول أن الأمن العراقي يعتقد أن تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان يعمل على إنشاء شبكة إقليمية من الخلايا المقاتلة الجهادية التي قد تساعد في تنفيذ هجمات دولية، بناء على معلومات من العشرات من مجندين كبار في تنظيم الدولة الإسلامية اعتقلوا في العامين الماضيين.
ويتبع المسؤول العراقي وحدة أمنية تراقب أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والدول المجاورة. ومضى يقول إن اثنين من كبار قادة تنظيم الدولة الإسلامية العراقيين الذين اعتقلتهم تركيا في كانون الأول وسلمتهم لبغداد قالوا للمخابرات العراقية إنهما كانا يتواصلان مع غفاري للحصول على دعم مالي ولوجستي عبر تبادل رسائل مع عضوين طاجيكيين من تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان في تركيا.
وقال مسؤول مخابرات في طالبان إن 90 بالمئة من قيادات تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان هم الآن من غير البشتون. والطاجيك والأوزبك هما المجموعتان العرقيتان الكبيرتان الأخريان اللتان تسكنان شمال أفغانستان.
وقال مولاي حبيب الرحمن، وهو قيادي كبير سابق لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان استسلم لطالبان، لوسيلة إعلام أفغانية تدعى (المرصاد) في تشرين الثاني، إن التنظيم نجح أيضا في تجنيد مواطنين طاجيك.
وأضاف حبيب الرحمن "يُقال لهم كنتم كفارا وأصبحتم الآن مسلمين من جديد" بعد انضمامهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان. وتابع أن المجندين يقولون إن الحكومة الطاجيكية مؤلفة من "كفار" وإن تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان يريد إنقاذ المسلمين المضطهدين.
وأشار تقرير للأمم المتحدة صدر في كانون الثاني 2024 إلى أن التنظيم كثف جهوده لتجنيد مقاتلين أجانب وأعضاء خاب أملهم في طالبان، مع التركيز بشدة على الطاجيك. وجاء في التقرير إن المواطن الطاجيكي، خوكوماتوف شامل دوديودويفيتش، الملقب بأبو مسكين، أصبح مسؤولا نشطا عن الدعاية والتجنيد.
ويبلغ عدد سكان طاجيكستان، وهي دولة ناطقة بالفارسية وأغلبية سكانها من المسلمين السنة، عشرة ملايين نسمة. وبعد حرب أهلية طاحنة في التسعينيات، ما زالت واحدة من أفقر الجمهوريات السوفياتية السابقة. ويعتمد اقتصادها كثيرا على التحويلات المالية لأكثر من مليون عامل مهاجر في روسيا.
وقال مسؤولون طاجيك إن كثيرين من الطاجيك المقيمين في روسيا يشتكون من سوء المعاملة مما يجعلهم أهدافا أسهل للمتطرفين لاستقطابهم أثناء وجودهم بعيدا عن وطنهم.
روسيا والغرب في مرمى نيران التنظيم
قبل يوم واحد من هجوم موسكو، قال مسؤول عسكري كبير للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي إنه تبين أن جهود طالبان لقمع تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان في أفغانستان ليست كافية.
وقال الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، في شهادة مكتوبة إن طالبان استهدفت بعض كبار قادة تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، لكن لم تكن لديها القدرة أو النية لمواصلة الضغط على التنظيم. وأضاف أن هذا سمح لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان بتجديد شبكاته.
وقال كوريلا في جلسة استماع للجنة بمجلس الشيوخ هذا الشهر "يمتلك تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان القدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأميركية والغربية في الخارج في غضون نحو ستة أشهر، من دون إنذار أو إشارة تذكر".
وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم إدارة طالبان في كابول، إن حملة أمنية أضعفت بشدة تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، وإنه لا ينفذ سوى عمليات نادرة ضد المدنيين. ونفى أن التنظيم يتخذ من الأراضي الأفغانية قاعدة، لكنه قال إن مكان تمركزها غير واضح.
وقال تقرير الأمم المتحدة الصادر في كانون الثاني إن تراجع هجمات تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان داخل أفغانستان ربما يكون انعكاسا لتغير في استراتيجية غفاري، فضلا عن جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها طالبان.
ونفذت السلطات في كثير من الدول الأوروبية سلسلة من الاعتقالات لأشخاص يعتقد أنهم من تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان في تموز وكانون الأول من العام الماضي، لاتهامهم بالتدبير لهجمات إرهابية.
وقالت كريستين أبي زيد، مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، أمام لجنة بمجلس النواب الأميركي في تشرين الثاني، إن تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان استخدم حتى الآن "مجندين غير محنكين" في محاولات تنفيذ هجمات في أوروبا.
وقالت فرنسا التي تستضيف دورة الألعاب الأولمبية بدءا من أواخر تموز، في وقت متأخر من مساء الأحد، إنها رفعت مستوى التحذير من الإرهاب إلى أعلى درجة بعد إطلاق النار في موسكو.
وقال خبراء أمنيون إن تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان ركز اهتمامه على روسيا في العامين الماضيين وانتقد التنظيم بوتين لتغييره مسار الحرب الأهلية السورية بدعمه الرئيس بشار الأسد ضد الدولة الإسلامية.
وقال آرون زيلين، الزميل الكبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز بحثي أميركي، "يخطط تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان لشن هجمات داخل روسيا منذ فترة". وأضاف أن محاولات التنظيم في الآونة الأخيرة لضرب روسيا باءت بالفشل.
وقال جهاز الأمن الاتحادي الروسي (إف.إس.بي) في السابع من آذار، إنه أحبط هجوما مسلحا شنه التنظيم على معبد يهودي بالقرب من موسكو.
وقال زيلين إن شبكات تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان وسط مجتمعات الطاجيك وآسيا الوسطى ربما يسرت جهود تنفيذ عمليات في موسكو حيث يوجد عدد كبير من المهاجرين.