النهار

"لاءات نتنياهو" والقيادة الأميركيّة النشطة
المصدر: "النهار"
"لاءات نتنياهو" والقيادة الأميركيّة النشطة
قنبلة MK 82 زنة 500 رطل موجّهة بالليزر (أ ف ب)
A+   A-

باسل العريضي

رحبت الولايات المتحدة بتعيين السلطة الفلسطينية حكومة جديدة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إن "تجديد السلطة الفلسطينية أساسيّ لتحقيق نتائج للشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وغزة، وتهيئة الظروف للاستقرار في المنطقة الأوسع نطاقاً".

جاء ذلك بالتزامن مع أخبار نقلتها صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين في وزارتي الدفاع (البنتاغون) والخارجية الأميركيتين أنه سيتم تسليم إسرائيل أسلحة جديدة تشمل أكثر من 1800 قنبلة من نوع "إم كيه 84" تزن ألفي رطل، إضافة الى 500 قنبلة من طراز "إم كيه 82" تزن 500 رطل.

كذلك أجازت الولايات المتحدة نقل 25 طائرة مقاتلة ومحركات لطائرات "إف-35 إيه" تقدر قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار، بحسب ما نقلت الـ"واشنطن بوست" عن مسؤول في الخارجية. وأضافت أن إدارة الرئيس جو بايدن وافقت على شحنة الأسلحة الجديدة دون إبلاغ الكونغرس أو الرأي العام.

وكالة "رويترز" بدورها أكدت هذه المعلومات من خلال مصدرين، رفضا الكشف عن اسميهما، بقولهما إن الولايات المتحدة أجازت في الأيام القليلة الماضية إرسال قذائف وطائرات مقاتلة بمليارات الدولارات إلى إسرائيل، على الرغم من إعلان واشنطن مخاوفها من هجوم إسرائيلي متوقّع على رفح.

يأتي ذلك على الرغم من المخاوف التي تبديها واشنطن تجاه أيّ عملية عسكرية في رفح، ومن أن أي عملية عسكرية غير مدروسة قد تهدّد حياة أكثر من مليون فلسطيني نزحوا من مختلف مناطق القطاع وتجمعوا في رفح. كما تبدي خشيتها من توسيع الجبهة الشمالية مع لبنان، وتقول إنها تمارس ضغوطاً على تل أبيب لتجنب هذا الأمر.

واللافت أنه قبل ذلك، كان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال تشارلز كيو براون، قد أعلن أن "إسرائيل لم تتسلم كل الأسلحة التي طلبتها"، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بعضها "قد يؤثر على استعداد الجيش الأميركي كما أن هناك حدوداً لقدراته".

وخلال استضافته جمعية "ديفنس رايترز غروب" للمؤسسات الصحافية المعنية بالدفاع والأمن، قال إن الإسرائيليين "طلبوا أشياء لا نملك القدرة على تقديمها أو لا نرغب في تقديمها... الآن".

وتصريحات رئيس هيئة الأركان الجنرال براون، جاءت عقب زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لواشنطن، قبل أيام، لبحث الاحتياجات العسكرية التي يريدها من الولايات المتحدة. وشكلّت الزيارة مسعى لتخفيف التوتر بين تل أبيب وواشنطن. وفي حديثه مع صحافيين قال غالانت إنه شدد على "أهمية العلاقات الأميركية بالنسبة لأمن إسرائيل" وعلى أهمية "التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي في المنطقة"، بما في ذلك قدراتها الجوية.

وأقرّ بايدن، يوم الجمعة، بما وصفه "بالألم الذي يشعر به" الأميركيون العرب بسبب الحرب في غزة وبسبب الدعم الأميركي لإسرائيل وهجومها العسكري. لكنه من الجهة الأخرى تعهد بمواصلة الدعم لإسرائيل على الرغم من تزايد الخلاف العلني بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وتأتي الحزمة الجديدة في ظلّ مواجهة إسرائيل انتقادات دولية قوية بسبب مواصلتها حملة القصف والهجوم البري في غزة، وفي ظل دعوة أعضاء من الحزب الديموقراطي الرئيس جو بايدن إلى قطع المساعدات العسكرية الأميركية.

وتجدر الإشارة الى أن واشنطن تخصّص سنوياً نحو 3.8 مليارات دولار لإسرائيل، في صورة مساعدات عسكرية، لكن بعض الديموقراطيين والجماعات الأميركية العربية تنتقد دعم إدارة بايدن الراسخ لإسرائيل الذي يقولون إنه يمنح إسرائيل شعوراً بالحصانة.

هذه الحصانة، كادت تسقط في 25 آذار الجاري، عندما قامت الولايات المتحدة بخطوة غير مألوفة بالامتناع عن التصويت في جلسة لمجلس الأمن الدولي على القرار 2728 الذي طالب بوقف إطلاق النار في غزة، وذلك بعد ستة أشهر من الحرب التي وسّعت الهوّة بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. لكن يبدو أنّ هذه الحصانة لا تزال سارية المفعول مع تأكيد سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة أن القرار "غير ملزم" لإسرائيل، كما قلّل مسؤولون آخرون في إدارة بايدن من أهمية التصويت.

وفي هذا الإطار، كتبت مجلة "الفورين بوليسي": "تواصل إسرائيل تقييد شاحنات المساعدات التي تحمل الماء والطعام والدواء لـ70 في المئة من سكان غزة الذين يواجهون مجاعة من صنع الإنسان"، وأنه على الرغم من ذلك لجأت الإدارة الأميركية الى اعتماد أساليب "دعائية" performative workarounds مثل إسقاط المساعدات من الجوّ وبناء رصيف عائم قبالة شواطئ غزة.

ويتابع المقال بالإشارة الى وجود بدائل، وأنّ الإدارة الأميركية قادرة على "الاستفادة من النفوذ الهائل للولايات المتحدة" وأن تتبنّى منهجاً شبيهاً للرئيس الأسبق جورج بوش الأب في عام 1991، عندما أوضح ووزير خارجيته جيمس بيكر أنه إذا كانت إسرائيل ترغب في الحصول على حزمة مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار من الضمانات الائتمانية، يجب عليها التوقف عن استخدام الأموال الأميركية لبناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.

وتقول كاتبة المقال إن المواجهة التي نشبت بعد ذلك الوقت بين البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية، والتي شملت تهديدات بفيتو رئاسي وحملات لوبيات الضغط الأميركية الإسرائيلية، "كانت واحدة من أكثر الفترات توتراً في العلاقات الأميركية الإسرائيلية".

لكن في ذلك الوقت، كان العالم يتحضر لعقد مؤتمر السلام في مدريد، وكان الاهتمام الأميركي منصبّاً على إنجاحه خصوصاً أن العالم كان يتهيأ في الوقت عينه للدخول الى نظام عالمي جديد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والتأسيس لنظام عالمي جديد.

الواقع الجيوسياسي اليوم يبدو كأنه مشابه لمطلع التسعينيات، الصراع شديد بين القوى الدولية لخلق عالم متعدّد الأقطاب، أي إنشاء نظام عالمي جديد.

أيضاً اتفاقات السلام بين الدول العربية وإسرائيل قائمة، وقبل "السابع من أكتوبر" كان مسار المفاوضات مع المملكة العربية السعودية قد قطع شوطاً مهماً، بيد أن الحرب التدميرية وعشرات الآلاف الذين قتلتهم إسرائيل في القطاع فرمل هذا المسار.

حلّ الدولتين عاد ليبرز على أنّه المخرج الوحيد للأزمة المتفاقمة التي تهدد بتوسّع نطاق الحرب لتصبح أكثر تعقيداً وخارج سيطرة القوى الفاعلة دولياً وإقليمياً. غير أن هذا الحلّ أيضاً دونه عقبات اختراقها يبلغ حدّ الاستحالة مع تقطيع أوصال الضفة الغربية بمستوطنات يقطنها ما يقارب 900 ألف مستوطن، ورفض إسرائيلي مطلق لأي حوار يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي منها أو حتى التفاوض بشأنها، دون أن ننسى غزة والدفع الإسرائيلي نحو تهجير الفلسطينيين باتجاه سيناء أو توزيعهم على دول العالم، وهذا ما يقوله علناً المسؤولون الإسرائيليّون.

وفي هذا السياق أشارت "الإكونوميست" في تقرير لها مطلع شباط الفائت، عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتل أبيب، إلى أنه في حرب الأيام الستة عام 1967، واجهت إسرائيل قمة عربية في الخرطوم بـ"ثلاثة لاءات": لا سلام، لا اعتراف، لا مفاوضات.

وتقول المجلة البريطانية، إن المسؤولين الأميركيين يرون في حرب غزة "تأثيراً معاكساً" إذ إن السعودية تقول نعم للسلام، والمفاوضات، والاعتراف بإسرائيل إذا وافقت على "مسار واضح وموثوق" لإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن من خلال رد فعل نتنياهو، يبدو أن "إسرائيل هي من يرفض الآن".

زيادة في تعقيد المشهد، أصدرت محكمة العدل الدولية، في كانون الثاني 2024، حكماً ابتدائياً وتدابير طارئة في حق إسرائيل في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا متّهمة إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية.

وشدّدت المحكمة على ضرورة أن تتخذ إسرائيل كل ما في وسعها "لمنع جميع الأعمال التي تتضمنها المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، وأن تتخذ "إجراءات لمنع ومعاقبة المشاركة في التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية في ما يتعلق بالفلسطينيين".

كذلك طلبت محكمة العدل من إسرائيل "اتخاذ إجراءات فورية وفعّالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمسّ الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة للفلسطينيين في قطاع غزة".

ويوم الخميس الماضي، أمرت المحكمة الدولية إسرائيل باتخاذ كل الإجراءات الضرورية والفاعلة لضمان دخول إمدادات الغذاء الأساسية لسكان غزة دون تأخير. وقالت المحكمة "إن الفلسطينيين في غزة يواجهون ظروف حياة صعبة في ظل انتشار المجاعة". وقال القضاة: "تلاحظ المحكمة أن الفلسطينيين في غزة لم يعودوا يواجهون فقط خطر المجاعة، بل إن هذه المجاعة قد ظهرت بالفعل".

وتعدّ محكمة العدل الدولية أكبر هيئة قضائية في الأمم المتحدة، ومن مهامها الفصل في النزاعات بين الدول الأعضاء في المنظمة الدولية وتعتبر قرارتها ملزمة، لكنها لا تملك آلية لفرض تنفيذ قراراتها.

تناسل الأزمات، ليس محصوراً في الشرق الأوسط، بل إن العالم بأسره يعيش اضطرابات متنقلة لم تسلم منها أيّ قارة، وهذا مردّه إلى حراك الدول الكبرى لاستعادة نفوذها القديم أو إحياء آخر جديد، على اعتبار أن أحادية القطب لم تجلب الأمان والاستقرار الى العالم، وطبعاً الطرف المقصود هنا الولايات المتحدة.

وتقول صحيفة "النيويوركر" في مقال نشرته في السادس من شباط 2024، إن دور واشنطن في الشرق الأوسط، يبدو إلى حدّ كبير أنه "ردّ فعل على الأزمة الحالية"، بدلاً من تقديم "رؤية استباقية" للمنطقة بأكملها.

وتتابع، حتى الحدّ الأدنى من النجاح الديبلوماسي على الجبهات المختلفة في هذه البقعة من العالم "لن يحل نقاط التوتر على الجبهات الأخرى، أو التوترات الأساسية التي جعلت الشرق الأوسط مرة أخرى الزاوية الأكثر اضطراباً في العالم". لتختم بالقول، "سوف يستغرق الأمر الكثير والكثير لقلب أو إبطال زخم المجموعة الحالية من الصراعات".

مقابل كلام "النيويوركر" يقول مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، إن الولايات المتحدة "ليست مسؤولة حصراً عن حلّ أي من مشاكل الشرق الأوسط المزعجة، لكن لا يمكن إدارة أي منها، فضلاً عن حلها، بدون قيادة أميركية نشطة".

عَوداً على بدء، الأطراف العربية المعنيّة بالحرب على قطاع غزة، مباشرة أو بشكل غير مباشر، تقوم بما يمكن للخروج بحلّ مستدام بدأ بمبادرة السلام العربية عام 2002 وصولاً إلى إدارة مفاوضات الهدنة اليوم، لكن يبقى الطرف الآخر المتعنت وراء "لاءاته" ورفضه تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2728 أو توصيات محكمة العدل الدولية؛ وهنا يأتي دور "القيادة الأميركية النشطة" ما دام النظام العالمي قائماً على قطب واحد.

أمّا إذا باتت الحرب القائمة حالياً جزءاً من حلبة الصراع بين القوى العالمية وحتى الإقليمية، لتكريس نفوذها وحجز مكان لها على طاولة القرار الدولي، فهذا يعني أن المنطقة باقية لتكون "الأكثر اضطراباً في العالم" لفترة أطول بعد، أمّا طلائع هذا الاضطراب فليست في حاجة الى تفصيل، إذ تكفي مراقبة أجواء الشرق الأوسط الملبّدة بغيوم الأزمات والمزدحمة بشتى أنواع المسيّرات. 

 

 

اقرأ في النهار Premium