النهار

خامنئي يضمن استمرارية استراتيجيته بعد موته
المصدر: "النهار"
خامنئي يضمن استمرارية استراتيجيته بعد موته
آية الله علي خامنئي.
A+   A-
في تقرير تحليلي نشره موقع Foreign Policy، للباحثين رويل مارك غيرشت، وراي تاكيه، ثمة إشارة إلى أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يحرص على أن يستمر خليفته في المسار الصحيح الذي رسمه.
 
يبدأ الباحثان من الانتخابات البرلمانية التي جرت هذا الشهر، ثم انتخابات مجلس الخبراء، التي كانت مؤشراً لما يحضّر له المرشد الأعلى، إذ استبعد النظام عدداً من المرشّحين في الاستحقاقين الانتخابيين، مع العلم أن مجلس الخبراء هو الهيئة التي ستختار المرشد الأعلى المقبل.
 
وبحسب التقرير، يُظهِر التكوين الضيق إيديولوجياً لهذه الهيئة أن خامنئي البالغ من العمر 84 عاماً قرّر الاستعداد لخلافته من خلال ضمان عدم خروج خليفته عن مساره، بسبب المعارضة في داخل النخبة الحاكمة. ويضمن بذلك أيضاً أن صراعات إيران بالوكالة وطموحاتها النووية ــ على افتراض أن النظام لن يحصل على القنبلة النووية قبل وفاته ــ سوف تستمر في تعكير صفو الشرق الأوسط.
 
ويشير التقرير إلى أن المرة الأخيرة والوحيدة التي اختارت فيها إيران مرشداً أعلى كان في العام 1989، إثر وفاة مؤسّس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني.
وفي ذلك الوقت، كان النظام لا يزال يتمتع بقدر كبير من الدعم الشعبي، وكانت النخبة السياسية الإيرانية متّحدة. وربما كان اختيار خامنئي خليفة للخميني مفاجأة للكثيرين، نظراً لمؤهلات خامنئي الدينية الباهتة، ولكن النخبة السياسية سرعان ما احتشدت خلفه.
 
لكن اليوم وفق التقرير، تغيب العناصر التي أدّت إلى نجاح عملية الخلافة في العام 1989. فالروابط بين الدولة والمجتمع مقطوعة. وتشير العديد من الأبحاث إلى أن أكثر من 70% من السكّان يُريدون فصل الدين عن الدولة. وهناك امتعاض كبير بين السكّان بسبب انتشار الفقر، إذ إن 60% من الإيرانيين يعيشون الآن في فقر نسبيّ.
 
ففي إضاءة على سياسة المرشد الأعلى، يقول التقرير إنه لأكثر من عشرين عاماً، عمل خامنئي على غربلة النخبة السياسية، وتحويل العديد من أعضاء المؤسسة السابقين إلى منشقين وممتعضين من السياسات المتّبعة. وفي جولة الانتخابات الحالية، أقصى النظام العشرات من أتباعه، وحرص خامنئي على وجود أشخاص في القطاعات الحيوية في الحكومة شبيهة بالرئيس إبراهيم رئيسي، وهو موظف مملّ وشرير.
 
ويُدرك أعضاء النخبة المحرومون من حقوقهم أنه ليس لديهم مستقبل مشرق في حقبة ما بعد خامنئي، أمثال الرئيسين السابقين حسن روحاني ومحمد خاتمي، الذي صرّح بأنه "ليس هناك ما يشير إلى رغبة النظام الحاكم في الإصلاح وتجنب أخطاء الماضي".
 
ويرى التقرير أن خامنئي يتوجس من محطة مهمّة في تاريخ ايران وهي مرحلة السبعينيات، يوم كان الشاه بصدد تحرير النظام السياسي من خلال إصلاحات على النمط الغربي، ممّا أدى إلى تظاهرات وإضرابات حاشدة أطاحت في النهاية بالنظام الملكي.
 
والمرشد الأعلى، الذي يرى أن "التغريب" (نسبة إلى الغرب) هو الدافع وراء دعوات الإصلاح السياسي، عازم على عدم ارتكاب الخطأ نفسه، خصوصا أن إيران تواجه رياحاً معاكسة شديدة؛ وهو ما أظهرته التظاهرات منذ العام 2009، التي أثبتت أن فئة كبيرة من الشعب الإيراني غاضبة ومتمردة، ناهيك بأن الاقتصاد الإيراني الفاسد "بشكل منهجي"، والذي تقوّضه الاشتراكية والفساد والعقوبات، يُبقي النظام في حالة من عدم التوازن. وقد أثارت المظالم الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفقر والتضخم الذي يقترب من 50% في العام 2023 احتجاجاتٍ سياسية متكرّرة.
 
وعلى النقيض من قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تعبئة القومية الروسية لغزو أوكرانيا، فإن استيلاء النظام الإيراني على الهيمنة في الشرق الأوسط لم يحرّك القوميّة الفارسيّة لصالح قيادته.
 
ومن المؤكد أن التشنّجات التي أحدثها خامنئي في المنطقة ستبقى بعد وفاته. فقد نجح نهجه في التعامل مع الشرق الأوسط في اكتساب إيران قدراً كبيراً من النفوذ من دون إفلاس البلاد، ووضع إيران في شراكات مربحة مع روسيا والصين.
وكانت الفوائد الاستراتيجية كبيرة، إذ توفر موسكو تجارة حيوية في مجال الأسلحة، وتوفر بيجينغ شريان الحياة المالي الذي يحمي إيران من العقوبات الأميركية. ولا يُظهر كلا الحليفين أيّ اهتمام بتقليص البرنامج النووي المتطوّر للنظام الإيراني. وقد أثبتت استراتيجية خامنئي بالوكالة، المتمثلة في إنشاء ودعم الميليشيات الإسلامية في الأراضي العربية المنقسمة، صمودها وصعوبة مواجهتها من قبل ضحايا إيران وخصومها.
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium